شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
#أدب_السجون | رواية

#أدب_السجون | رواية "حز القيد"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 27 مايو 201603:26 م
"وأصبحت قحطين وطناً بعد أن كانت أرضاً يباباً، وتوزعت إلى مدن وحواضر على السواحل، وبلدات وقرى في الدواخل، وانقسم سكانها إلى قلة تملك كل شيء، وكثرة تملك لا شيء!". هكذا يعرّفنا "محمد عيد العريمي" بالمكان المتخيّل الذي ستجري أحداث روايته فيه، مشيراً إلى ذلك التفاوت الطبقي، الذي ربما تتميز به معظم بلداننا العربية، بعد وصول أنظمة مستبدة، جعلت الثروات تجتمع في أيدي فئة قليلة، وتركت غالبية الشعب يعيش على خط الفقر أو تحته، ليلمّح إلى أن أي بلدٍ عربي يمكن أن يكون "قحطين" المذكورة في الرواية.
حبكة الرواية تدور حول شاب يدعى "علي الناصر"، يحضر إحدى الندوات الثقافية، فيعجب بكلام "سعد ثابت بن مرة" الجريء، والذي يطرح قضايا لم يتشجع أحد على طرحها سابقاً، مثل الديمقراطية، حرية التعبير، ضرورة مشاركة الشعب في الحياة السياسية، وغيرها من القضايا التي تدعو إلى التغيير. ويكون إعجابه بالمحاضر وكلامه دافعاً له ليتقرب إليه، رغبة منه في اكتساب بعض من ثقافته.
تترافق الندوات التي يقيمها "سعد" مع انتشار شعارات ورسائل تحريضية، تذكّر المواطنين بحريتهم المنقوصة وحقوقهم المسلوبة، ومدى تقصير الحكومة في واجباتها تجاه الشعب، فتتحرّك قوات الأمن لتعتقل كل شخص تشتبه فيه. يشير الكاتب إلى القمع والخوف اللذين يحياهما المواطن في ظل نظام أمني بوليسي، وكيف يخشى حتى من الكلام همساً، متخيّلاً أن "للجدران آذاناً". وكيف يحوّل هذا النظام الإنسان إلى كائن هش، يخاف من أي شيء، ويجعله ينفي أي علاقة بينه وبين المعتقلين، خشية أن يتورط ويُعتقل هو الآخر. هكذا يروي "علي" كيف بدأ الناس "يحرقون كتب أبنائهم وصورهم، وكل ما يمت بصلة أو يشير إلى علاقتهم ببعض المعتقلين وتوجهاتهم السياسية".
مراجعة رواية حز القيد - ملف رصيف22 عن التعذيب
كما يصوّر "العريمي" القلق الداخلي الذي ينهش الفرد بعد أن يُستدعى إلى التحقيق، وكيف يرسم احتمالات لهذا التحقيق، ويبدأ بالتفكير في كل سؤال قد يوجه إليه، وكيف يمكنه أن يجيب عنه، وما يتبع ذلك من سوء الحالة النفسية للمطلوب، حتى قبل أن يذهب. فبعد حملة اعتقالات واسعة، يصل الدور إلى "علي"، فيستدعى إلى التحقيق لأنه شوهد مرات عدة مع "سعد"، المتهم مع آخرين بتشكيل "تنظيم سري مناهض للنظام، ويسعون إلى تغييره بقوة السلاح"، على حسب زعم قوات الأمن.
هكذا بعد جولة سريعة من التحقيقات، يقاد "علي" إلى سجن "مراغة البعير الأجرب"، فلا أحد يصدّق أن ما يربطه بـ"سعد" مجرد معرفة عابرة، بل يعتبرونه متورطاً معه، وهناك يقاسي الويلات، ويتعرض لمختلف أنواع التعذيب والإهانات.
يجري الكاتب نوعاً من المقارنة بين أسلوبي انتزاع اعترافات، يتعرض لهما بطله. فيصف ببراعة شخصيتين مختلفتين تتوليان التحقيق مع "علي"، الأول هو المحقق الملقب بالخازوق لبطشه وجبروته، وهو الذي يتبع أساليب العنف التقليدية والتعذيب الجسدي، سواء كان بالضرب في كل أنحاء الجسم، أو الصعق بالكهرباء أو غيرهما من أساليب التعذيب. أما الثاني فهو المحقق الرؤوف، الذي يستعمل اللين والرفق والحوار والإقناع، وأساليب أخرى هدفها جعل المتهم يبوح بالمعلومات التي يريدونها. وهذا الأسلوب، وإن كان رحيماً في ظاهره، أشد مكراً وخبثاً، فهو يعتمد أسلوب التعذيب النفسي: "هؤلاء يجيدون استخدام أساليب حديثة لانتزاع الاعترافات، من بينها استدراج المستجوب للحديث عن التهمة الموجهة إليه، والاعتراف بمعلومات ما كان سيدلي بها تحت وطأة التعذيب، هؤلاء يجيدون استخدام أساليب نفسية لا تمس البدن، وإنما تتوغل في النفس وتسفر عن تأثيرات تتجاوز آلام الجسد".
تبرز الرواية كيف يتحول السجن إلى مكان تهاجم الذكريات فيه رأس السجين، فيمرّ شريط حياته كله أمامه. يتذكر طفولته وعائلته، والحب، والزواج، وغيرها من الأمور التي تبعث في قلبه الطمأنينة والسكينة للحظات، لكنها لا تلبث أن تصبح قيداً يحزّ روحه، خصوصاً أنه يدرك أن جدران السجن تفصل بينه وبين كل تلك الأشياء الجميلة، من دون أن يكون لديه أي فكرة إن كان سيخرج ومتى. ورغم أن "العريمي" لم يخض تجربة السجن، استطاع أن يوصّف تلك الحالة بشكل دقيق، ومدهش. غير أن النقطة التي تبقى أكثر إدهاشاً للقارئ، الذي يقرأ الرواية اليوم، بعد ثورات الربيع العربي، هي أنها استطاعت أن ترسم أجواءً شبيهة بما حصل ويحصل في الثورات من رغبة في تغيير الأنظمة الحاكمة، وما رافق ذلك من اعتقالات وظلم وتعسف.
محمد عيد العريمي ولد في وادي المر في سلطنة عمان. درس في الولايات المتحدة الأمريكية وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الصناعية. صدرت له مجموعة قصصية بعنوان "قوس قزح"، وسيرة بعنوان "مذاق الصبر" وقد ترجمت إلى اللغة الإنجليزية، وثلاث روايات، هي: "حز القيد"، "بين الصحراء والماء"، "حكايات يونس حيم".
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت
عدد الصفحات: 227
الطبعة الأولى: 2005
يمكن شراء الرواية على موقع نيل وفرات أو على موقع متجر جملون

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image