في أحد السجون التركية، يجلس أحد الصحافيين منزوياً حزيناً، لا تختلف حاله عن آخر يحلم في الحرية في زنزانة كئيبة بسجن في الصين، والصحافيان السابقان لا يتحدثان اللغة نفسها التي يتحدث بها صحافي مصري تعذبه قوات الأمن في واحد من السجون المصرية.
لا يعرف بعض الصحافيين السابقين بعضاً، لكنهم يشتركون في كونهم يعيشون في ثلاث دول تعد الأكثر سجناً للصحافيين في العالم بحسب تقرير حديث أصدرته أخيراً لجنة حماية الصحافيين (مقرها نيويورك).
يؤكد التقرير أن نصف الصحافيين المحبوسين في العالم في سجون الدول الثلاث السابقة، للسنة الثانية على التوالي، وهو ما يظهر أن هذه الدول مصممة على أن تكون في القائمة من دون مجهود لتحسين سجلها الحقوقي.
وبحسب لجنة حماية الصحافيين، فإن هذا الأمر يمكن اعتباره فشلاً ذريعاً للمجتمع الدولي المنوط به القيام بدور أكبر في حماية الصحافيين والدفاع عن حرية الصحافة.
يرى التقرير الذي أعدته إيلينا بيسير مديرة تحرير لجنة حماية الصحافيين، أن المجتمع الدولي كانت عليه "معاقبة الدول القمعية بسبب سلوكها الاستبدادي"، إلّا أن ما حصل هو العكس، إذ وطدت الولايات المتحدة على سبيل المثل، علاقاتها مع حكام هذه الدول التي تحبس الصحافيين.
يؤكد التقرير أن ما يقارب ثلاثة أرباع الصحافيين المحبوسين في العالم يحاكمون بقوانين وصفها التقرير بالفضفاضة، وتأتي تحت بند مكافحة الإرهاب. كما أن عدد الصحافيين المحبوسين بتهمة نشر أخبار كاذبة، وصل إلى 21 صحافياً.
هناك 262 صحافياً سجيناً في العالم بسبب ممارسة عملهم، والدول الثلاث التي تسجن أكبر عدد من الصحافيين وهي بالترتيب تركيا، الصين ومصر مسؤولة عن احتجاز 134 صحافياً (أي 51%) من المجموع.
ما الذي يحدث للصحافيين في تركيا؟
يقول التقرير إن السجون التركية فيها حالياً 73 صحافياً محبوساً، وكان العدد العام الماضي 81، ويواجه العشرات منهم محاكمات، كما أن الحملات الهادفة إلى القبض على صحافيين جدد، لا تتوقف. وتتهم السلطات التركية بعض الصحافيين بالعمل لمصلحة منظمة يقودها الزعيم الديني الذي يعيش خارج البلاد فتح الله غولن. وهذه الاتهامات سببها فقط استخدامهم تطبيقَ رسائل على الهواتف الذكية يدعى بايلوك، أو امتلاك حسابات بنكية لدى مؤسسات تقول السلطات أنها مملوكة لغولن. وأشار التقرير إلى انتهاكات عدة تحصل للصحافيين المحبوسين، وإلى أن القضاء لا يتعامل معهم بعدالة.نصف الصحافيين المحبوسين في العالم في سجون ثلاث دول: تركيا، الصين ومصر
المصالح تحمي الصين
يتعجب تقرير لجنة حماية الصحافيين من أن الرئيس الصيني شي جينبينغ يتمتع بمكانة دولية مرموقة، على الرغم من أن بلاده تسجن عشرات الصحافيين، إذ ارتفع عددهم في الصين إلى 41 بعد أن كان 38 العام الفائت. ولم يعلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب على هذا الأمر حين زار بيكين في نوفمبر الماضي. ويرى التقرير أن المصالح جعلت ترامب يصمت، إذ يتصاعد حالياً التوتر بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية المجاورة الصين، كما أن ترامب يرغب في إعادة التفاوض حول اختلال الميزان التجاري مع الصين، وهو ما يجعل الولايات المتحدة في حاجة إلى مساعدتها أكثر مما تحتاج الصين إلى مساعدتها. وكان الكاتب يانغ تونغيانغ توفي في السجن، وقد كان مصاباً بسرطان خطير في الدماغ، وتوفي الكاتب هوانغ كي أيضاً الذي سجن فى ظروف صحية صعبة، إذ كان مصاباً بمرض في الكلى.في مصر... لا مكان لحرية التعبير
يقبع عشرون صحافياً في سجون مصر، وكان العدد في العام الماضي 25، والمحبوسون بغالبيتهم، ظروفهم الصحية سيئة، ومن بينهم المصور محمود أبو زيد، المعروف باسم شوكان. اعتقل أبو زيد حين كان يغطي عملية فض اعتصامات معارضة للنظام المصري، على أيدي قوات الأمن، وهو في الحبس الاحتياطي منذ أكثر من أربع سنوات. يواجه شوكان تهماً عدة، منها: حيازة أسلحة، التجمع غير المشروع والشروع في القتل. وبحسب لجنة حماية الصحافيين، فإن شوكان مصاب بفقر الدم ويحتاج إلى نقل دم، ويؤكد تقرير اللجنة أنه محروم من العناية الطبية في المستشفى. يضيف التقرير أن من بين الصحافيين العشرين السجناء في مصر، 12 صحافياً لم يدانوا بارتكاب أي جريمة أو لم تصدر ضدهم أي حكم. يتعجب تقرير اللجنة من أن حبس الصحافيين يأتي في الوقت نفسه الذي تتعاون القاهرة مع واشنطن في المجال الأمني، وبعد فترة قصيرة من لقاء السيسي بترامب في البيت الأبيض في أبريل الماضي. ترى اللجنة أن قانون مكافحة الإرهاب المصري يتيح للسلطات إدراج صحافيين على قوائم المشتبه بارتباطهم بالإرهاب، ولو صدرت أحكام تبرئهم من هذه الاتهامات، ما يفرض عليهم قيوداً مالية وقيوداً أخرى على حقوقهم.صحافيون محبوسون من دون تهم معروفة
يؤكد تقرير اللجنة أن هناك حوالى خمسة وثلاثين صحافياً في العالم محبوسون من دون أن تعلن السلطات الاتهامات الموجهة إليهم، ويصل القمع إلى درجة عدم معرفة ما إذا كانوا على قيد الحياة أم لا. وفي بعض الأماكن مثل إريتريا وسوريا، صحافيون محتجزون، ولم يُعرف عنهم أي خبر منذ سنوات عدة، أي أن العالم لم يعد يعرف ما إذا كانوا أصلاً على قيد الحياة أم لا.أرقام أخرى
بلغ عدد الصحافيات المحبوسات من مجموع الصحافيين السجناء في العالم، 22 صحافية، أي ما يشكل 8%. ووصل عدد الصحافيين المستقلين المحبوسين 75 صحافياً. 87% من الصحافيين المحبوسين يغطون موضوعات سياسية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...