اعتاد الأطفال سماعَ الثالوث الوظيفي أي (قائمة الوظائف "المقبولة") في المجتمع العربي: "طبيب، مهندس، محامٍ وبس". لكنْ، هناك توجه الآن لإضافة وظائف جديدة إلى هذه القائمة: مصمم ألعاب فيديو، لاعب رياضات إلكترونية ونجم يوتيوب. هذا في الأقل، طموح مجموعة من منظمات حكومية في العالم العربي بالتعاون مع شركات تكنولوجية محلية وعالمية. قال علي القلاف، وهو منظم إعلامي في المجلس الوطني للإعلام في الإمارات أن المجلس، على سبيل المثل، "ما كان فاتحاً عينيه على هذه الأمور، لكنني قابلت إماراتيين ووافدين كثراً يحتاجون إلى دعم من خلال دائرة خاصة تحمي المواهب من الضياع". وأضاف: "نحن عندنا أرض خصبة جاهزة لهم، كل شيء جاهز... لكن، للأسف لا نستغل هذه المواهب!". هناك تطور في هذا المجال، بحسب القلاف، حيث أشار إلى أن حكومات إقليمية أخرى احتضنت هذه المجالات، وتقدم دعماً للفنانين والرسامين مثل مشاعل البراك، وهي رسامة سعودية حصلت على جائزة أفضل تصميم لشخصية مقاتلة في مسابقة أجرتها شركة SNK مشاركة مع Manga Productions. وأعلنت SNK لاحقاً أن هذه الشخصية، واسمها "نجد،" سوف تكون في لعبة King of Fighters XIV. يتزامن هذا الاهتمام في العالم العربي (بخاصة في الخليج) مع ازدياد هائل في حجم سوق الألعاب الإلكترونية. تخطّت هذه السوق حاجز المئة مليار دولار لأول مرة في 2017، بحسب شركة الأبحاث SuperData. والموضوع لا يقتصر على الألعاب فحسب، فمئات الملايين من المستخدمين يشاهدون مقاطع تتعلق بألعاب الفيديو على موقع يوتيوب أو تويتش يومياً، ويقدر عددهم بحوالى 665 مليون مستخدم، أي ضعف عدد سكان أميركا. بدأ المعنيون تنظيم مؤتمرات تجمع مئات الآلاف من الجماهير، تجتمع لتلعب أحدث الألعاب وتشارك في مسابقات. والعالم العربي لم يستثنَ من هذه الظاهرة، فمثلاً عقد الشهر الماضي في أبو ظبي، Gamescon، وهو معرض مختص بألعاب الفيديو شارك فيه حوالى 10,000 شخص ومعهم أكبر نجوم اليوتوب إقليمياً وعالمياً، بالإضافة إلى فرق الرياضات الإلكترونية. أما شركات الألعاب العالمية فقد أصبحت تعطي خطتها التسويقية اعتباراً، وفق قول أحمد النشيط، مؤسس موقع DVlZGaME وأحد أول نجوم اليوتيوب العرب. وقال النشيط: "في السابق، كانت المنطقة معروفة بالسوق السوداء للألعاب، ولم يكن هناك اهتمام من الشركات بالتحدث مع الحكومات لضمان أن تصل الألعاب إلى الأسواق العربية من دون عائق الرقابة أو المنع".
[caption id="attachment_139146" align="alignnone" width="700"] خلال Gamescon أبو ظبي[/caption]
"كانت هذه الشركات تحتاج إلى أشخاص على الأرض ليكونوا همزة وصل بين اللاعبين والجهات الحكومية أيضاً". أضاف النشيط أنه منذ سبع سنوات، يتعاقد مع شركات مثل Sony وغيرها لترويج منتجات موقعه في مجال ألعاب الفيديو في العالم العربي. عالمياً، تحولت جماهير الرياضات الإلكترونية من بضع عشرات إلى آلاف من المتفرجين يحتشدون في استادات ضخمة لحضور مباريات تصل جوائزها إلى ملايين الدولارات (قيمة الجوائز في دوري International 2017، على سبيل المثل، كانت نحو 25 مليون دولار). للاعبين العرب ثقلهم في هذا المجال أيضاً، فهناك اللاعب الأردني عمر "Miracle" البرقاوي، وهو يحتل المرتبة الثانية في العالم في تحقيق الجوائز من الـ-eSports (تفوق الثلاثة ملايين دولار) بحسب موقع eSportsearning.com. بدأ البرقاوي رحلته التنافسية في ألعاب الفيديو في مقاهي الإنترنت بالأردن، حيث لقب بـ "الطفل المعجزة" بسبب مهارته في لعب Dota. قال البرقاوي في مقابلة في فيلم دعائي لشركة رد بول: "في البداية، كنت ألعب للتسلية فقط"، لكنه سرعان ما اشتهر وانضم إلى Team Liquid، أحد أهم الفرق العالمية في لعبة Dota 2.
[caption id="attachment_139147" align="alignnone" width="700"] اللاعب اللبناني مارون "GH" مرهج[/caption]
[caption id="attachment_139148" align="alignnone" width="700"] اللاعب البحريني سيد "Tekken Master" هاشم[/caption]
وهناك زميله في فريق "Liquid" اللاعب اللبناني مارون "GH" مرهج، المصنف الثامن عالمياً، واللاعب البحريني سيد "Tekken Master" هاشم، والذي كان على وشك التغلب على أفضل لاعب Mortal Kombat XL في العالم في مسابقة Evolution Championship Series، عام 2016. قال هاشم: "أنا حاصل على بكالوريوس في إدارة الأعمال"، لكنه انضم الآن لاعباً محترفاً إلى فريق نصر للرياضات الإلكترونية في دبي. يقول مدير فريق نصر لوتشيانو رحال: "على الناس في هذه المنطقة أن يفهموا أن ما نفعله هنا ليس هواية بل عمل، وهو أحد المجالات الأسرع نمواً". "نقدم رواتب تتراوح بين ألف وخمسة الآف دولار شهرياً، وبالطبع هناك الجوائز التي نكسبها في الدوري ودعم من شركات مثل رد بول". عمل رحال سابقاً في مجال الدعايات، لكنه فضل أن يؤسس فريق ألعاب إلكترونية عندما رأى المواهب الموجودة في العالم العربي. تتجسد جدية رحال في طريقة معاملته أعضاء فريقه: على كل لاعب الالتزام بالتدريبات إذا أراد أن يشارك في مباريات الفريق (لكنه يعطي الدراسة الأولوية، بحسب قوله)، يسافر الأعضاء ليشاركوا في مخيمات تدريب مختصة، ويعين رحال خبراء تغذية لضمان حالة صحية جيدة للاعبين قبيل المباريات. بدأت الحكومات العربية أيضاً تعير هذه الرياضة أهمية كبيرة، وفق قول النشيط، والذي كان على وشك السفر إلى الرياض للقاء مسؤولين من هيئة الرياضة هناك لمناقشة كيفية دعم اللاعبين العرب في هذا المجال. يقول النشيط: "نحتاج الآن إلى جامعات وبرامج تعليمية لرفع مستوى اللاعبين هنا، وتثقيفهم على صناعة الفيديو وتسويق أنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي". "أبناء هذا الجيل هم الذين سيتنافسون بجدية مع فرق من آسيا". بالفعل، أطلق هذا العام مبادرة الرياضة الإلكترونية في الأردن بالتعاون مع صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، لاحتضان المواهب إلى جانب مختبر ألعاب (Gaming Lab) يركز على تطوير ألعاب الفيديو. وقال نور خريس، وهو رئيس رابطة صانعي الألعاب الإلكترونية في مقابلة هاتفية: "العالم الآن يتابع الرياضات الإلكترونية، وكان هناك نقاش مع اللجنة الأولمبية لتأسيس فريق وطني". يبدو أن هذا الاستثمار قد أثمر، فالأردن يحتل الآن المركز الأول على مستوى العالم العربي في عائدات لاعبي الرياضات الإلكترونية والعشرين عالمياً، بحسب موقع eSportsearning.com. لكن، على الرغم من هذا النجاح، إلّا أن جزءاً كبيراً من عمل خريس يتمحور حول تغيير نظرة المجتمع إلى هذه الألعاب، بخاصةً رأي أهل اللاعبين. "نريد أن تتمثل هذه الرياضات بطريقة إيجابية، وأن يتعدى هذا المجال الجلوس أمام شاشة كمبيوتر أو تلفزيون لأربعة وعشرين ساعة". "بالطبع، هناك تردد من الأهل، فهم يرون أولادهم يرتادون مقاهي الإنترنت، حيث ينتشر التدخين، الصحبة السيئة... إلخ، لكننا الآن نعمل مع هذه المقاهي لتثقيف الأهل والمجتمع العام في هذا الموضوع". أما في الإمارات، بحسب قول القلاف، فالمجلس الوطني للإعلام يدرس خطة إنشاء دائرة مختصة بشؤون تطوير مجال تصميم الألعاب الإلكترونية في المنطقة، وأضاف: "المجلس عمره ما كان مركز شرطة، ممنوع، قف، خلص، مخالف. لا، نحن نوجّه. أنت شخص موهوب؟... نعطيك الدعم المناسب". وفي رأي رحال، بدأت نظرة الناس هنا بالتغير، ويقول ممازحاً: "من الممكن ألّا يأخذني أهل على محمل الجد في البداية، لكن عندما يعود ابنهم وقد حصل على 300,000 دولار بسبب لعبة فيديو، أجد نفسي معزوماً على العشاء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا