على حافة مائدة "أهل الخير" بمنطقة "حي السيدة زينب"، تجلس اعتماد إبراهيم، وبجوارها الشاب محمود عبدالرحمن، منتظرين مدفع الإفطار، وأمام كل واحد منهما "طبق أرز، وآخر بسلة، وقطعة لحم، وطبق حلويات، ورغيف خبز وكوب ماء مثلج".
الستينية اعتماد إبراهيم، لا تحتاج مزيدًا من الوقت لتصنيفها إلى أي الطبقات تنتمي، فثيابها وملامح وجهها والشنطة التي تضعها أسفل قدمها بما تحويه من طعام، تشير إلى بساطتها، أما "محمود" فثيابه المهندمة ومظهره الحسن، يجعلك تدرك للوهلة الأولى أنه من الطبقة المتوسطة.
تقول الحاجة "اعتماد" التي تسكن في شارع السلام المتفرع من "منطقة حي السيدة زينب" إن ظروفها ميسورة الحال، فهي عاملة بأحد المستشفيات وزوجها متوفى وأولادها الـ 5 متزوجون، واعتادت المجيء للمائدة لكبر سنها وصعوبة إعداد وجبتها بمفردها، ومن ناحية أخرى لتوفر راتبها الذي تتقاضاه.
وتقول لـ"رصيف 22"، إن أشهر المواسم "رجب وشعبان ورمضان" هي الأفضل بالنسبة لها، لأنها تخرج منها بما يلبي احتياجاتها وأولادها ويساعدها على جمع مبالغ الهدايا والملابس الجديدة التي تشتريها لأحفادها في العيد.
أما "محمود" الذي تخرج من كلية آداب علم نفس 2012، والقادم من محافظة سوهاج، للعمل الآن بمحل للأدوات الكهربائية في حي السيدة، فهدفه من المائدة لا يختلف كثيرا عما ذكرته "اعتماد".
يقول إنه اعتاد في كل رمضان أن يأتي للمائدة للإفطار يومياً قبل الذهاب لعمله، لتوفير ثمن وجبة الإفطار التي يقدرها بنحو 20 – 30 جنيهاً يومياً، وهو متزوج ولديه ولد وبنت، ويسافر كل آخر شهر للقاء أسرته.
مائدتي تجمع مختلف الطبقات، "غني وفقير". بهذه الكلمات أكد الشيخ "أبو عمر" صاحب أكبر مائدة في منطقة السيدة زينب. وأشار أبو عمر إلى أن عدد الذين يترددون على مائدته يقدرون بنحو 200 يومياً من أماكن متفرقة بمحافظات الجمهورية من منطقة السيدة زينب نفسها أو مغتربين أو أشخاص صادف مرورهم وقت الإفطار وأصحاب المحال التجارية وغيرهم.
وبيّن لـ"رصيف 22"، أن أهداف زوار الموائد مختلفة إما "التوفير أو الفقر والحاجة أو الاغتراب أو أن يكون الشخص عابر السبيل".
راحة وانتخة
ننتقل لجانب آخر من حكايات متعة رمضان وهي "الأنتخة"؛ مقولة شعبية دارجة على ألسنة المصريين وتعني "الراحة والاسترخاء" وتنطبق على فئة كبيرة من الموظفين في شهر رمضان، ممن تقل عدد ساعات عملهم، وتزيد إجازاتهم، ويحظون بهدوء أعصاب مديرهم. بسمة غالي، الموظفة في هيئة قضايا الدولة، بأسيوط، بدت سعيدة وهي تتحدث عن مزايا شهر رمضان من ناحية الراحة الجسدية والنفسية، فتوقيت العمل قل أكثر من ساعتين يومياً فبدلاً من 8:30 صباحاً حتى 2:30 مساءً أصبح من 9:30 إلى الساعة 1 ظهراً. أوضحت غالي لـ"رصيف22" أن أغلب الموظفين في هيئتها الحكومية يجمعون إجازاتهم في رمضان، ويستمتعون بها وهم صائمون إما مستلقون على الأسرة أو جالسين أمام أجهزة التلفاز أو يستغلونها في دعوة الأهل والأحباب لإفطارهم أو يذهبون هم لزيارتهم. وأكدت أن بعض الموظفين في هيئتها الحكومية مثل "المستشارين القضائيين" في الغالب لا يأتون إلى العمل إلا إذا كانت لديهم جلسات فقط أي يوماً أو يومين في الأسبوع، وحينما ينهون عملهم يعودون لمنزلهم ويستمتعون بأوقاتهم.المدير الكيوت
أما علي أحمد، مأمور ضرائب في المنيا، فيذهب لأبعد من ذلك، ويرى أن أكبر فائدة تعود عليه من رمضان هو هدوء أعصاب المدير في هذا الشهر. يقول أحمد لـ"رصيف 22" إن العاملين في هذا القطاع "مرتاحين"، لأن المدير قد يتساهل مع الموظفين أحياناً ويتعامل بهدوء بعكس الأيام العادية التي يبدو فيها عصبياً في أغلب الأوقات، لدرجة أنه يقوم أحياناً بـ"تظبيط" بعض كشوف الإنتاج للعاملين المقصرين في شهر رمضان حتى لا يضر أحداً أو يخصم من راتبه. وأوضح أن كشف إنتاج الموظف من المفترض أن يكون 100 % أما في شهر رمضان لو قلت هذه النسبة فيراعي المدير ذلك ويرفع النسبة للحد المطلوب. هذا فضلاً عن قلة مواعيد العمل إلى ما يقرب من 3 ساعات فقط من الساعة 10 صباحاً حتى 1 ظهراً بعدما كانت من 8:30 إلى 4:30.السهر والمتعة
رضوى مشهور، المدرسة في إدارة جنوب حلوان، قالت إن المعلمين هم أكثر فئة يسعدون بمجيء شهر رمضان، فهم يستفيدون من الناحية المادية وكثرة الإجازات. وأوضحت المدرسة في المرحلة الابتدائية، أنه بدءاً من هذا الشهر تم تعليق جداول بالمواعيد الجديدة الخاصة بشهر رمضان، وهي من الساعة 9- 1 ظهراً للرجال، ومن 9 إلى 12 ظهراً للسيدات. وبيّنت مشهور أن كثيرين من المدرسين قد يكتفون فقط بالذهاب للمدرسة للإمضاء في كشف الحضور ويعودون لمنازلهم مرة أخرى دون ضرر أو نقص في رواتبهم لاسيما في وقت الإجازات. وذكرت أن هذه المواعيد تساعدها على الذهاب مبكراً إلى المنزل وتجهيز الإفطار لأسرتها، كما أن موعد الذهاب المتأخر يجعلها تقضي السهرة بأريحية بين أولادها بخلاف التوقيت في الأيام العادية التي تضطر فيها للاستيقاظ الساعة 6 صباحاً يومياً. هذا فضلاً عن حصولها على زيادة استثنائية قدرها 10 % تضاف إلى راتب شهر رمضان.ملء الثلاجة
"ريهام علاء" وهي ربة الأسرة ترى أن أكثر ميزة عادت عليها في هذا الشهر هو ملء ثلاجتها بالخيرات من كل الأصناف من الإبرة للصاروخ، حسب وصفها. وأوضحت لـ"رصيف 22" أن البقوليات "الأرز والمعكرونة والفول والعدس" تكون بالشكائر في هذا الشهر، أما الفريزر فيكتظ بكل أنواع اللحوم والطيور والأسماك" فضلاً عن العصائر والفاكهة والحلويات وغيرها. ومن المتعة أيضاً التي تراها "ريهام" هو توافر الأكلات التي تهواها الأنفس كالقطائف والكنافة والحلويات التي لا يراها الإنسان إلا في هذا الشهر.رجيم بدون طبيب
شيرين السيد، 21 سنة، طالبة في كلية التجارة، 90 كيلوغراماً، تنتظر رمضان لشيء آخر هو تطبيق نظام "رجيم" دون اللجوء إلى طبيب أو الاعتماد على أعشاب، مستفيدة من فترة انقطاعها عن الطعام مدة الصيام. تقول السيد لـ"رصيف 22" إن ريجيمها بسيط يعتمد على الإفطار الخفيف القائم على الخضر وطبق السلطات، والطبقة العليا من الخبز، لأن السفلي حسب قولها تعمل على عسرة الهضم. كما أنها لا تبدأ في الإفطار مباشرةً بل تمهد ببعض تمرات وكوب ماء، وبعد 15 دقيقة تبدأ أكل ما على السفرة.اللمة الحلوة
"من أكثر الأشياء التي انتظر رمضان لأجلها هي تجميع الأصدقاء الذين بمثابة عائلتي في الغربة". بهذه الكلمات تحدث الصحفي مؤنس حواس عما يمثله شهر رمضان له. وفيصل لقوشة، هو قيادي عمالي بمصنع الغزل والنسيخ، أكد وجود تساهل تجاه العاملين في المصنع، قائلاً: "مفيش ضغط، فيه تساهل" وعدد الساعات يقل فبدلاً من 8 لـ 3 مساء، تصبح من 9 إلى 2 مساء. وأوضح لقوشة لـ"رصيف22"، أن كل عامل في أقسام المصنع المختلفة "الغزل والنسيخ والملايات، والتدوير، والبرم، والتحضير، الصبغة"، يحدد إليه من قبل "المراقبة الصناعية" كم الانتاج الذي يفترض القيام به، فلو كان 100 كيلو قماش في رمضان يقل إلى 80 مثلاً مراعاةً لرمضان. وفي الختام يرى الخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات السياسية والاقتصادية، أن الانتاج من المفترض أن يزيد في رمضان، نظراً لتوفير مدة تناول الطعام في العمل، لكن ذلك يتوقف على حسن الإدارة المسؤولة عن سير العملية الانتاجية بالتوجيه ومحاسبة المقصر. وبيّن عبده لـ"رصيف 22" أن مصر تعاني من سوء إدارة، فبدلاً من العمل بنظام الإنتاجية وفقاً لما ينتجه العامل، يحاسب العامل بعدد الساعات، وهذه مشكلة تعاني منها البلاد مع الدول المجاورة منذ فترة، ولم تحل بعد.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...