يتخذ الكاتب الأردني إبراهيم أبو عواد من إحدى مناطق العاصمة الأردنية، عمان، مكاناً لأحداث روايته التي يطلق عليها اسم المكان نفسه: "جبل النظيف". ومنذ العنوان ندرك أننا إزاء رواية بطلها الأول هو المكان. هذا المكان الذي يحتضن مجموعة كبيرة من الناس بهمومهم ومآسيهم وانكساراتهم، وآمالهم وأفراحهم وأحلامهم.
"جبل النظيف" اسم على غير مسمى، فهو ليس نظيفاً، بل تتجمع فيه الأوساخ، ويكتظ بالبيوت العشوائية المتلاصقة. "في هذا المكان كلما اقتربت من الأشياء ابتعدت عن نفسك، وكلما ابتعدت عن الأشياء اقتربت من حزنك. لن تقع عيناك في هذا المحيط الشاسع من أكواخ الصفيح والأوحال والروائح الكريهة وأكياس القمامة المبعثرة على طول المدى والتي مزقتها القطط العمياء، إلا على عيون مكسورة للبشر والحيوانات التي انتخبت المنفى الاختياري في هذا الجبل الذي ليس له من اسمه نصيب”.
تركز الرواية على عائلة "المخلوسي" بأفرادها الكثر، فيسرد الكاتب حكايات متقاطعة مراوحاً في الفصول بين الشخصيات التي تنتمي إلى ثلاثة أجيال: جيل الأجداد حامل القيم والمبادئ، ممثلاً بالجدة "سارة" التي تبدأ الأحداث بموتها، وهي التي كانت تعتبر شيخة "جبل النظيف"، فهي "ليست مجرد امرأة منسية في هذا الجبل المنسي، بل هي مادة غنية بالتراث والفلكلور والرموز الشعبية"، ثم جيل الآباء الذين يمثّلون المنطقة الوسطى بين الحفاظ على القيم وانهيارها، فهم يتمسكون بها من جهة، ويستسلمون من جهة ثانية لضغط الحياة فيتخلّون عنها، كما فعل "عمران" حين نبش قبر أمه لأخذ أسنانها الذهبية "فالحيّ أبقى من الميت"، وأخيراً جيل الأحفاد الذين يمثّلون انهيار الأخلاق وموت الفضيلة، في مجتمع طاحن يقاس فيه المرء بما يملك.
يبني "أبو عواد" شبكة من العلاقات المتداخلة، مكثفاً من خلالها العديد من الحيوات الزاخرة بالقضايا الإشكالية، والتي تتجمّع كلها عند نقطة واحدة: المال وأثره في الإنسان المحتاج. هكذا نقرأ حكاية "رأفت" المدرّس الذي لا يتوانى عن ترك المرأة التي يحبها في صفقة عرضها عليه زوجها بعد أن عرف بحبهما، فقرر أن يضحي بحبه مقابل الحصول على المال ليعالج به أمه المصابة بالسرطان، ونقرأ حكاية "بسام" الطالب المجتهد الذي يترك دراسته بعد أن أصيب أبوه في العمل، وقطعت أصابعه، ورفض صاحب المنشأة دفع تعويض له، و"فايز" الذي قادته البطالة والإحباطات المتتالية إلى الالتحاق بجماعة جهادية في تنظيم القاعدة، و"هويمل حسون" صاحب مكب النفايات، الذي استغل حاجة الأطفال الصغار للنقود وشغّلهم معه، ثم أصبح صاحب أموال ونفوذ ورشّح نفسه للانتخابات النيابية بعد ذلك، و"معاذ" الذي تزوج بامرأة تكبره بخمسة وعشرين عاماً لأنها قادرة على أن تنتشله من مستنقع العوز الذي يتخبط فيه، و"مازن" شاعر الجبل الذي "حوّل قلمه إلى دجاجة تبيض ذهباً، وباع حبر كلماته للقادرين على الدفع"، وغيرها من الشخصيات الكثيرة التي تمتلئ بها الرواية، والتي يعرض الراوي العليم بكل شيء قصصها ويعبّر عنها بلسانه، مستخدماً اللغة البسيطة الخالية من البلاغة أحياناً، واللغة الشعرية المكثفة أحياناً أخرى.
ترصد الرواية أثر غياب العلم والمعرفة، وكيف يصبح الإنسان غير المتعلم عرضةً للانجراف وراء السحر والشعوذة، كما حصل مع "أم بسام" حين زارت أحد المشعوذين لأخذ بركته وفك السحر المعقود حول ابنتها، وهنا يرسم الكاتب شخصية طريفة هي شخصية "الشيخ بهلول" ذي الأهواء الجنسية الغريبة.
لا تلقي الرواية اللوم في تهدّم الأخلاق والسعي وراء المال، على الأفراد، بل تصوّر جشع الحياة الرأسمالية التي تنهش الفرد وتجبره على السير في طرق لم يخترها، بل فرضها عليه الفقر والحاجة وتسلّط الأقوى، وغياب العدالة في القوانين، وهي بذلك تنحاز للإنسان المقهور، وتعلن رفضها للقيم الجديدة التي تترسخ في المجتمع، "لم يعد هناك مكانٌ للضعفاء في هذا العالم. القوي يفرض شروطه، والجميع يؤدون له التحية. القوانين مثل شباك العنكبوت لا تقع فيها إلا الكائنات الصغيرة، أما الكائنات الكبيرة فتمزقها".
إبراهيم أبو عواد كاتب أردني، من مواليد عمّان 1982، حاصل على شهادة البكالوريوس في برمجة الحاسوب. له العديد من المقالات المنشورة في الصحف والمواقع. أصدر بضعة كتب علمية وفكرية، منها: "فلسفة المعلقات العشر"، "مدخل إلى علم اجتماع القصيدة"، و"الأساس الفكري للجاهلية". له ثلاث روايات هي: "أكفان مغسولة جيداً"، "أشباح الميناء المهجور"، و"جبل النظيف”.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين