في يناير الماضي، أعلن السفير القطري في موسكو فهد بن محمد آل عطية أن المفاوضات التي بدأتها الدوحة مع موسكو بهدف شراء منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية "أس-400" وصلت إلى مرحلة متقدمة.
لم تستلم قطر حتى اليوم هذه المنظومة، لكن استمرار المفاوضات في حد ذاته يزعج المملكة العربية السعودية بشدة، إلى درجة أن صحيفة لوموند الفرنسية كشفت يوم الجمعة أن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أرسل رسالة إلى الإليزيه عبّر فيها عن "قلقه العميق" من هذه المفاوضات، محذّراً من خطر التصعيد.
وأشار العاهل السعودي إلى أن "المملكة ستكون على استعداد لاتخاذ كل التدابير الضرورية للقضاء على هذا النظام الدفاعي، بما في ذلك القيام بتحرك عسكري".
وأضافت لوموند أن الملك سلمان طلب في رسالته من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المساعدة على "منع عملية البيع والحفاظ على استقرار المنطقة".
لكن لماذا ترغب الدوحة في الحصول على هذه المنظومة من روسيا؟ ولماذا تعبّر السعودية عن قلقها من هذه الصفقة؟ وهل سيناريو التصعيد العسكري بين السعودية وحلفائها من جهة، وقطر وحلفائها من جهة أخرى وارد؟
ما هي منظومة "أس-400"؟
تُعتبر منظومة صواريخ "أس-400" الروسية "نظام دفاع جوي متقدماً بدرجة كبيرة، وتوضع في قائمة أحدث أسلحة الدفاع الجوي في العالم، وتنافس بقوة منظومة الدفاع الجوي الأمريكية باتريوت". يمكن لهذه المنظومة تدمير كل أنواع الأهداف الجوية، بما في ذلك الطائرات صغيرة الحجم من دون طيار، والصواريخ المجنحة، فضلاً عن الصواريخ ذات المسار البالستي التي تبلغ سرعتها 5000 متر في الثانية. وبحسب مواقع عسكرية متخصصة، تُعَدّ هذه المنظومة الأكثر تطوراً في العالم، ويمكنها الانتصار بكل سهولة على جميع أنواع الطائرات الحربية، بما فيها طائرة فانتوم الأمريكية الشهيرة. وتتميز هذه المنظومة التي تزود بها الجيش الروسي في أغسطس 2007 بإمكانية تزويدها بخمسة أنواع من الصواريخ متعددة المهام والأغراض. إذاً، فنحن نتحدث عن منظومة تضمن لمَن يمتلكها الدفاع عن نفسه بقوة ضد أي اعتداء. وفي السنوات الأخيرة، أعلنت السعودية نفسها عن رغبتها القوية في امتلاك هذه المنظومة التي تضمن لها بشكل أساسي حماية أجوائها من الصواريخ التي تطلق عليها بشكل مستمر من الأراضي اليمنية، ومن أية صواريخ أخرى.لماذا ترغب الدوحة في امتلاك "أس-400"؟
بحسب الباحث في العلاقات الدولية في معهد الدراسات والبحوث العربية محمد خليفة، فإن هناك عدة أسباب وراء رغبة قطر في الحصول على المنظومة، أبرزها عدم ثقتها في جيرانها العرب بسبب مواقفها السياسية المغايرة لمواقفهم، ودعمها القوي لجماعات سياسية تعتبرها بعض الدول العربية إرهابية. ويرى خليفة أن قطر لا تضمن الموقف الذي من الممكن أن تتخذه السعودية ضدها في أي وقت، بمساعدة الدول المقاطعة لها، خصوصاً الإمارات ومصر. وفي يونيو 2017، قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وأوقفت الحركة البحرية والبرية والجوية معها، وصاحبت ذلك حرب إعلامية غير مسبوقة بين الطرفين. وتتهم هذه الدول الدوحة بدعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في المنطقة والتحول عن محيطها العربي باتجاه إيران، وهو ما تنفيه قطر التي تعتبر أن ما يحدث لها حصار وليس مقاطعة دبلوماسية. بحسب خليفة، فإن رغبة قطر في الحصول على منظومة "أس-400" قوية، لأنها ستعزز من قوتها الدفاعية. وفي نفس الوقت، يمكن اعتبار الأمر صفعة للسعودية نفسها التي كانت ترغب بشدة في الحصول على هذه المنظومة قبل أن تتوقف المفاوضات. والاحتمال الأكبر هنا برأي خليفة هو أن الولايات المتحدة تدخلت بقوة لمنع السعودية من شراء هذه المنظومة من روسيا.هناك عدة أسباب وراء رغبة قطر في الحصول على منظومة صواريخ "أس-400" الدفاعية الروسية، أبرزها عدم ثقتها في جيرانها العرب
"الولايات المتحدة لا ترغب بالتأكيد في حصول قطر على منظومة أس-400 المتقدمة من روسيا، ومن الممكن أن تبدأ الضغط لوقف الصفقة، وهي قادرة على ذلك""لا شك في أن منطقة الخليج أصبحت مشحونة، والمتابع الجيد للإعلام الخليجي مثل الجزيرة وسكاي نيوز والعربية يدرك جيداً أن حال الخليج قبل قرار مقاطعة قطر مختلف تماماً عنه بعد مقاطعتها. أصبح هناك عداء حقيقي واضح ولا يبدو أنه سينتهي قريباً"، يقول خليفة. لكن الباحث في العلاقات الدولية يستبعد أن تقوم السعودية بأي عمل عسكري ضد الدوحة في حال امتلاكها هذه المنظومة، على الأقل في الوقت الحالي، ويرى أن الرياض تورطت بالفعل في حربي اليمن وسوريا، وهو ما جعلها تخسر الكثير من الموارد المالية والبشرية، كما تتلقى اتهامات من منظمات دولية حقوقية بارتكاب "انتهاكات شديدة" في اليمن. "لا أظن أن السعودية قادرة على تحمل تكاليف حرب جديدة في المنطقة، في ظل اقتصاد داخلي منهك، وفشل واضح في أكثر من ملف، سواء ملف اليمن، أو سوريا، أو حتى ملف مقاطعة قطر نفسه"، يقول الباحث. لكن خليفة يلفت النظر إلى نقطة مهمة تضاف إلى ما سبق وهي وجود القوات التركية على الأراضي القطرية والتي تضمن للدوحة حماية بشكل كبير، بسبب وجود معاهدة دفاع مشترك بين البلدين. ويضيف أن وجود قاعدة العديد الأمريكية على الأراضي القطرية يمثل نقطة قوة لقطر لا يمكن تجاهلها. ويرى خليفة أن الحرب قادمة لا محالة، إنْ لم تكن قد بدأت بالفعل، لكنها لن تكون حرباً عسكرية، بل ستتخذ أشكالاً أخرى، أبرزها السياسي والاقتصادي والإعلامي، مضيفاً أن الأمر سيزيد بمراحل عمّا يحدث بالفعل حالياً. "الخزائن ستفتح بدون حساب لهذه الحرب"، يقول. ويبدو أن روسيا غير مستعدة لوقف مفاوضاتها مع قطر بهدف إمدادها بمنظومتها الدفاعية القوية. وقال نائب رئيس لجنة شؤون الدفاع والأمن بمجلس الاتحاد الروسي ألكسي كوندراتييف إن موقف الرياض لن يؤثر على خطة موسكو لتوريد منظومات "أس-400" إلى الدوحة. وأكد كوندراتييف أن روسيا تسعى إلى تحقيق مصلحتها وإدخال المال إلى ميزانية الدولة، واصفاً ما نُسب إلى العاهل السعودي حول استعداد المملكة للقيام بعمل عسكري ضد الدوحة إذا نصبت "أس-400" بأنه "من مظاهر الابتزاز". وفي يناير الماضي، قالت المتحدثة باسم البنتاغون دانا وايت، في مؤتمر صحافي، إن شراء قطر منظومة "أس-400" يُعَدّ "قراراً سيادياً لقطر". لكن محمد خليفة يقول إن تصريحات وزارة الدفاع الأمريكية مجرد كلام يقال فقط في المؤتمرات الصحافية، معتبراً أن "الولايات المتحدة لا ترغب بالتأكيد في حصول قطر على منظومة متقدمة من روسيا، ومن الممكن أن تبدأ الضغط لوقف الصفقة، وهي قادرة على ذلك، إلا لو كانت لديها خطط أخرى".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعتين??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 22 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون