يد مترددة تقترب من السلاح، تحاول أن تُمسكه وهي مرتعشة مع ضوء يهتز ليعكس صورة القلق والاضطراب، ذلك الكليشيه السينمائي لكل امرأة تحاول أن تمسك السلاح في الأفلام المصرية بات لا يُجدي، إذ السلاح أصبح ترفيهًا والحرب أساسًا لعبة، يمكن أن تقفز وتراوغ، وتقتل وابتسامتها لم تفارقها قط، هذا ما فعلته العاب الـ«paintball».
والـ«paintball» عبارة عن ساحات معارك مجهزة بتجهيزات كاملة من مطبات صناعية وحواجز وإطارات، بالإضافة للأدوات والملابس الواقية الخاصة باللعبة، ويتنافس فيها فريقان يُستخدم فيها سلاح عامل على الغاز، بمجرد الضغط على السلاح يتم إطلاق كُرات من الطلاء مكونة من مادة جيلاتين كروية تحتوى على مادة البولي إيثيلين غليكول، ومواد أخرى وأصباغ تذوب بسهولة في الماء.
"لا أحد يريد الموت حتى في اللعبة"
"انسَ ألعاب الأكشن وإطلاق النار من خلال الشاشات واخرج من حبستك". كلمات وصفت بها هند ممدوح الطالبة بكلية التجارة تجربة خوضها هذا النوع من الألعاب الذي ظهر في مصر خلال السنوات العشر الماضية. "كان حلمي أن أمسك سلاحًا، أنت لا تعرف المتعة حين تضغط على الزناد، تقفز وتراوغ، تشعر أن بإمكانك القتل أو الموت. هل ترى تلك نزعة عنف؟ ربما يكون الأمر كذلك وربما يكون طبيعيًا، فمنذ طفولتي وأنا أتطلع للأسلحة بشغف وأحب أفلام الأكشن والقتال، ولكن من أين لي ذلك، تلك الألعاب وفرت لي ما حلمت به، لا يوجد شعور معين خلال اللعب سوى حب القتل والانتصار، لا أحد يريد الموت حتى في لعبة"، تضيف هند ممدوح. ويعود تاريخ ألعاب الـ«Paintball» إلى سبعينيات القرن الماضي، حين تم اعتبارها لعبة ترفيهية في أوروبا، ولكنها لم تصل إلى مصر إلا عام 2009 على يد صلاح بسطاوي الذي افتتح أول فرع لهذا النوع من الألعاب في مدينة الرحاب، ويوضح أنه قبل ثورة يناير لم يكن هناك إقبال كبير، أما بعد الثورة فاستطاع أن يفتتح ثلاثة فروع أخرى. يقول بسطاوي لـ«رصيف22»: "المصريون يحتاجون إلى بعض الوقت لكي يتعرفوا على كل ما هو جديد، لذلك كان الإقبال في البداية مقتصرًا على شباب الجامعات، لكنه الآن يشمل كل الفئات وإن كان حضور كبار السن قليلًا جداً، مشيرًا إلى أن أكثر الفئات إقبالًا هي فئة الفتيات، لأنهن يردن تفريغ الطاقات المكبوتة لديهن في أفكار كتلك. كما أن الفتيات أشد شغفًا بالتعرف على أنواع الأسلحة واللعب بجدية". لهذا الشغف أسباب عند الفتيات، فـ«عزة سيد» الطالبة بكلية الآداب جامعة القاهرة، تقول إنها جربت هذا النوع من الألعاب للتخلص من فوبيا الخوف من الأسلحة، فهي لا تطيق أن ترى سلاحًا في أي فيلم، لذلك قررت كسر الخوف مع صديقاتها بتجربة هذا النوع من الألعاب التي تصفه بأنه أحد أسباب الثقة بالنفس وإقناع الفتيات أن الإمساك بسلاح ليس بالأمر المرعب كما توقعن من قبل. تقول «عزة» لـ«رصيف22» إنها أدركت إصابتها بفوبيا الأسلحة أثناء ثورة يناير. ومع تعدد مشاهد الدماء في الأحداث السياسية زاد الأمر حتى قررت التخلص منه بتجربة استعمال السلاح، مؤكدةً أنها تنوي تعلم الرماية أيضًا، فمن ناحية يخلصها هذا من الفوبيا تماماً، ومن ناحية أخرى حتى تستطيع حماية نفسها في أي وقت، ولم يكن هذا النوع من الألعاب سوى البداية.اللعبة
ندخل إلى اللعبة أكثر فيخبرنا رامي فارس الذي يعمل في أحد تلك الأماكن التي توفر ألعاب الـ««paintball»،أن هناك عدة قواعد للعب، ففي البدء يجب أن يكون هناك فريقان، كل منهما مؤلف من 4 أفراد، وهناك 3 سيناريوهات للعب. أولها الـ«Flag» ، ويقوم على وضع العلم في النصف ومحاولة الفريقين الوصول له بأسرع طريقة وبدون التعرض لأي طلقة من الخصم، وإذا تمت إصابتك يعني أنك خسرت. والطريقة الثانية هي الـ«VIP» : وفيها يتم محاولة حماية أحد أعضاء فريقك الموجود في بيت العدو وإعادته لبيتك بأمان. والثالثة هي الـ«Elimination Point»: وفيها يقوم الفريقان بالتصويب بعضهم على بعض، والفريق الذي يتلقى إصابات أكثر من الآخر يكون هو الخاسر. علمًا أن هذه اللعبة هي الأكثر انتشارًا بين الشباب. وللعبة حُكامها أيضًا كما يوضح «فارس» وعددهم 3، مهمتهم تنفيذ التعليمات التي تتلخص في ضرورة التصويب على بعد 25 مترًا وليس أقل حتى لا تحدث أضرار، فضلًا عن حسم النتائج. ويؤكد أنه لم يحدث خلال عمله منذ ثلاث سنوات أية إصابة.سيكولوجيا اللعبة
الخطر الحقيقي من إقبال الفتيات على هذا النوع من الألعاب توضحه الدكتورة منى سيد الباحثة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، وتقول إن المجتمع المصري عمومًا باتت له قابلية على حمل السلاح واستخدامه في الجرائم خلال السنوات الماضية، فقبل عام 2013 كانت الجرائم التي يتم فيها استخدام السلاح 30%. أما خلال العامين الأخيرين فقد وصلت النسبة إلى 45%. الأسباب كما توضحها «منى» لـ«رصيف22»، تعود إلى الجرائم الإرهابية التي جعلت من مشهد الدماء أمراً عادياً، فضلاً عن الانفلات الأمني بعد 2011 والذي دفع الكثير من المواطنين رجالًا ونساءً إلى اقتناء أسلحة بطرق غير مشروعة للدفاع عن أنفسهم. الإقبال على ألعاب الـ"paintball» نتيجة أكثر من كونه سببًا. من هذا المنطلق توضح "منى" أن الخوف من السلاح فطري، لذلك فمجرد استخدامه مرة واحدة ينكسر هذا الخوف ويصبح الأمر طبيعيًا. وذلك ما تفعله ألعاب الـ"paintball» التي تؤدي إلى نتيجتين: الأولى تقبّل فكرة حمل السلاح لدى الجيل الشاب، خصوصًا الفتيات. فمعظم الرجال يحملون تلك الأسلحة اثناء خدمتهم في القوات المسلحة، وبالتالي هذا سبب زيادة إقبال الفتيات. أما النتيجة الثانية فهي تقبّل فكرة القتل من خلال ضغطة زر، إذ كما يحدث في اللعبة يحدث في الواقع، لافتةً إلى أن الألعاب التي تُستخدم فيها الأسلحة والقتال تزيد من عنف الأطفال بنسبة 20%، أما الكبار فتقل النسبة إلى 15%. توافق على كلام «منى سيد»، صافيناز محمد التي تكشف أنها بعد خوض تجربة تلك الألعاب، انكسرت لديها عقدة الخوف من حمل الأسلحة وبات الأمر عاديًا، مؤكدةً أن للإمساك بسلاح حقيقي رهبة، لكن تلك الألعاب هي أول الطرق لكسر تلك الرهبة. ولا يقتصر الأمر على الفتيات فقط، فالكثير من الفتيان يمارسون اللعبة مثل «إبراهيم خيري» الطالب في الثانوية العامة، والذي يوضح أن اللعبة لم تكن لديه أكثر من نوع جديد من الألعاب للتغلب على الملل، فكل لعبة يمكن لمشاعرك أن تتغير فيها هي لعبة ممتعة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...