كانت حياة «إبراهيم خيري»، الطالب في الصف الأول الثانوي، عادية حتى ذلك اليوم الذي قرر فيه لعب «دوري بلايستيشن» عبر شبكة الأنترنت مع نظراء له من بعض الدول العربية، كالكويت وقطر والإمارات.
فاز بالدوري وحصل على 10 آلاف جنيه مصري (561$) تم إرسالها حوالة لوالده الذي طار فرحًا، وقتذاك أدرك أهله أن إدمانه لعب البلايستيشن يمكن أن يكون مفيدًا.
القصة بدأت، كما يرويها «إبراهيم» لرصيف22، قبل بضعة أشهر، منذ اعتاد الذهاب لمقهى أنترنت بجوار بيته يلعب فيه مع أصدقائه مباريات كرة القدم بفريقه الأثير ريال مدريد، ولكنه مل الفوز عليهم، فاقترح المسؤول عن المقهى اللعب «أون لاين» مع شباب مثله من دول عربية وأجنبية من خلال حساب كحسابات فيسبوك على موقع «PlayStation Plus»وهكذا كان.
via GIPHY
يخبرنا خيري أكثر عن هذا العالم، فيقول: الأمر كالشات، هناك لاعبون تختار من تلعب ضده أو معه أون لاين تمامًا كالألعاب الأخرى، ونتواصل من خلال «مايك» إذا كان اللعب «مالتي»، اي اثنين ضد أثنين، لكن في البداية كان اللعب عاديًا حتى بدأنا تنظيم ما يشبه الدوريات، أي عدد من المباريات والفائز له جائزة.
via GIPHY
أحمد عبد البر، الطالب في الصف الثالث الإعدادي والذي فاز بدوريات عدة عبر شبكة الانترنت مكنته من الحصول على 20 ألف جنيه (1122$)، يشرح آلية تنظيم تلك الدوريات: الأمر يمر بعدة مراحل، أولاها تحديد من سيلعب، وهنا يتم الأمر اختياريًا كل من يريد الاشتراك يعلن نفسه ثم يحصل اللعب عن طريق الاختيار من سيلاعب من، والفائزون يلعبون بعد ذلك حتى ينتهي الأمر بتحديد الفائز.
أما نتائج كل مباراة فيتم كتابتها في شات للمشتركين في الدوري، والجائزة هي أن يدفع كل لاعب مبلغًا من المال مع مراعاة فرق العملة ليكون الجميع متساويًا، وقد جرى تحويل كل المبالغ باسم الشخص أو أي قريب له إن لم يصل للسن القانونية، لافتًا إلى أن هناك تقسيمات عمرية أيضًا، فمن لم يتعدوا الـ18 عامًا يفضلون اللعب بعضهم مع بعض لأن من يتعدون العشرين يكون لديهم خبرة أكبر، وبالتالي فرص فوزهم أكبر.
ولكن ماذا لو أخل أحد بالاتفاق؟ يقول «أحمد» لرصيف22: لا مفر من الالتزام بدفع الأموال إن كنت خاسرًا، فلو خالفت القواعد - وقد حدث ذلك - يتم إخبار جميع اللاعبين باسمك حتى لا يلعبوا معك لاحقًا، لذلك يفضل الجميع الالتزام.
بالنسبة لمحمد حنفي، صاحب مقهى الانترنت الذي يلعب فيه «إبراهيم» و«أحمد»، فإن الأمر مُجدٍ ماليًا، فهو يشترك في خدمة «PlayStation Plus» بـ 25 دولارًا كل ثلاثة أشهر، ويقوم بإنشاء حسابات لزبائنه مقابل مبلغ من المال، بالإضافة إلى أن ذلك يجبر الزبائن على اللعب عنده، وبالتالي فهو يكسب من الناحيتين.
ويقول «حنفي» لرصيف22 إن 70% من رواد المقهى باتوا لاعبين للبلايستيشن عبر شبكة الأنترنت ومعظمهم من الأطفال، بل تخطى الأمر إلى تنظيم الأوقات إذ إن كل لاعب يتفق مع نظرائه حول العالم على موعد محدد، وبالتالي يجب أن يأتي ويلعب في موعده.
وهذا ما دفع حنفي إلى تنظيم اليوم، وفي حالة فوز أحد الأطفال بجائزة يختصه بجزء منها، ويوضح أن أكثر من 10 أطفال يلعبون نحو ساعتين يوميًا .
لكن هذا العالم لم يكن كله إيجابيًا، فسرعان ما ظهرت المشكلات مثل التي يواجهها والد «إبراهيم» حين طلب من ابنه الالتفات إلى دراسته، إذ إنه بعد أسابيع سيخوض امتحانات آخر العام، لكنه فوجىء بابنه يرفض ذلك لأن لديه مواعيد للعب، بجانب الدورة الرمضانية التي يستعد لها لأن الفائز سيحصل على ما يعادل 20 ألف جنيه مصري، مما يعني أن الأمر يستحق.
ويقول «خيري» الذي يعمل مهندس إتصالات لرصيف22 إن ابنه أدمن البلايستيشن منذ صغره، ولم يكن في ذلك مشكلة لأنه كان يسير بخطى جيدة في الدراسة، ويعترف أنه حين حصل الابن على بعض المال فرح جدًا، فقد أصبح قادرًا على تحمل مصاريف دراسته على الاقل.
ويضيف: برغم أني قلت له إن ذلك أمر جيد لكن لا بد أن يسير جنبًا إلى جنب بجوار الدراسة، كالأبطال الرياضيين الذين يشاركون في البطولات ومسيرتهم التعليمية جيدة، لم يقتنع وبات البلايستيشن هو كل همه، ما جعلني أحبسه في البيت، وهذه طريقة لم تجدِ ولم أستطع إلا الوصول لحل آخر هو أن يجتهد في الدراسة ويلعب ساعتين.
via GIPHY
«إبراهيم» يرد على والده بسؤال ما جدوى التعليم، ففي النهاية هو ليس من المتفوقين لينضم لكلية كالطب أو الهندسة، وبالتالي فإن مصيره كمصير ملايين العاطلين، بل يرى أن في تلك اللعبة التي يحبها طريقًا لجمع ثروة من الممكن أن تجعله صاحب مشروع ما في المستقبل.
ولم يقف الأمر عند هذا، فجاسر محمود، الطالب في الصف الثاني الثانوي، يقول لرصيف22 إن للعب عبر شبكة الأنترنت فائدة أخرى هي تكوين صداقات في أكثر من دولة عربية، فالأمر ليس مجرد لعبة بل منفذ لتكوين علاقات وحياة كاملة بدلًا من أصدقاء المدرسة.
و"محمود» والد «جاسر» الذي يعمل في شركة المياه الحكومية، لم تكن عنده مشكلة في أن يترك ابنه الدراسة ويتفرغ للعب البلايستيشن، يقول لرصيف 22 إن الناجحين هم أصحاب الموهبة، والكفاءة في تلك اللعبة موهبة، وبالتالي فإن تنميتها أهم بكثير من الدراسة.
وقالت الدكتورة هالة حماد، استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين، إن الألعاب الألكترونية تسبب هوسًا للأطفال، وإذا ارتبطت بالأموال أصبح الانفصال عنها صعبًا، لافتةً إلى صعوبة إقناع هؤلاء الأطفال بالعودة إلى الدراسة.
ونصحت ألا ينجرف الأهالي إلى تشجيع الأطفال على هذه الألعاب لأن ذلك ليس في مصلحتهم ولا في مصلحة أولادهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...