مؤخراً، أعلنت وزارة الزراعة المصرية عن حملة قومية للتوسع في زراعة محصول الكينوا، كونه يُعَدّ من المحاصيل الهامة التي يمكن أن تدخل في عدد كبير من الصناعات الغذائية، وتساهم في خلق فرص عمل جديدة، ما يمهّد لانتشار الكينوا قريباً بشكل واسع في الأسواق المصرية وقد يصير أحد مكوّنات أكلات المصريين الشعبية.
خلال السنوات الخمس الأخيرة، طالت تغيرات كثيرة الواقع الزراعي المصري، وانتقلت مصر من كونها هبة النيل والدولة الزراعية التي تزرع ما لذ وطاب من محاصيل، إلى دولة تصدر قانوناً يقضي بتقليص المساحات المخصصة لزراعة الأرزّ من 300 ألف فدان في العام الماضي إلى 182 ألف فدان في العام الجاري، أي بتقليص نسبته 45%، وذلك بسبب حاجة الأرزّ إلى الكثير من الماء.
"المحصول المنقذ"
ويأتي التركيز المصري على الكينوا كجزء من تركيز عالمي عليها، فقد خصصت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) عام 2013 له. والكينوا هو "المحصول المنقذ في الوقت الراهن"، حسبما قال وزير الزراعة المصري الدكتور عبد المنعم البنا.
البداية كانت عام 2005، حينما أدخل مركز البحوث الزراعية الكينوا إلى مصر كمحصول غذائي يساهم في تقليل الفجوة الغذائية. وأتت تجربة زراعته الأولى من محافظة جنوب سيناء، وتحديداً من مدينة نويبع، بالتعاون مع الفاو، حين قُدّم الدعم الفني المجاني للأفراد والجمعيات الأهلية والشركات وجرى تطبيق نظم الري الحديثة لترشيد استخدام المياه.
تسليط الضوء على الكينوا
لم يحظَ الكينوا باهتمام إعلامي خلال الفترة الماضية على الرغم من أهميته، يقول مسؤول محصول الكينوا في معهد بحوث المحاصيل الحقلية التابع لوزارة الزراعة الدكتور عمرو شمس.
ويضيف لرصيف22 أن "الكينوا محصول هام جداً خاصة أنه محصول شتوي يتحمل ملوحة الأراضي الصحرواية كما يتحمل الري بالتنقيط أو الرش، وقلة المياه لا تؤثر على إنتاجيته".
ويلفت إلى أن سعره وتكلفة استيراده الباهظة تجعله سلعة مربحة للفلاحين إذ يمكن إنتاجه في مصر بتكلفة أقل بكثير من تكلفة الاستيراد، ما يجعله سلعه محلية رائجة وقابلة للتصدير، مشيراً إلى أن "دخوله في خطوط إنتاج البسكويت والمخبوزات يفتح آفاقاً جديدة للاستثمار فيه إذ يمكن إقامة مجتمعات صناعية كاملة حوله".
بدوره، يشير رئيس مركز الدراسات الاقتصادية الزراعية في كلية الزراعة بجامعة القاهرة ورئيس بنك الائتمان الزراعي الأسبق الدكتور محسن البطران إلى أن الكينوا "يمكن أن يُخلط بالقمح لغنائه بالبروتينات"، ما يساعد على تخفيف حاجة مصر إلى استيراد القمح.
وتنتج مصر 54% من حاجتها إلى القمح، فهي تحتاج إلى 17 مليون طن وتستورد ثمانية ملايين في العام الواحد.بات ينافس الأرزّ في أكلات شعبية مثل الكشري ومحشي الكرنب وورق العنب والكوسى... هل يستبدل الشعب المصري الكينوا بالأرزّ بدعم من الحكومة؟
الدولة المصرية تدعم التوسع في زراعة محصول الكينوا... فهل ينتشر قريباً بشكل واسع في الأسواق ويصير أحد مكوّنات أكلات المصريين الشعبية؟ويقول البطران: "تأتي أهمية الكينوا في تقليل الفجوة الغذائية من القمح، إذ يمكّننا من إنتاج الخبز بشكل أوفر ويرفع نسبة الاكتفاء الذاتي فتقلّ كمية الواردات من القمح وتقلل فاتورة الاستيراد". فوائد الكينوا "قيمة الكينوا الغذائية عالية"، كما يؤكد لرصيف22 الدكتور عمرو شمس، لافتاً إلى أن وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) تستخدمه لتغذية رواد الفضاء بسبب احتوائه على ثلاثة أضعاف ما يوجد في الحبوب الأخرى من الحديد والكالسيوم. ويوضح أنه يُستخدم بدلاً من الدقيق في صناعة مخبوزات للأشخاص الذين يعانون من حساسية القمح ومرضى السكري، كما يُستخدم ضمن الوجبات المدرسية لتلاميذ المدارس. ويبيّن خبير التغذية وعلاج السمنة أحمد مجدي لرصيف22 أن الكينوا يحتوي على نسبة عالية من الألياف التي تُعدّ الصديق الأول للجهاز الهضمي وتحسن عملية الهضم وحركة الأمعاء وتقي من الإصابة بالإمساك، مضيفاً أن له فوائد في فقدان الوزن الزائد إذ يساعد على الشبع. ويوضح مجدي أن الكينوا مصدر مهم للحديد والزنك والكربوهيدرات بالإضافة إلى احتوائه على الكالسيوم مثله مثل مشتقات الحليب وبالتالي يساعد مَن يعانون من هشاشة العظام. كشري ومحشي بالكينوا صار للكينوا حضور في المطبخ المصري وصار ينافس الأرزّ والدقيق في أكلات مصرية تقليدية، كما تؤكد الشيف عبير السيد لرصيف22. وتقول: "الكينوا بات منافساً للأرزّ في محشي الكرنب وورق العنب والكوسى، وهو أمر ربما لو سمعنا عنه قبل سنوات كان لا يمكن تصديقه خاصة وأن الشعب المصري عاشق للأرزّ". وتوضح أنه "في البداية كنا نستخدمه لإعداد وجبات خاصة للراغبين في وجبات التخسيس مع إضافة الطماطم والبقدونس وبعدها بدأ بالانتشار في الوجبات العادية، منذ ثلاث سنوات تقريباً، خاصة وأن طعمه مستساغ للغاية وطريقة طهيه تتشابه مع طريقه طهي الأرزّ". لم يعد استخدام الكينوا يقتصر على السلطات المختلفة كسلطة التونة وسلطة الدجاج وسلطة الخضروات، بحسب الشيف عبير، "ولكن بدأ يُقدَّم ضمن الوجبات الشعبية المصرية فحل محلّ الأرزّ في الكشري". وتشير إلى أنه يمكن تقديم "عجة مصري مكوّنة من بيض وجبن وبقدونس مفروم وبصل وكوب من الكينوا، بدلاً من استخدام الدقيق الأبيض، وندخل الخليط في صينية في الفرن أو نضعها في قوالب الكاب كيك". كما تلفت إلى أن الكينوا صار بديلاً للبرغل والفريك و"يمكننا الاستعانة به بعد سلقه عند إعداد الحمام المحشي، خاصة لمن لا يحبّون الفريك". كيف ينظر المستثمرون إلى الكينوا؟ تقول رئيسة مجلس إدارة شركة إيروجيت لاستصلاح الأراضي، والتي تستثمر في زراعة الكينوا في صحراء بني سويف، الدكتورة شكرية المراكشي إن سعر طن الكينوا 1800 دولار فيما يصل سعر الكينوا العضوية إلى 2300 دولار، و"مع التشجيع على زيادة إنتاجها قد تقل التكلفة ويصل الكيلو إلى 20 جنيهاً مصرياً وتصبح في متناول الجميع". وحول صلاحية الأراضي المصرية لزراعة الكينوا تؤكد لرصيف22 أن "صحراء مصر تناسب طبيعة الكينوا باعتباره محصولاً ملحياً لا يحتاج إلى أرض خصبة"، لافتةً إلى أن مساحات الأراضي الشاسعة في مصر كافية لتصل البلاد إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والتصدير. وتشير المراكشي إلى أنها تقدمت بطلب لرئيس الوزراء لنشر زراعة الكينوا في صحراء مصر، وإلى أن إيروجيت وقّعت بروتكول تعاون مع المركز الدولي للزراعة الملحية ومركز بحوث الصحراء "الذي زودنا بسلالتين وجربنا زراعتهما عامي 2016-2017 في بني سويف وبعدها اتجهنا نحو تجارب زراعة الكينوا والمحاصيل الملحية بشكل أكبر في الأراضي الضعيفة". وتتابع: "سافرت إلى بلاد المنشأ وحصلنا على بذور من الهند والبرازيل وتم إدخالها عن طريق معهد البحوث الزراعية ووصلنا بعد عدة تجارب إلى معدل استهلاك مياه أقل بكثير من معدل استهلاك القمح للمياه وهذه ثورة في عالم الري".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 4 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 5 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ اسبوعينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.