لم يكن غريبًا أن يصبح «ملك الشوكولاتة» في بداية القرن العشرين، لم يتعلق الأمر بمعدات أو شطارة في التسويق، فنظرية «تومي خريستو» كانت بسيطة جدًا، إذا كان ما ننتجه مسؤولًا عن سعادة البشر فيجب أن يكون صُناع السعادة سعداء، تلك النظرية تم تطبيقها على مدار 4 عقود، وأثبتت نجاحها بلغة البيزنس والأرباح.
كورونا".
وبحسب البي بي سي، فإن الشوكولاتة تتضمن عدداً من المواد الكيميائية ذات التأثير النفسي، ومن ضمن التأثيرات المرتبطة بها الفرح والمتعة والهناء، كما تتميز بقوامها الدسم، ولهذا عندما تستخرجونها من غلافها وتضعونها في فمكم بدون أن تمضغوها، تلاحظون أنها سريعة الذوبان، الأمر الذي يجعلكم تشعرون بإحساس متميز بالنعومة.
وتساهم في إفراز هرمون السعادة الكميات الكبيرة من السكر التي تحتوي عليها الشوكولاتة، ما بين %40 و50% في المئة والدهنيات ما بين 20% و25% وقلما يُعثر عليها في مادة خام بمفردها.
تلك الدراسات الحديثة لم يدركها «تومي» لكنه رفع شعار الأفكار أهم الآلات، وصحيح أنه اشترى آلات المصنع واستوردها من أوروبا، لكنه في نفس الوقت اشترى قطعة أرض بجوار مصنعه وأعدها لتكون ملعب كرة قدم تقام عليه المباريات بين العاملين ويديرها هو بنفسه، ذلك أول الغيث.
ومجرد انتشار دور السينما بنى «خريستو» دار عرض خصيصًا لعماله، لذلك لم يكن غريبًا أن يحل عام 1930 وقد أصبح مصنعه الأكبر في الشرق الأوسط ويصدر لعدة دول الشوكولاتة، بعد أن اتخذ لها شعار «مسؤولة عن مزاج المصريين. لنأكلها سويًا»، كما يوضح عمر طاهر في كتابه.
عدا تلك الوسائل الترفيهية، كان «تومي» حاضرًا لحل أي مشكلة تواجه العاملين بمصنعه، يطلب منهم أن يبدأوا يومهم بابتسامة، وأن لا يعملوا إن كانوا لا يريدون، مُنتج السعادة لا بد أن يكون سعيدًا كما يشير كتاب «صنايعية مصر».
وثبات نظرية «خريستو» ظهرت بعد عام 1963 حين تم تأميم الشركة ضمن حملة التأميم التي خاضتها الدولة المصرية في تلك الحقبة، وتولى الشركة أحد الألوية، فيما رحل «تومي» إلى سويسرا ، وكما يوضح «طاهر» أن تراجع إنتاج الشركة كان أشبه بالسقوط السريع، وكان السبب عدم وجود أي ترفيه بجانب طريقة الأوامر العسكرية، ولم يتعلق الأمر بالمساس بالحقوق المالية للعمال بل فقدان روح السعادة أثّر سلبًا على المنتج ذاته فلم يعد مذاقه كما كان.
مصنع كورونا قائم حتى الآن في الإسكندرية، ويوضح محمد سيد، المدير التسويقي له، أن خزينة الشركة تحتوي على وصية «خريستو» التي نرددها دومًا على مسامع العاملين والتي كتب فيها سر نظريته قائلًا «الحالة النفسية للعاملين تؤثر على عجين الشوكولاتة، فهي حساسة جدًا وتلتقط بسهولة مزاج من يطبخها»، ويوافق «سيد» في حديثه لرصيف22 على تلك النظرية التي لا تطبق الآن في مصنعه بسبب قلة الموارد المالية، فالمصنع انحسر انتشاره، وبات بلا عمال أو آلات جديدة أو خطة تسويقية جيدة، هذا هو تراث "خريستو".
ولكن إن كان هذا ميراث «خريستو» فهل من جاءوا بعده طبقوا نظريته أم كشفوا على الأقل خطأها؟ يؤكد عبد الله المرسي، مسؤول التسويق في شركة «كادبوري» في مصر، أن النظرية صحيحة 100% من خلال لغة الأرقام التي لا تكذب، موضحًا أنه في عام 2013 مع تراجع المبيعات تم وضع خطة جديدة خاصة بالعمال فقط، وكانت من نتائجها زيادة إجازتهم السنوية، وتخصيص مصايف لهم مجانًا على حساب الشركة في فصل الصيف بجانب المعاملة الجيدة ونسبة من الأرباح، وكانت النتيجة زيادة المبيعات بنسبة 40% والأرباح بنسبة 30%.
القصة كما يرويها الكاتب عمر طاهر في كتابه «صنايعية مصر» - وهو كتاب موثق لعدد من شخصيات ساهموا في صنع تاريخ مصر- تعود إلى عام 1919 حين اشترى «تومي خريستو» قطعة أرض في الإسكندرية ثمنها ألفا جنيه لإقامة مصنع صغير لإنتاج الشوكولاتة، أطلق عليها اسم "السعادة يمكن أن تنتقل من الشخص إلى ما ينتجه، وهو بالضبط ما تحدث عنه «خريستو»يضيف "المرسي" أن ثبات صحة النظرية يكمن في أن الإجراءات التي تم اتخاذها كانت لها علاقة بالعامل لا بالدعاية أو التسويق أو تطوير الآلات، وإذا كانت القاعدة أن أي عامل سعيد سيكون إنتاجه أفضل، فإن منتج الشوكولاتة له طبع خاص، فالماكينات التي تعمل تحتاج إلى ضبط خاص، وفي بعض مراحل الإنتاج يكون التصنيع من خلال يد العامل مباشرة وبالتالي فإن نظرية «تومي» صحيحة، السعادة تنتقل. في الأقوال المأثورة، نقول «أنت عامله بمزاج» كناية عن جودة ما يفعله الإنسان وهو سعيد ويؤثر ذلك بالطبع على المنتج، توضح الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم النفس في جامعة عين شمس لرصيف22 أن السعادة يمكن أن تنتقل من الشخص إلى ما ينتجه، وهو بالضبط ما تحدث عنه «خريستو»، خاصة أن في عصر كانت فيه اليد العاملة هي الطاغية قبل استحواذ الماكينات، ولذلك كان إسعاد الشخص مهمًا جدًا. لكن «حسام آدم» العامل في إحدى شركات الشوكولاتة يرى أن ما يردده مديرو التسويق مجرد كلام فقط، فالكثير من حقوق العمال مهدورة بجانب المبالغ المالية الزهيدة التي يتقاضونها، مضيفًا لرصيف22: "نحن نأتي من أجل العمل ثمانيَ ساعات ثم نرحل، لا يهم أن نكون سعداء أو غير سعداء، في النهاية التارجت هو المهم". وتختلف منيرة محمود مع حسام، إذ إنها تعمل معه في نفس المصنع وتؤكد أن أوقات العمل التي تكون فيها سعيدة تؤثر على جودة المنتج وبالتالي تزيد مبيعاته، بل إنها أحيانًا تتفنن في زيادة بعض المكونات في خط الانتاج التي تعمل عليه. محمود ربيع مدير العلاقات العامة في شركة «كيت كات» بمصر، يرى أن نظرية تومي خريستو صحيحة في وقتها ولكنها لا تصلح وحدها في الوقت الحالي، ويضيف في حديثه لرصيف22: "في مقتبل القرن العشرين كان العمل أكثر على الآلات ولم يكن فن الدعاية قد اتخذ موقعه الحالي، وبالتالي الاهتمام بالعامل كان هو الشرط الأساسي لجودة المنتج، أما الآن فهناك فن الدعاية والتسويق القادر على خلق صورة ذهنية لدى المواطن بأن سلعة ما ستسبب له السعادة، وتحديدًا هذا الذي يحدث مع الشوكولاتة، فبرغم مكوناتها الباعثة على المرح لكن الأمر أيضًا تهيئة نفسية". ويضيف ربيع: "تلك التهيئة يتم صنعها تدريجيًا من خلال الإعلانات والنجوم المبتسمين وهم يتناولون الشوكولاتة، وغيرها من الأشكال التي تعمل على ترسيخ صورة أن هناك إكسيرًا للسعادة". ويختم: " نظرية خريستو صحيحة، لكنها لا تصلح لعالمنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون