يبدو أن التحالف الذي تشكل منذ سنوات بين إيران وروسيا لمنع سقوط النظام السوري بات على المحك، إذ يتحدث كثيرون عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صار يرغب في إقصاء طهران عن المشهد، حفاظاً على مصالحه الاقتصادية والسياسية في "سوريا ما بعد الحرب" وإرضاءً لإسرائيل.
في 30 مايو، نقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن كل القوات غير السورية يجب عليها الانسحاب من حدود سوريا الجنوبية مع إسرائيل في أسرع وقت ممكن.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أكد، خلال لقائه بنظيره السوري بشار الأسد في 17 مايو، على ضرورة انسحاب القوات الأجنبية من سوريا بأكملها بعد تفعيل العملية السياسية.
وأوضح مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف أن المقصودين هم الإيرانيون وحزب الله والأمريكيون والأتراك.
هل تقبل إيران بإملاءات روسية؟
جاء الرد سريعاً من إيران بشكل رسمي، على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي الذي قال إن لا أحد يجبر طهران على فعل أي شيء مؤكداً أنه طالما أن الإرهاب موجود وتريد الحكومة السورية وجوداً إيرانياً، ستبقى إيران في سوريا. ويقول مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان لرصيف22 إنه "لا توجد قوات إيرانية أو مستشارين إيرانيين في الجنوب السوري أو في منقطة خفض التوتر في درعا، لكن ربما يقصد الوزير الخارجية الروسي القوات الشعبية المتحالفة مع الجيش السوري". ويضيف المحلل الإيراني أن الجمهورية الإسلامية تتفهم المصالح الروسية مع إسرائيل وغيرها، لكنها "لن تقبل بأية إملاءات بأي شكل من الأشكال من روسيا، وخروج إيران من سوريا لن يتم إلا عبر طلب من حكومة دمشق". يشير صدقيان إلى أن هناك مصالح روسية تختلف عن مصالح إيران في سوريا و"تتفهم طهران مصالح وعلاقات موسكو مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ولكنها لا تريد أية تفاهمات على حساب التعاون بين الجانبين في سوريا". ويلفت إلى أن عدم مشاركة إيران في مناطق خفض التصعيد التي تَفاوض عليها الروس والأمريكيون يدل على أنها لا تقبل إملاءات من الجانب الروسي.ما حجم القوات الإيرانية في سوريا؟
إذا كانت تقارير كثيرة تتحدث عن انتشار نحو 70 ألف مقاتل إيراني وموالٍ لإيران على الأراضي السورية، إلا أنه، وفقاً للمخابرات الإسرائيلية، يوجد الآن في سوريا حوالي ألفي ضابط ومستشار إيراني وعضو في الحرس الثوري، وحوالي تسعة آلاف من الميليشيات الشيعية من أفغانستان وباكستان والعراق، وحوالي سبعة آلاف من مقاتلي حزب الله. يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط أنطوان شربنتيني أن المطلب الروسي القاضي بانسحاب القوات غير السورية من المنطقة الجنوبية في سوريا يأتي في سياق سعي روسيا، كباقي الدول الكبرى، إلى منع اندلاع حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط قد تكون تداعياتها سلبية جداً على الجميع. وبرأيه، فإن روسيا ليست منخرطة في "محور المقاومة" لكنها قريبة منه، وترتبط بعلاقة مع إسرائيل دون أن تكون في تحالف مباشر معها على غرار تحالف إسرائيل والولايات المتحدة. ويضيف المحلل اللبناني لرصيف22 أن مقولة خروج القوات المسلحة الأجنبية تشمل كل المنظمات المسلحة، "ومن ضمنها أية قوات إسرائيلية متواجدة في هذه المنطقة والقوات الأمريكية إلى آخره".ما هي الاتفاقيات التي تبرمها روسيا؟
طرح السفير الأمريكي السابق في تل أبيب دان شابيرو معادلة وصفها بالمهمة، وقال: "لم تدعُ روسيا القوات الإيرانية إلى مغادرة سوريا، بل جميع القوات الأجنبية، بما في ذلك القوات الأمريكية والتركية... إلا أنه من الواضح أن إسرائيل لا تريد أن تغادر القوات الأمريكية سوريا... إذاً، هل ستسمح روسيا لإيران بالبقاء لأن الولايات المتحدة ستبقى؟ أم هل يرى ترامب الباب مفتوحا للمغادرة إذا غادرت طهران؟". وحاولت بعض التقارير الصحافية حل هذه المعادلة بقولها إن الولايات المتحدة بالفعل اتفقت مع روسيا على إخلاء قاعدة عسكرية لها، في إطار صفقة إخلاء الجنوب السوري من كافة التنظيمات المسلحة سواء الإيرانية أو المعارضة. ووفقاً للقناة الثانية الإسرائيلية، ستبرم روسيا اتفاقاً مع إسرائيل يسمح بوجود جنود الجيش السوري حتى الحدود مع مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، وسيتم إجلاء القوات الإيرانية وحزب الله من هذه المنطقة، وستقبل موسكو بالسماح لإسرائيل بـ"حرية التصرف ضد الوجود الإيراني في كل سوريا".يبدو أن التحالف الذي تشكل منذ سنوات بين إيران وروسيا لمنع سقوط النظام السوري بات على المحك، إذ يتحدث كثيرون عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صار يرغب في إقصاء طهران عن المشهد
"بوتين يقف بجانب نتنياهو دائماً، وهو مستعد للتخلي عن إيران كي يجعل إسرائيل سعيدة، وكي يحافظ على الانتصار الذي حققه الأسد"وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن موسكو تريد أن ينص الاتفاق على تمركز الشرطة العسكرية الروسية في سوريا بالقرب من الحدود الإسرائيلية، وسيكون الإيرانيون على بعد 60 كيلومتراً من حدود الجولان المحتل.
هل يخدع الإيرانيون الجميع؟
كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان مؤخراً أن القوات الإيرانية وقوات حزب الله يتحضران للانسحاب من الجنوب السوري ومن الخطوط القريبة من الحدود مع الجولان المحتل، مضيفاً أن الجيش السوري سيستقدم المزيد من التعزيزات العسكرية إلى هذه المنطقة. وأشار المرصد في تقرير آخر إلى أن هناك نحو 500 عنصر من حزب الله ومستشارين إيرانيين في مثلث درعا-القنيطرة-ريف دمشق الجنوبي الغربي، مضيفاً أن هناك معلومات عن وجود الآلاف من المقاتلين من جنسيات غير سورية يحملون هويات النظام وينتشرون في الجنوب السوري على أنهم قوات نظامية أو مسلحين موالين له من الجنسية السورية.شهية نتنياهو مفتوحة على مزيد من المكاسب
يبدو أن التجاوب الروسي مع مطالب تل أبيب جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يهدد مؤخراً بضرب الأهداف الإيرانية في كافة أنحاء سوريا، وليس فقط في المناطق المحاذية للجولان المحتل. وقال نتنياهو إنه سيزور أوروبا الأسبوع القادم لمقابلة شخصيات دولية ورؤساء دول للبحث معهم سبل مواجهة الطموحات النووية الإيرانية والتمدد الإيراني في الشرق الأوسط. من الواضح أن نتنياهو سيظل يبحث عن مزيد من المكاسب التي لها علاقة بـ"أمن إسرائيل"، خاصةً في كل ما له علاقة بإيران، كون ذلك أكبر سلاح يستخدمه حزب الليكود الحاكم لتعزيز جبهته الداخلية في ظل التحقيقات التي تجريها الشرطة الإسرائيلية حول تورط رئيس الحكومة في قضايا فساد. وأظهرت استطلاعات رأي أجريت مؤخراً أن حزب الليكود اليميني بزعامة نتنياهو سيحصل على خمسة مقاعد إضافية في الكنيست إذا أجريت انتخابات الآن، بفضل سياسته المتشددة ضد إيران.هل يفضل بوتين إسرائيل على إيران؟
عن هذا السؤال، يجيب تقرير نشرته صحيفة هآرتس بأن بوتين يقف بجانب نتنياهو دائماً، وهو مستعد للتخلي عن إيران كي يجعل إسرائيل سعيدة، وكي يحافظ على الانتصار الذي حققه الأسد. وتضيف الصحيفة أن قراءة ما حدث منذ بداية التدخل الروسي في سوريا منذ حوالي ثلاث سنوات، توضح أنه عندما تُجبَر موسكو على الاختيار بين إسرائيل وإيران، سيقف بوتين إلى جانب نتنياهو، مشيرة إلى أن الرئيس الروسي لا يتخذ هذا الموقف بسبب دافع عاطفي، بل لأن إسرائيل القوة الإقليمية الوحيدة حالياً القادرة على تدمير خططه في سوريا. وتتابع الصحيفة أن هدف بوتين الأبرز كان بقاء نظام الأسد في سوريا، وهذه النقطة هي ما جعله يتوافق مع الإيرانيين الذين وفّروا المقاتلين على الأرض حين لم يكن الرئيس الروسي يرغب في إرسال قوات برية حتى لا يعود أفرادها في توابيت إلى موسكو، ما يؤدي تآكل شعبيته. لكن الآن، بما أن الأسد انتصر، لم يعد بوتين بحاجة إلى إيران. في أبريل الماضي، أعلنت روسيا عزمها تزويد الجيش السوري بصواريخ "أس 300" لكنها حتى الآن تماطل في تنفيذ وعدها الذي رددته طوال السنوات الماضية لسببين: أولهما، رفض تل أبيب لهذه الصفقة؛ والثاني تخوف الكرملين من أن الطائرات الإسرائيلية قد تتغلب على هذه المنظومة خاصة بعد حصولها على مقاتلات "أف 35" الشبحية الأمريكية، ما يعني انهيار صفقات بمليارات الدولارات تعتزم روسيا إبرامها لبيع هذه المنظومة إلى دول أخرى.من يفضّل الأسد؟ الروس أم الإيرانيين؟
يؤكد عضو هيئة التفاوض للمعارضة السورية قاسم الخطيب أن النظام السوري بكل تأكيد يفضّل روسيا على إيران، وسيقف بجانب موسكو ضد طهران في أي خلاف وهو مستعد للرضوخ للروس وتحقيق مطالبهم لأنه لا يريد مواجهات خارجية. ويضيف لرصيف22 أن إسرائيل اتفقت مع بوتين على إنهاء تواجد إيران في سوريا وفي لبنان أيضاً، ولذلك حصلت على ضوء أخضر روسي لمهاجمة كافة الأهداف الإيرانية سواء عناصر أو معدات على الأرض. وبرأيه، ظهر الخلاف بين إيران وروسيا منذ فترة طويلة، حين كانت موسكو توقع اتفاقيات خفض التوتر سواء مع أمريكا وتركيا أو مع المعارضة في القاهرة بخصوص الغوطة، إذ كانت طهران تحاول خرقها وعدم الالتزام بها، مضيفاً أن الكرملين يريد حالياً تثبيت نفوذه في سوريا بعد أن خسر في العراق وليبيا ولم تعد إلا دمشق أمامه. لا توجد إشارات واضحة على رغبات النظام السوري، وتؤكد مصادر أن هناك انقساماً بين ضباط الصف الأول في الجيش السوري حول المفاضلة بين طهران وموسكو. وفي مقابلة أجراها في 31 مايو مع قناة روسيا اليوم، حاول بشار الأسد التهرّب من الحديث عن هذه المشكلة بقوله: "ليست لدينا قوات إيرانية. لم تكن لدينا أية قوات إيرانية في أي وقت من الأوقات، ولا يمكن إخفاء ذلك، ولا نخجل من القول بأن لدينا مثل هذه القوات، لو كانت موجودة، فنحن من دعونا الروس وكان بإمكاننا أن ندعو الإيرانيين"، موضحاً أن الحضور الإيراني لا يتعدى وجود ضباط يساعدون الجيش السوري. وبدأت تقارير كثيرة تتحدث عن صراع بين روسيا وإيران على تقاسم المكاسب الاقتصادية في سوريا بعد انتهاء الحرب، وعن أن دمشق لن تحتمل بعد الحرب إلا وجود حليف واحد على الأرض... فمَن سيكون؟رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون