على عجل، استيقظ من نومه مبكراً بعد أن قضى الليل في متابعة أخبار الاستعدادات لـ"مليونية الزحف نحو الحدود". ودّع أمه وأبناءه الخمسة وزوجته، لينضم إلى آلاف الغزيين الذين قرروا مواجهة الإسرائيليين بصدورهم العارية.
استقلّ الشاب فادي أبو صلاح، 30 عاماً، دراجته النارية المخصصة لحالته، والتي تحمل في مؤخرتها كرسيّه المتحرّك، مغادراً منزله الكائن في بلدة عبسان، شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة. كان فادي قد فقد ساقيه في ضربة إسرائيلية عام 2008.
بالقرب من السياج الحدودي الفاصل بين القطاع المحاصَر وإسرائيل، تواجد فادي بشكل شبه يومي، على مدار شهر ونصف، مشاركاً في مسيرات العودة التي بدأت في 30 مارس.
بيديه، كان يحمل حجارة ويلقيها بواسطة مقلاع على الجنود الإسرائيليين المنتشرين بكثافة على الشريط الحدودي، تماماً كما ظهر في الصورة التي انتشرت عقب مقتله.
ولكن في آخر مشاركة له في المسيرات، وقبل أن ينتهي احتجاج الـ14 من مايو بساعات، كان فادي على موعد مع الموت. قنصه جندي إسرائيلي وكأنه ينتقم منه لثباته طوال أيام المسيرات الماضية.
في 14 مايو 2008، فقد فادي نصفه الأسفل، بعد أن استهدفته مروحية إسرائيلية. وبعد عشر سنوات كاملة، في 14 مايو 2018، رحل قبل أن يتحقق حلم العودة الكبير وقبل أن يتحقق حلمه الصغير برؤية أطفاله شباباً.
"العودة إلى يافا"
بعيون دامعة، تروي والدة الشاب الثلاثيني لرصيف22 أنه "كان يغادر المنزل يومياً باتجاه الحدود الشرقية مع إسرائيل، ليشارك الشباب من جيله في مسيرات العودة، بكرسيه المتحرك، حتى لا يشعر بالنقص بسبب إصابته وفقدانه لأطرافه السفلية".
وبعد عودته من الحدود، كان يقضي وقتاً طويلاً في تجهيز عدد كبير من مقالع الحجارة التي تُعَدّ وسيلته الوحيدة للنضال. وإذا كان كرسيه المتحرك قد أصيب بعطل، كان يحرص، بعد العودة من الحدود، على إصلاحه ليكون صالحاً للاستخدام في اليوم التالي.
كان فادي يشارك في مسيرات العودة حالماً باستعادة الأراضي المحتلة والعودة إلى مدينته الأصلية يافا التي هُجّر منها أجداده قبل 70 عاماً، تروي الوالدة مضيفه أنه "كان يردد يومياً أن هذه الأراضي هي أرضنا ولا بد من الدفاع عنها وتحريرها".
لم تكن حالته الصحية وارتفاع احتمال تعرّضه لخطر الموت بسبب وضعه يثنيه عن الإصرار على مقارعة الجنود الإسرائيليين. بأدواته البسيطة المكوّنة من كرسيّه المتحرك والمقلاع، كان يواجه إحدى أقوى وأحدث الآلات العسكرية في العالم.
تتذكر الأم ابنها الذي فقد ساقيه في قصف جوّي، خلال مشاركته في صفوف سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، في صد الاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية ضد غزة.
ورغم إصابته، تقول الوالدة إنه "لم يقطع صلته برفاقه المقاومين، واستمرت علاقة الصداقة بينهم، وبقي يشرف على فريق كرة القدم الذي كان قد أسسه وهو وعدد من الشباب".
"الرفيق الدائم"
"كان رفيقي الدائم قبل إصابته"، تقول الوالدة حابسة دموعها ومطلقة تنهيدة ألم. كان ابنها البكر يذهب معها إلى السوق، ويصطحبها إلى الأماكن الترفيهية والمنتزهات، ويخفف عنها من مشقات الحياة، "رغم مسؤولياته الكثيرة الملقاة على عاتقه كأحد أفراد الفصائل العسكرية".في اليوم الأخير من حياته، وقبل مغادرته منزله، أخفت زوجته مفتاح المنزل كي لا يغادره إلى الحدود. كانت تشعر بأن خطراً يحدق به، إلا أنه فادي أبو صلاح أصر على المشاركة وقال لها وهو يبتسم: "لازم أشارك، لأني مش أحسن من الشباب"
كان فادي أبو صلاح يطمح للعودة إلى يافا. عندما غادر المنزل في الجمعة الأخيرة قبل مقتله سأل أخاه: "هل سيكفي أن أملأ الدراجة بـ20 شيقلاً من البنزين لأصل إلى يافا؟" فأجابه مازحاً: "تكفيك في الذهاب، ولا تكيفك في العودة"10 سنوات من الإعاقة قضاها الشاب في السعي الدائم إلى التغلّب على إعاقته وظروفه الصعبة، بدأها برحلة علاج طويلة تنقل خلالها بين ألمانيا ومصر. خلال هذه الفترة، تزوّج عام 2010، وأنجب خمسة أطفال يبلغ أكبرهم السابعة من العمر حالياً. "كان حنوناً معي ومع أبنائه وكان مثالاً للزوج والأب المثالي"، تقول زوجته آمنة أبو صلاح لرصيف22. "كان يساعدني في الأعمال المنزلية، ويشاركني همومي ويخفف عني ويصطحبنا إلى الأماكن الترفيهية رغم حالته الصحية ورغم عدم تمكنه من السير والتحرك كالأصحاء"، تضيف الزوجة. وتتابع: "كان يحلم بأن يؤدي فريضة الحج ويزور بيت الله الحرام، وبأن يسدد ديونه المتراكمة بفعل مساعيه لترميم منزله وإسعاد عائلته وإدخال الفرحة إلى قلوبهم حتى لا يشعروا بالنقص، ويعيشوا مثلهم مثل غيرهم". إصرار على المشاركة في اليوم الأخير من حياته، وقبل مغادرته منزله، أخفت زوجته مفتاح المنزل كي لا يغادره إلى الحدود. كانت تشعر بأن خطراً يحدق به، حسبما روت، إلا أنه أصر على المشاركة وقال لها وهو يبتسم: "لازم أشارك، لأني مش أحسن من الشباب". شقيقه الأصغر حمزة، 24 عاماً، كان رفيق دربه في مشوار النضال، وآخر فصوله المشاركة في مسيرات العودة. يقول لرصيف22: "كان شقيقي مثالاً للشاب المثابر، وكان أيقونة تنبض بالحيوية. لم يترك يوماً إلا وشارك فيه على الحدود". كان فادي يطمح للعودة إلى أراضي الأجداد. "عندما غادرنا المنزل في الجمعة الأخيرة قبل استشهاده، سألني: ‘هل سيكفي أن أملأ الدراجة بـ20 شيقلاً من البنزين لأصل إلى يافا؟’ فأجبته مازحاً: ‘تكفيك في الذهاب، ولا تكيفك في العودة’". يقول حمزة: "فقدت شقيقي ورفيقي في الدنيا، ولن يوصلني بدراجته إلى السوق والمسجد في شهر رمضان".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين