اعتاد الشاب الفلسطيني حسام منذ صغره على صناعة طائرات ورقية بيديه، ليطلقها من على سطح منزلهم، متحكماً في خط سيرها. واليوم يعيد ذكريات طفولته بصناعة عشرات الطائرات الورقية، ولكن ليس بهدف اللعب كما كان الحال في صغره، وإنما لتوزيعها على الشباب المتظاهرين على الحدود الشرقية لقطاع غزة، والمشاركين في فعاليات "مسيرات العودة الكبرى"، لإطلاقها باتجاه الأراضي المحتلة.
هذه الطائرات دقت ناقوس الخطر في أوساط الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي راحت تتحدث عن "سلاح جديد" يستخدمه المتظاهرون في قطاع غزة.
فهذه الطائرات المزيّنة بالعلم الفلسطيني، يصلها الشباب بمواد حارقة ويطلقونها فوق الأراضي المحتلة لتهوي وتحرق مساحات من المحاصيل الزراعية مكبّدة الإسرائيليين خسائر كبيرة.
"وحدة الطائرات الورقية"
يترأس الشاب حسام الذي فضّل عدم ذكر اسمه الكامل ما يسمّيه "وحدة الطائرات الورقية"، وتنحصر مهامه في تأمين المواد اللازمة لصناعة هذه الطائرات وهي عبارة عن أخشاب، وأوراق ملوّنة، وخيوط، ثم يشارك في صناعتها وتوزيعها على الشباب المتظاهرين على الحدود الشرقية للقطاع، فيضيفون إليها موادّ حارقة ويرسلونها نحو الأراضي المحتلة. لا يتوقف الشاب ورفاقه عن الحديث عن أهداف "وحدة الطائرات الورقية" وعن النتائج التي يمكن أن تحققها، مؤكدين استمرارهم في صناعة الطائرات لتطير عالياً تجاه الأراضي المحتلة قبل أن تنقضّ لحرق الأحراش والمحاصيل الزراعية. [caption id="attachment_145411" align="alignnone" width="552"] حسام ورفاقه[/caption] هؤلاء الشباب هم جزء من فعالية "مسيرة العودة الكبرى"، التي انطلقت في 30 مارس على شكل احتجاجات سلمية فلسطينية، على حدود غزة مع المناطق المحتلة، للمطالبة بحق العودة. ولكن الجنود الإسرائيليين واجهوا الشباب السلميين الذين يشتد تحركهم كل يوم جمعة بعنف كبير أسفر حتى الآن عن مقتل 37 منهم وإصابة خمسة آلاف آخرين.فكرة مستوحاة
يوضح حسام لرصيف22 أنه يعمل برفقة سبعة أشخاص آخرين لصناعة عشرات الطائرات الورقية بمجهوداتهم الشخصية دون تلقي دعم مادي من أية جهة، لافتاً إلى أن هذه الفكرة مستوحاة من تجارب الشباب في انتفاضة الحجارة عام 1987 عندما كانوا يحرقون مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية للمستوطنين في محيط قطاع غزة، من خلال ربط خيط طويل بذيل قطة وتركها تنطلق عبر الخط الحدودي بعد إحراق طرف الخيط.شكلت الطائرات الورقية البسيطة التي تُعدّ لعباً للأطفال، خطراً على أمن واقتصاد إسرائيل بعد دخولها على خط تظاهرات "مسيرة العودة الكبرى"
الشباب الفلسطينيون يهددون أمن إسرائيل بطائرات ورقية بسيطة... سلاح بدائي يتحدى رابع أقوى جيش في العالم ويحقق نتائج لم تحققها المواجهات العسكريةبجانب حسام ورفاقه، هناك أشخاص آخرون يجمعون الزجاجات الفارغة والأقمشة والبنزين ويشرعون في صناعة زجاجات المولوتوف الحارقة، وربطها بالطائرات الورقية. [caption id="attachment_145414" align="alignnone" width="552"] شباب يجهّزون لإطلاق طائرة ورقية حارقة[/caption] يرسل الشباب "سلاحهم" إلى الجو وحين يحلّق فوق الأراضي المحتلة، يقطعون الخيوط التي تربطه بأيديهم، فتطير الطائرات المزيّنة بألوان العلم الفلسطيني وبعبارات منها "راجعين يا فلسطين مهما طالت السنين"، و"العودة حق كالشمس" وشعارات أخرى لتتسبب بحرائق في الأماكن التي تسقط فيها.
طائرة عبد الرحمن
يركض الشاب عبد الرحمن، 23 عاماً، خلف طائرته الورقية، ممسكاً بخيطها. يحاول الحفاظ على توازنها وسط الريح كي لا تصطدم بطائرة أخرى. دقائق معدودة وتشق طائرته بهدوء طريقها بين بقية الطائرات التي تلوّنت كل واحدة منها بلون مختلف، وأصبح من الصعب رؤيتها بسبب المسافات البعيدة التي قطعتها. وحين حلّقت طائرته داخل الخط الأخضر قام بقطع الخيط، لتسقط في أراضي المستوطنين، وتُحدث حرائق. هذه هي الخطوة التي ابتكرها الشباب المتظاهرون ليشغلوا الجنود الإسرائيليين بالحرائق، فيكفّون عن قنص المتظاهرين. [caption id="attachment_145412" align="alignnone" width="1200"] طائرة عبد الرحمن[/caption] يقول المختص بالشؤون الإسرائيلية حسن عبدو لرصيف22: "شكلت الطائرات الورقية البسيطة التي تُعدّ لعباً للأطفال، خطراً على أمن واقتصاد الاحتلال الإسرائيلي بعد دخولها على خط التظاهرات التي ينظمها الفلسطينيون للمطالبة بحق العودة بطريقة سلمية". ويضيف: "المشاركون في التظاهرات يجدون المتعة في هذه الطائرات المحملة بمواد حارقة تحرق الأراضي الزراعية والأحراش في الداخل المحتل وتكبد الإسرائيليين خسائر مادية كبيرة".سلاح بسيط
ويتابع أن هذه الطائرات البسيطة تمثل تحدياً أمنياً لإسرائيل ولأبناء المستوطنات التي تقع شرق الخط الحدودي الفاصل مع غزة، وأن "المميز في هذه الأداة الجديدة أنها سلاح بسيط يتحدى رابع أقوى جيش في العالم". ويشرح أن "اتجاه الريح يساعد وحدة الطائرات الورقية في تحديد أهدافها، إذ إنّ الرياح التي تندفع باتجاه الشرق توسّع من دائرة الحرائق وتزيد من مساحات المزارع التي يتم حرقها". ويشدد عبدو على أن "هذه الأدوات التي يستخدمها الشباب المتظاهرون حققت أهدافاً لم تحققها المواجهة العسكرية بين الطرفين"، لافتاً إلى أن استمرارهم في ابتكار أدوات وأساليب جديدة سيزيد من نجاح مسيرة العودة ويؤدي إلى رضوخ الاحتلال لشروطهم مقابل التهدئة. [caption id="attachment_145413" align="alignnone" width="1600"] متظاهر في غزة يرفع طائرة ورقية[/caption] من جانب آخر، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة أن نجاح الشباب الفلسطينيين في ابتكار أساليب وأدوات جديدة لمقارعة المحتل بعيداً عن المواجهة العسكرية يُعدّ إنجازاً كبيراً لهم، فهي تعبّر عن حالة الغضب الشعبي، ولكنهم، برأيه، "يحتاجون إلى موقف دولي لدعمهم ومساندتهم، حتى لا يتم إجهاض مسيرة العودة، وبالتالي تذهب كل هذه المحاولات أدراج الرياح".معادلة مختلفة
ويقول أبو شمالة لرصيف22 إن إطلاق الطائرات الورقية المحملة بزجاجات المولوتوف الحارقة باتجاه الأراضي المحتلة، "غيّر المعادلة وأثبت للعالم أجمع أن الشعب الفلسطيني مبدع، وأن باستطاعته تحقيق أهدافه بأبسط الإمكانيات"، ولكنه يستدرك: "للأسف الشديد دائماً ما نقدّم نماذج رائعة، لكن عند العمل السياسي لا نقدم شيئاً". ويدعو إلى إطلاق الهيئة العليا لمسيرات العودة لدبلوماسية شعبية "للتواصل مع العالم وكافة الأطراف بمَن فيها الاحتلال، لاستثمار هذه الهبّة السلمية".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...