تتميز مدينة الحديدة اليمنية بأهمية جغرافية وسياسية، فهي تقع على ساحل البحر الأحمر، وتبعد عن العاصمة صنعاء نحو 226 كيلومتراً، كما تحوي أكبر ميناء يمني، وتمثل شريان حياة لأغلبية سكان البلاد. لذلك تُعدّ مصدر قوة لمَن يسيطر عليها، إذ ستمكنه من التحكم بكل ما يتعلق بالملاحة البحرية في مضيق باب المندب.
ورغم تحذيرات كثيرة من مخاطر فتح معركة السيطرة عليها وانتزاعها من الحوثيين، إلا أن الجيش اليمني بدأ في 12 يونيو، بدعم من التحالف العربي بقيادة السعودية، هجوماً على المدينة التي تقع غربي البلاد، في معركة وصفها مراقبون بأنها الأصعب في الحرب الدائرة في اليمن منذ سنوات.
وقبل هذا الهجوم مباشرة، أكدت الحكومة اليمنية أنها ستقوم، بدعم من التحالف، بما قالت إنه واجبها الوطني تجاه أبناء الحديدة فور تمكنها من تحرير الميناء، مؤكدة أنها ستعمل على التخفيف من معاناتهم والعمل على إعادة الحياة الطبيعية إلى كافة مديريات المحافظة، بعد تطهيرها ممّن تسميهم بـ"الانقلابيين".
كما أصدرت الحكومة اليمنية في 13 يونيو، بياناً، تعليقاً على المعركة، قالت فيه إن "طائرات وسفن التحالف تنفّذ ضربات تستهدف تحصينات الحوثيين دعماً للعمليات البرية لقوات الجيش اليمني التي احتشدت جنوبي المدينة المطلة على البحر الأحمر".
وتعتبر الحكومة أن السيطرة على الميناء يمثل بداية السقوط للحوثيين، ويؤمّن الملاحة البحرية في مضيق باب المندب، ويقطع أيادي إيران التي "طالما أغرقت اليمن بالأسلحة التي تسفك بها دماء اليمنيين الزكية"، على حد تعبير البيان.
ومنذ فجر 13 يونيو، شنّت طائرات التحالف العربي غارات تستهدف تحصينات حوثية، بالتزامن مع قصف شنته بوارج التحالف. وأفادت مصادر صحافية بأن بوارج وسفناً حربية تابعة للتحالف اقتربت من سواحل مديرية الدريهمي، وسط تحليق مكثف للطائرات المروحية.
ولا يمكن الحديث عن معركة الحديدة من دون ذكر الدور الكبير لدولة الإمارات العربية المتحدة فيها. فبداية الهجوم نفسه كانت بتقدّم قوات تقودها الإمارات على طول الساحل الجنوبي الغربي إلى أطراف الحديدة في إطار استراتيجية للتحالف تهدف إلى محاصرة الحوثيين. وبعد ذلك دفع الجيش اليمني بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى المنطقة.
ويأتي الهجوم الحالي على المدينة بعد ساعات قليلة من حوار أجراه وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، اعتبر فيه أن المهلة المتاحة للأمم المتحدة من أجل إقناع مليشيات الحوثي المتحالفة مع إيران بإخلاء ميناء الحديدة اليمني، تنتهي ليل 12 يونيو.
في نفس الحوار، قال قرقاش إن التحالف العربي أمهل مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مارتين غريفيث يومين فقط لإقناع الحوثيين بالانسحاب من ميناء ومدينة الحديدة.
أيضاً، دعا قرقاش، على حسابه الرسمي على تويتر، الحوثيين لإخلاء الحديدة، مضيفاً أن على المجتمع الدولي الضغط عليهم من أجل أن يقوموا بذلك وأن يتركوا الميناء سليماً.
وتعتبر الإمارات أن تحرير الحديدة من الحوثيين، وتأمين الميناء سيُنتج واقعاً يمنياً جديداً، وسيجبر الحوثيين على الدخول في مفاوضات. لكن يبدو أن رهان الإمارات هذا لا يهتم بما يمكن أن يواجهه المدنيون في المدينة جراء هذا الهجوم.
إلا أن الكثير من المنظمات الدولية تهتم بالأمر، خاصةً أن ميناء الحديدة هو المنفذ التي تمرّ منه المواد الغذائية والمواد الأساسية الأخرى إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
وطالبت الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر كل الأطراف المتصارعة في اليمن بحماية المدنيين، وضمان حصولهم على المساعدات التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة.
وكانت مسؤولة في الأمم المتحدة قد حذّرت في الثامن من يونيو من أن هجوم التحالف على الحديدة قد يؤدي إلى موت نحو 250 ألف شخص، بينما يرى الصليب الأحمر أن الهجوم سيزيد من الأزمة الإنسانية الكارثية في اليمن.
من جانبها، تقدّر الأمم المتحدة أن هناك نحو 600 ألف شخص يعيشون في المنطقة، قد يتعرض الكثيرون منهم بسبب الهجوم إلى الموت، بالإضافة إلى احتمالية توقف وصول المساعدات والإمدادات التي تتيح للملايين البقاء على قيد الحياة.
وتتوقع الباحثة السياسية في معهد البحوث والدراسات العربية رحمة محمود أن تكون معركة الحديدة هي الأخطر والأضخم في الحرب التي تدور في اليمن منذ تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية.
تعتبر الحكومة اليمنية أن السيطرة على مدينة الحديدة ومينائها يمثل بداية سقوط الحوثيين، ويقطع أيادي إيران التي "طالما أغرقت اليمن بالأسلحة التي تسفك بها دماء اليمنيين الزكية"
انطلاق معركة الحديدة في اليمن... وتوقعات بأن تكون المعركة الأخطر والأضخم في الحرب التي تدور منذ تدخل التحالف العربي بقيادة السعوديةوترى محمود أن إيران نفسها لن تترك حلفاءها يواجهون بمفردهم التدخل الخليجي، كما لن تسمح للسعودية تحديداً بالتفوق عليها في ساحة المعركة التي تدور على الأراضي اليمنية. "في نفس، الوقت التحالف بقياد السعودية يعتبر أن حربه في الأساس ضد إيران وليست ضد مواطنين يمنيين تدعمهم طهران بشكل أو بآخر، إذاً فنحن نتحدث عن معركة ستعطي قوة حقيقية للمنتصر فيها"، تقول محمود. واعتبرت الباحثة السياسية أن هجوم الحديدة تم بالتأكيد بمباركة أمريكية، وقالت: "أستبعد تماماً أن تكون السعودية وحليفتها الإمارات قد قامتا بهذه الخطوة من دون دعم (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب، ومَن سيدفع الثمن في النهاية هم المدنيون اليمنيون". وفي مواقفها المعلنة، طالبت وزارة الخارجية الأميركية الأطراف المتنازعة في اليمن باتخاذ تدابير للتخفيف من خطر وقوع إصابات بين المدنيين ولتسهيل جهود أعمال الإغاثة. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤول أمريكي في الرياض أن الإدارة الأمريكية طلبت من السعوديين والإماراتيين عدم التحرك نحو الحديدة أو مينائها. كما نقلت وكالة رويترز عن متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي قوله إن "واشنطن لا تدعم أي عمل يحتمل أن يزيد من تدهور الوضع الإنساني الرهيب الذي اتسع نطاقه في هذا الصراع المتأزم". ودعا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الجيش و"المقاومة" إلى "الحسم العسكري لتحرير مدينة الحديدة من ميليشيات الحوثي الإيرانية"، مؤكداً أن الأمور في الحديدة، وصلت إلى درجة الكارثة الإنسانية جراء الممارسات الحوثية، ومضيفاً أن الميليشيات الإيرانية رفضت التوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة. وكان هادي قد قام في 12 يونيو بزيارة للإمارات والتقى فيها بولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين