بعد حوالي 38 عاماً من الغربة قرر المهندس المصري هشام حجاج، الحاصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة أكسفورد، أن يعود إلى مصر. يحركه حلم بأن المجتمع المصري في حاجة لخبرته في مجال الأكوابونيك ،النظام البيئي المتكامل والذي يمكنه تحقيق الإكتفاء الذاتي من الغذاء لصاحبه عبر إنتاج أسماك ومحاصيل زراعية دون أسمدة أو ملوثات.
يحارب الرجل الروتين وثقافة الاستهلاك التي باتت مسيطرة على المصريين مؤخراً في محاولة منه لتحسين حياتهم إلى الأفضل.
لكن ما الذي يجعل شخصاً حقق نجاحاً كبيراً وقابل رؤساء وملوكاً ووصل إلى مستوى علمي ومادي مرموق يعود إلى بلده بعد كل تلك السنوات ويقرر أن ينشر ثقافة جديدة؟
قبل أن يطبق هشام حجاج نظام الأكوابونيك في مصر عرضه على جهات حكومية عدة بهدف أن يطبقوه هم، لكن الفكرة كانت غير واضحة للجهات الحكومية بسبب عدم وجود أي تجارب سابقة لها في مصر.
وكان السؤال الذي يطرح عليه دائماً من تلك الجهات هو "ما الضامن أن هذا المشروع قابل للتطبيق على أرض الواقع؟"
لذلك قرر حجاج أن يطبق النظام بنفسه حتى يؤكد لكل الجهات أن النجاح ممكن وأن التجربة تستحق الرهان عليها، ومن وجهة نظر حجاج فإن المشكلة الأبرز في مصر هي سوء الإدارة في كل المجالات سواء في الموارد والتعليم أو حتى في الأفكار.
يشرح حجاج لرصيف 22 "أنا لست منتجاً للعلم، لم أبتكر الأكوابونيك، أنا فقط أقوم بتوظيف العلم الذي ابتكره الغير في محاولة لخدمة المجتمع وتحسين ظروف الناس بصفة عامة والفقراء بصفة خاصة".
ويضيف:"تسعى مزرعتي لتعليم المصريين مجاناً علم الأكوابونيك والذي يعني باختصار تطبيق نظام بيئي حيوي متكامل يمكن الشخص من أن يحقق اكتفاء ذاتيا من الغذاء في منزله عبر إنتاج الأسماك وبعض المحاصيل الغذائية من دون أسمدة ويتم ذلك في دورة مستديمة دون تلويث البيئة من حولنا، فمن مخلفات الأسماك يتم تسميد النباتات، ومن بقايا الطعام تتم تغذية الأسماك".تعرف على قصة هشام حجاج الذي ترك جامعة أكسفورد ليحقق حلمه في مصر
الأكوابونيك... النظام الذي سيحل مشكل المياه والغذاء في مصر
كابوس نقص المياه
شارك هشام حجاج في أبحاث عالمية عدة عن مشاكل المياه، كانت جميعها تحذر من نقص المياه في الشرق الأوسط. ويقول في هذا السياق: "الشرق الأوسط يمر بكابوس نقص المياه لكن الحكومات لا تتعامل بجدية مع هذا الأمر. قررت أن أدرس البدائل فعدد المصريين في زيادة مستمرة بينما نصيب كل فرد من المياه يقل في المقابل. بحسب دراسات عدة فإن متوسط نصيب الفرد في مصر من المياه 600 م3 سنوياً، وخط الفقر المائي العالمي هو 1000 م3 سنوياً، أي أن المواطن المصري يعيش تحت خط الفقر المائي. فكان البديل المنطقي هو إنتاج غذاء صحي كاف بأقل استهلاك للمياه. الأزمة الحقيقية فيما يتعلق بالمياه في مصر هو أن طريقة الزراعة لم تتغير منذ العصر الفرعوني، حيث تتم الزراعة بنفس الطرق البدائية. لم يتم استخدام تكنولوجيا جديدة تهدف لتوفير المياه فحوالي 97% من مصادر المياه في مصر تأتي من نهر النيل فقط، ويوفر نظام الأكوابونيك 95% من المياه عند تنفيذه. لا تكتفي مزرعة آل هشام حجاج بتعليم الناس الأكوابونيك. من خلالها يتم تعليمهم أيضاً صناعة الحرير. كما تحوي كذلك حوالي 120 ألف شجرة توت وبجانبها تتم تربية دود القز الذي يقوم بدوره بصنع الحرير ومن ثم يمكن للشخص بيعه ويكسب الكثير من الأموال التي توفر له حياة كريمة. المزرعة التي تعد مشروعا عملاقاً تنتج أيضاً طوب بناء صديقاً للبيئة، وتعلم الناس كيفية زراعة النخيل وإنتاج التمر وتصديره بعد ذلك. وإلى جانب زراعة البرسيم الحجازي غزير الإنتاج، فقد قرر هشام حجاج أن يكون مصدراً مجانياً لكل من يريد أن يتعلم كيف يصبح منتجاً وصديقاً للبيئة في نفس الوقت. بعد 38 عاماً من النجاح عاد حجاج إلى مصر رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلد خصوصاً بعد ثورة يناير 2011. ويعلق بابتسامة "المصري مهما سافر واغترب يظل لديه حنين غير مفهوم للعودة إلى مصر. تفرض عليك تربيتك في المجتمع المصري هذا الحنين. دائماً ما تفكر في فنجان القهوة الذي كنت ترشفه في بلكونة بيتك متأملاً وجوه المصريين الحزينة أحياناً والراضية دائماً، وأشعة الشمس التي تحاول بعناد أن تدخل البيت من باب موارب وإحساسك بأنه يجب أن يكون لك دور في صناعة التغيير الحقيقي وهو تغيير الناس أنفسهم وجعلهم منتجين".أن ينتج المصري غذاءه
وفرت مزرعة هشام حجاج لعشرات المصريين معدات إنتاج الأسماك داخل المنازل مجاناً، رغم أن تكلفتها تقترب من الخمسة آلاف جنيه (حوالي 280 دولاراً). وقام الرجل بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني غير حكومية بتدريب عائلات فقيرة على إنتاج الأسماك داخل المنزل. إذ تحصل الأسرة على المعدات ذات الحجم الصغير ولا تأخذ مساحة كبيرة داخل المنزل. وبالنسبة إلى غذاء الأسماك فيكون من بقايا الطعام الذي تأكله العائلة نفسها ولا يتم شراء أي غذاء للأسماك من الخارج. يوفر ذلك ما يقارب إنتاج 20 كلغ من الأسماك شهرياً تقريباً للأسرة، وهو ما يتيح لها تناول الأسماك طوال الشهر مجاناً. نفس الأمر مع المنتجات الزراعية المختلفة مثل الخس والطماطم والفلفل وغيرها من المنتجات الزراعية. يطلق على هذا النظام "نظام إنتاج متر في متر" وهو نفس مساحته الفعلية وبالتالي يمكن وضعه في بلكونة المنزل أو على سطح المنزل، وينتج كمتوسط 80 نباتاً في الشهر، وحوالي 60 كلغ من الأسماك كل ثلاثة أشهر كمتوسط.مشروعك... مزرعتك
هناك مستوى آخر من التدريبات يوفره هشام حجاج، لمن يمتلك أو ينوي شراء قطعة أرض. ففي حالة توفر مزرعة مساحتها 1000 متر سيحتاج صاحبها لشراء معدات تصل تكلفتها إلى حوالي 600 ألف جنيه. وبعد حصوله على التدريبات اللازمة سيكون قادراً على إنتاج 20000 منتج زراعي شهرياً. على سبيل المثال سينتج المتر الواحد حوالي 22 نبتة من الخس الكابوتشي، أي حوالي 20 ألف خسة في المزرعة، ويصل متوسط سعر الخسة الواحدة جنيهان ونصف الجنيه (أقل من ربع دولار) ويمكن للمزرعة أن تقوم بإنتاج 8 دورات زراعية في السنة الواحدة. وفي نفس المزرعة يمكن إنتاج متوسط 4 أطنان من السمك كل أربعة أشهر سواء من سمك البلطي أو البوري وغيرهما من أنواع السمك التي يمكن إنتاجها في هذا النظام. ولكن هل يمكن للشباب المصري الاستفادة من هذا المستوى من التدريبات؟ بالتأكيد؛ فهناك مشروع حكومي يطلق عليه مشروع المليون فدان ويتبناه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يتيح توفير قطع أراض للشباب ممن لم يحصلوا على فرصة عمل حتى الآن. ويوفر حجاج تدريبات مجانية لكل شاب يحلم بأن يكون لديه مشروعه الخاص.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 23 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت