فازت رواية "مصائر - كونشرتو الهولوكوست والنكبة" لربعي المدهون بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) 2016، وهي أول رواية لكاتب فلسطيني تفوز بهذه الجائزة التي تعد من أبرز الجوائز الأدبية في العالم العربي.
يطرح "ربعي المدهون" في روايته الثانية "مصائر" أسئلة حول ما تعرض له اليهود في الهولوكوست، وما تعرض له الفلسطينيون من عذابات في مجازر وحروب متعددة. ويناقش من خلال شخصيات عدة، أحوال من بقوا في فلسطين بعد حرب 1948، ومن هاجروا أو هُجروا، والصعوبات التي يعانيها الفلسطيني اليوم إذا أراد العودة.
تبدأ الرواية بحكاية إيفانا الفلسطينية الأرمنية، التي أحبت في صباها طبيباً بريطانياً في زمن الانتداب على فلسطين، فأنجبت منه بنتاً سمّياها جولي، وهربا بها إلى لندن عشية نكبة عام 1948. بعد سنوات طويلة، وقبل وفاتها توصي إيفانا ابنتها أن تحرق جثتها وتنثر نصف رمادها فوق نهر التايمز، وتعيد نصفه الآخر إلى موطنها الأصلي: عكا القديمة.
"خذوا بعضي وكل روحي إلى عكا يعتذران لها حارة حارة. خذوا ما تبقى مني وشيعوني حيث ولدت، مثلما ستشيعني لندن حيث أموت. يا أصدقائي وأحبتي، يوماً ما، لا أظنه بعيداً، سأموت. أريد أن أدفن هنا وأن أدفن هناك".
بعد وفاتها تنفذ جولي وصية أمها بمساعدة زوجها وليد دهمان (بطل رواية ربعي المدهون السابقة "السيدة من تل أبيب")، فيسافران إلى فلسطين ويتجولان في مدنها، ويقعان في عشقها.
مقالات أخرى
قصة هزليّة عن الرقابة والنشر في مصر: الدين، والجنس... والجيش!
أين يمكنكم شراء الكتب العربية إلكترونياً؟
يستعير المدهون قالب الكونشرتو الموسيقي، المكون من أربع حركات، ليكتب على نسقه، روايته المؤلفة من أربع مرويات. في كل منها بطلان رئيسيان يتحولان إلى شخصيتين ثانويتين في الحركة/ المروية التالية، إلى أن تتكامل المرويات جميعها في الحركة الرابعة. وتلتقي حول أسئلة الرواية، التي تمتد زمنياً على عشرة أيام هي مدة زيارة جولي ووليد لفلسطين، لتنفيذ الوصية.
وينفتح هذا الزمن على تاريخ طويل وقضايا كثيرة ثانوية تثيرها الرواية، من خلال تقنيات عديدة يستخدمها الكاتب، كتقنية "الفلاش باك"، وتقنيات التقديم والتأخير، والحكايات الفرعية المتناسلة من بعضها، وتقنية "الرواية داخل الرواية"، التي تبرز بشكل أساسي في الحركة الثانية.
إذ تكتب جنين روايتها "فلسطيني تيس"، عن والدها محمود دهمان، الذي هاجر مع عائلته إلى غزة خلال نكبة 1948، ثم ترك عائلته وعاد إلى المجدل عسقلان، ولم يتمكن من استعادتهم بعد أن رُسمت الحدود بين ما أصبح إسرائيل وغزة. هكذا يصبح محمود فلسطينياً في إسرائيل، ويعيش حياته على هذا الأساس، ومن هنا يستحق الاسم الذي تطلقه عليه جنين في روايتها: باقي هناك.
تضيء الرواية على معاناة الفلسطينيين الذين غادروا بلادهم، ومنعوا من العودة إليها، وكيف أن الذين بقوا فيها أصبحوا بحكم الواقع الجديد مواطنين في دولة إسرائيل ويحملون جنسيتها، لكن أي فلسطيني غادر بلاده واستطاع العودة بطريقة ما، فإنه "سيستجدي حق إقامته في بلده من غرباء استولوا عليه".
كما تحكي عن واقع الفلسطيني الحاصل على الجنسية الإسرائيلية، والذي تزوج من الخارج أو من الضفة الغربية أو غزة، وعن المعاناة التي يتعرض لها بسبب ذلك. لا حق له في العمل أو الضمان الصحي، ولا في الإقامة. هذا ما تعرضه الرواية من خلال جنين، الفلسطينية الحاصلة على الجنسية الإسرائيلية، والتي أحبت أثناء دراستها في أميركا شاباً من الضفة الغربية، لكنه حاصل على الجنسية الأميركية، ورغم ذلك فإنهما يصطدمان بالكثير من العوائق بعد عودتهما للعيش في يافا.
"في آخر جدال بينهما قال لها: عايش في بلدنا كأني مواطن افتراضي. موجود في السجلات الرسمية، في وزارة الداخلية، عند الأمن العام (...) بس مش موجود في المؤسسات الحقوقية ولا مؤسسات الخدمة الصحية والاجتماعية، حتى أنت يا جنين، حاضرة غايبة، زي كل الفلسطينيين في هالبلاد، بس أنا يا حبيبتي غايب غايب. أنا دعوة لتعذيب الذات. إعلان سيئ بيوزعوه من غير مصاري على كل فلسطيني بيفكر يرجع للبلاد بطريقتي".
يشير الكاتب في الرواية أيضاً إلى الهولوكوست، ويقدّم شخصية يهودية هي أفيفا، عايشت المحرقة وكانت من بين الناجين منها، لكن ألم الذكرى ما زال يؤرق مناماتها، وأطياف المشاهد المروعة ما زالت تعيش حولها، وتقلب أيامها إلى شقاء دائم. هذا ما جعل جارها باقي هناك، يتعاطف معها ومع مأساتها، ويصادقها رغم أنها حاولت ذات مرة حرق بيته.
تبلغ معالجة الروائي لهذه النقطة ذروتها، حين يزور بطله وليد دهمان متحف "يد فشم" لضحايا الإبادة الألمانية، وهو متحف يطل من إحدى جهاته على ما تبقى من دير ياسين، فيتخيّل وليد وجود متحف مقابل يدعى متحف ذاكرة الفلسطينيين، يوثق لضحايا المجازر التي ارتكبتها إسرائيل. وتبدأ تساؤلاته حول موقف ضحايا النازية من ضحايا القصف والمذابح الإسرائيلية، وعن الفرق بين الحالتين.
ختاماً، استطاع المدهون أن يكتب رواية تسترجع فلسطين القديمة، وناسها، وأوجه معاناتهم سواء غادروها إلى المنافي، أو ظلوا مصرّين على البقاء فيها. وأهم ما في الرواية أنها لا تقف عند عرض القضية الفلسطينية، بل تتجاوزها إلى تقديم صورة فلسطين اليوم، لتحكي عن فلسطينيين أصبحوا "مواطنين في دولة إسرائيل في عملية ظلم تاريخية نتج عنها انتماء مزدوج".
كما أنها تغرق بشغف في وصف شوارع القدس وأزقتها وأسواقها وحوانيتها وبيوتها، فتشعر كما لو أنك تمشي فيها وتزورها وإن كان على الورق!.
"أنا الآن داخل سوق القطانين، أجمل أسواق القدس. بناه سيف الدين تنكز الناصري، نائب الشام في عهد السلطان الناصر محمد قلاوون، سنة 1336. أتأمل حجارته الملونة، وسقفه نصف البرميلي الشكل، المحمول على عقود مدببة. أتمشى على مهل تحت فتحاته الثمانية التي يدخل عبرها الضوء وتسمح بتهوية السوق المكتظ بالبشر".
ربعي المدهون، كاتب فلسطيني، ولد في مدينة المجدل/ عسقلان 1945. عمل في الصحافة منذ عام 1975 إلى الآن. يعمل حالياً في جريدة "الشرق الأوسط" في لندن، ويحمل الجنسية البريطانية. من كتبه المنشورة: المجموعة القصصية "خان أبله يونس"، كتاب "الانتفاضة الفلسطينية الهيكل التنظيمي وأساليب العمل"، سيرته الذاتية "طعم الفراق.. ثلاثة أجيال فلسطينية في ذاكرة"، ورواية "السيدة من تل أبيب" التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2010.
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت
عدد الصفحات: 266
الطبعة الأولى: 2015
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع