تعملون أكثر من 10 ساعات في اليوم من دون كلل أو ملل؟ ربما تصطحبون معكم اللابتوب لمتابعة عملكم قبالة شاطىء البحر، وتنغمسون في العمل لساعات طويلة في عطلة آخر الأسبوع، وتجدون صعوبة في التوقف عن تفقّد بريدكم الإلكتروني كل حين؟ لقد وقعتم في الإدمان على العمل من دون شك.
في الواقع، إن الإدمان على العمل أشبه بالإدمان على الشوكولا أو على التسوق وغيرها، وآثاره قد تكون كارثية على الشخص نفسه وعلى محيطه وعلاقاته الاجتماعية.
فما هي ظاهرة "الإدمان على العمل" التي باتت منتشرة في عصرنا الحاضر؟ وما هي العلامات التي تدل على وقوع الشخص في هذا النوع من الإدمان؟ وما السبل المناسبة للتخلص منه؟
اكتئاب وإنتاجية أقل
أن تحلموا بقضاء يوم إجازة على شاطىء البحر هو أمر طبيعي، ولكن أن تكونوا في إجازة على البحر، وتتمنون العودة الى مكتبكم لمزاولة العمل فهو أمر مستغرب. حار العلماء في إيجاد تعريف دقيق لإدمان العمل، فاكتفوا بالقول إن تلك الحالة الغريبة التي تنتابنا، فنشعر وكأن حياتنا تدور كلها حول العمل، فنرمي خلفنا كل الاعتبارات الأخرى: الأهل والحبيب والأصدقاء، ونصل إلى مرحلة نهمل فيها أنفسنا فننسى أن نأكل ونشرب ونشعر كأننا في سباق دائم مع الوقت. الإدمان على العمل ليس بالأمر السهل، إذ يرتب على صاحبه مشاكل واضطرابات نفسية قد تقوده إلى الانتحار. فـ"المهووس بالعمل" يخصص كل وقته للوظيفة ويهمل بقية مسؤولياته، فتتفاقم مشاكله مع أسرته ويبتعد عن محيطه رويداً رويداً فيعيش في عزلة، ما قد يقوده إلى الاكتئاب بعد فترة من الزمن، بحسب ما أشار إليه موقع "لايف ساينس". via GIPHYمكبّلون في المكاتب
في كتابه، الذي يحمل عنوان "مكبّل في مكتب العمل"، يأتي المعالج النفسي بريان روبنسون على ذكر مريضة كانت تكذب على زوجها وتوهمه بأنها قادمة من حصة رياضة، في حين أنها كانت تعمل طول الوقت في مكتبها، واللافت أنها كانت تبلل نفسها بالماء قبل العودة إلى منزلها لتبدو وكأنها تعرقت من التدريبات الرياضية. وفي حياتنا اليومية نصادف بعض الأشخاص المندفعين في العمل، المنغمسين به إلى أقصى حد فنقول عنهم إنهم يعانون من "هوس الوظيفة". إذ يصرفون معظم وقتهم على المهمات الوظيفية، فتجدونهم أول الواصلين إلى المكتب وآخر المغادرين، يرفضون أخذ عطلة بحجة مشاغلهم التي لا تنتهي. وفي حال وافقوا على الإجازة، على مضض، تجدوهم مضطربين، قلقين ويفكرون طوال الوقت في الملفات والأوراق المكدّسة على مكاتبهم، فينتظرون بفارغ الصبر انتهاء العطلة لاستئناف العمل. via GIPHY في هذا السياق يعترف سامي ( 42 عاماً) بأنه يعاني من إدمان العمل وسط عجزه عن إيجاد حل لمشكلته التي باتت تنغص حياته: "منذ نحو 7 سنوات، توظفت في شركة أجنبية وبفضل تعبي ومجهودي الشخصي ترقيت وازدادت مسؤولياتي وبتّ أخصص كل وقتي للعمل". ويضيف: "لم أعد أحب العطل كوني أجدها مضيعة للوقت، ولا أشعر بالراحة النفسية إلا حين أكون في مكتبي، حتى أنني في بعض العطل أفضل المجيء إلى العمل ليرتاح ضميري". وعن المشاكل التي واجهها جراء انغماسه في العمل، يوضح سامي أن هذا الموضوع أثر سلباً على علاقاته الاجتماعية، فابتعد عن أصدقائه رويداً رويداً بسبب انشغالاته الكثيرة: "توقفوا عن الاتصال بي بهدف أن نخرج معاً لأنهم يعرفون الجواب سلفاً". ويتابع:"لم أجد الوقت الكافي للارتباط العاطفي، فكلما تعرفت على صبية كانت تبتعد عني على اعتبار أنني لا أعيرها الاهتمام الكافي، قد تكون على حق ولكن القصة ليست بيدي. عندما أباشر الشغل لا يمكنني التوقف".اجتهاد أم هوس؟
غالباً ما يختلط مفهوم العمل بجهد مع الإدمان على العمل، ففي بعض الأحيان يجد الموظف نفسه أمام عدة استحقاقات، وبالتالي يضطر إلى زيادة ساعات العمل لإنجاز مهماته وفق الوقت المطلوب. ولكن متى يتحول العمل بكد إلى إدمان حقيقي؟ صحيح أن الموظف المجتهد يعمل بجهد كبير لإنجاز المهمات الملقاة على عاتقه، غير أنه يكون حاضراً إلى جانب أهله وأصدقائه في أيام الشدّة. فإذا جاءه مثلاً اتصال من حبيب أو صديقة، يطلب فيه المساعدة، فإنه يترك العمل وراءه ويذهب للوقوف إلى جانب المتصل، بمعنى آخر يجيد إقامة التوازن بين متطلبات العمل واحتياجات عائلته ومحيطه. أما بالنسبة إلى الشخص المدمن على العمل فإنه يعطي أولوية قصوى لعمله، وقد يتجاهل اتصال شخص مقّرب منه، فيتغيّب عن المشاركة في زفاف، دفن، عزاء، أعياد الميلاد وغيرها من المناسبات العائلية، بحجة انشغالاته، خصوصاً أنه يعتبر أن وقت العمل "مقدس"، وبالتالي يستثمر كل طاقاته في الوظيفة، وحين ينجز مهمة معينة ينتقل فوراً إلى مهمة اخرى أكثر تحدياً حتى لو كانت على حساب صحته. في هذا السياق تحدثت نور ( 27 عاماً) عن تجربتها مع ظاهرة إدمان العمل، فهي كانت تدير موقعاً إلكترونياً من منزلها، وبالتالي لا رئيس مباشر "فوق رأسها"، ومع ذلك كانت تستيقظ كل يوم صباحاً قبل موعد دوامها بساعة على الأقل وتعمل بشكل متواصل لساعات متأخرة حتى بعد انتهاء الدوام. " كنت أعمل من دون كلل، فأقضي ساعات وساعات أمام شاشة الكمبيوتر من دون أن أشعر بالوقت، حتى أنني كنت أعتذر عن الخروج مع الأصدقاء بهدف متابعة العمل، وفي حال ألحوا عليّ أوافق على الذهاب معهم مع وضع شروط مسبقة: اصطحاب اللابتوب معي، التواجد في مكان يوفر خدمة الإنترنت، العودة إلى المنزل باكراً لاستئناف العمل. via GIPHY وتشير نور إلى أنها في البداية لم تكن تعي خطورة ما تقوم به، وكانت ترفض نعتها بالمدمنة على العمل، بل كانت تنكر الأمر وتدافع عن نفسها بالقول إنها مجتهدة ومتفانية في العمل، وبقيت على هذه الحالة إلى أن بدأت تواجه مشاكل صحية متعددة. تقول: "بدأت أشعر بأوجاع في الظهر والرقبة وألم في الكتفين... وحين قصدت الطبيب أخبرني بأنني أعاني من "ديسك سيندروم" أي المرض الناجم عن الجلوس لساعات أمام الكمبيوتر، وحذرني من تفاقم حالتي في حال استمررت على هذا المنوال".7 علامات تدل على أنكم تعانون من إدمان العمل:
via GIPHY 1- تفكرون دائماً في كيفية تخصيص وقت إضافي للعمل: تجدون إنفسكم عاجزين عن تأدية مهماتكم كلها بسبب الضغط الكبير عليكم وضيق الوقت وبالتالي تحاولون إيجاد أي وقت فراغ لتشغلوه بالعمل. 2- تعملون لوقت أكثر من الذي قررتم للعمل: تقنعون أنفسكم بأنكم ستعملون لمدة 30 دقيقة فقط، والحقيقة أن النصف ساعة المقررة مسبقاً تتحول إلى ساعات من دون أن تشعروا بمرور الوقت. 3- تعملون لتخفيف الشعور بالذنب: تعيشون حالة من القلق وتشعرون بالذنب حين تكونون بعيدين عن عملكم وبالتالي لا تجدون الراحة والطمأنينة إلا حين تعملون. 4- طلب منكم مراراً التوقف عن العمل غير أنكم لم تأخذوا ذلك بعين الاعتبار: ينتقدكم الجميع ويطلبون منكم أخذ راحة وعطلة إلا أنكم لا تنصاعون لكلامهم ولا تشعرون حتى بأنكم تتخطون الحدود. via GIPHY 5- تتخلون عن هواياتكم ونشاطاتكم من أجل العمل: تعطون أولوية قصوى للعمل فتتركون خلفكم هواياتكم ونشاطاتكم بحجة انشغالاتكم. 6- تجدون صعوبة في قول لا عندما يطلب منكم أي عمل إضافي: صحيح أنكم منهكون وتتحملون فوق طاقاتكم لكن لا يسعكم رفض أي مهمة إضافية تلقى على عاتقكم، فكلمة "لا" غير موجودة في قاموسكم. 7- تتحدثون كثيراً عن عملكم وإنجازاتكم: لا يشغل بالكم أي شيء في هذه الحياة سوى العمل، وبالتالي حتى حين تكونون برفقة أهلكم والمقربين منكم تحدثونهم عن عملكم وانشغالاتكم من دون أن تعوا أن هناك أموراً حياتية أكثر أهمية. via GIPHY في حال وجدتم أن ما ذكر في السابق ينطبق عليكم، فاعلموا أنه آن الأوان لوضع حد لهذا الإدمان، من خلال اتباع عدة خطوات عملية: كرّسوا مساحة أكبر لعائلتكم ومحيطكم، أحسنوا تنظيم وقتكم ولا تخافوا من قول "لا" للمهمات الإضافية، خذوا عطلة بين الحين والاخر وابتعدوا عن هموم العمل وضغوطه. أما في حال لم تنجح هذه الخطوات فاستعينوا بمعالج نفسي ليساعدكم على التخلص من إدمان العمل قبل فوات الأوان.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...