داخل استديو متواضع في مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين، في مدينة بيت لحم، تلتقي خمس فتيات فلسطينيات لا تتجاوز أعمارهن 17 عاماً، لتسجيل أغاني الراب، بعد كتابة الكلمات واختيار الألحان، للتعبير عن رفضهن للواقع الذي يعشن فيه، وإيصال صوتهنّ إلى العالم.
صوفي العيسة، داليا رمضان، ديالا شاهين، نادين عودة، وسيرين خالد... اخترن فن الراب لمعالجة مواضيع عدة منها القضية الفلسطينية والفقر البطالة والتعليم والسكن والمضايقات أثناء الخروج من المخيم.
غنّين وأثبتن أنهن يستطعن إطلاق رسالة تصل إلى جميع فئات المجتمع من خلال مزج إيقاعات موسيقية عربية وأجنبية على وقع ألحان شرقية.
ولا يُعتبر استخدام "الراب" كأسلوب للاعتراض جديداً. فهذا الفن الذي راج بشكل كبير منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، في الولايات المتحدة الأمريكية، استُخدم للاعتراض على قضايا مثل التمييز العنصري. لذلك لم يكن غريباً اختيار الفتيات الخمس هذا الفن للتعبير عن معاناتهن ومعاناة أبناء الشعب الفلسطيني ومناصرة القضية الفلسطينية.
تحدّي القيود المجتمعية
وعلى الرغم من القيود المجتمعية التي تقيّد الفتيات، في بيئة محافظة، إلا أنهن يواصلن تقديم أغانيهنّ، ويتحدّون بالفن الاحتلال ومضايقاته اليومية التي يتعرضن لها. وبدعم من مؤسسة "موسيقيون بلا حدود" ثم "مؤسسة شروق"، استطعن مع الوقت تغيير النظرة إلى فن الراب، حتى صار كثيرون ينتظرون أعمالهن، خاصةً أنها تعبّر عن واقعهم وحياتهم اليومية. وتقول صوفي العيسة لرصيف22: "كنت أنا وزميلاتي نستمع إلى أغاني الراب بشكل مستمر، وبعد ذلك أردنا تعلم هذا الفن وإتقانه، كونه يعبّر عن الاضطهاد ونصرة المظلومين والمقهورين، فتعلمنا كيفية كتابة الكلمات والقوافي على أوزان مختلفة". وتضيف: "كنا نستعين بالفيديوهات المنتشرة عبر شبكة الإنترنت، حتى أصبح الراب الأداة التي نصرخ من خلالها بصوت عالٍ ونعبّر بواسطتها عن معاناتنا وآلامنا دون أن نعرّض أنفسنا للخطر".التعبير عن "الهم" بكلمات بسيطة
وتقول صوفي: "استطعنا من خلال فن الراب الحديث عن مشاكل وهموم أبناء شعبنا والتعبير عنها بكلمات بسيطة تحمل معاني وأحلام كبيرة. تحدثنا عن سرقة الأرض وتهجير سكانها منها، وعن المضايقات التي يتعرض لها سكان المخيم أثناء التنقل، إضافة الى مشكلتي المياه والكهرباء"، مضيفةً: "أردنا إيصال معاناتنا بطريقة جديدة حتى يتفاعل معها العالم الخارجي". &feature=youtu.be "لم يتقبل المجتمع الفلسطيني المحافظ وخاصة سكان المخيم الذي نسكن به، فن الراب في البداية، وتعرّضنا للانتقاد والسخرية، ولم نستطع الغناء إلا داخل الاستديو، ولم نغنِّ أمام الجمهور، وشعرنا بالإحباط"، تروي صوفي، ولكن الفتيات "ضربن كل ما حدث بعرض الحائط"، تتابع "وقررنا مواصلة المشوار الذي بدأناه وتخطينا كافة الحواجز وأصبحنا نصدح بأصواتنا أمام الجميع".خدمة القضية الفلسطينية
وتشير الشابة الفلسطينية إلى أنهن يحاولن بقدر المستطاع خدمة القضية الفلسطينية وأبناء المخيمات، لإيصال معاناتهم إلى العالم من خلال هذا الفن، ولـ"نثبت أن اللجوء وأوضاع اللاجئين الصعبة لا تعني أنهم موتى، بل لديهم مواهب ويستطيعون إبرازها". ورغم أن أعضاء أول فرقة راب للفتيات في فلسطين بدأن مشوارهن من مخيم "الدهيشة"، أكثر المخيمات فقراً واكتظاظاً بالسكان في مدينة بيت لحم، ولم تكن لديهن أدنى الإمكانيات للبروز في عالم الفن، غير أن عزمهن الكبير على التعبير عما يعانون منه من هموم ومشاكل دفعهنّ إلى قيادة ثورة موسيقية حقيقية.الغناء بعدة لغات
بدورها، تروي نادين عودة، واحدة من الفتيات الخمس، لرصيف22: "اختيارنا دخول عالم الراب لم يكن بدافع كسب الأموال. أهدافنا تتعدى ذلك بكثير، لأننا نحمل رسالة صادقة، ونتمنى أن يصل محتواها إلى أبعد الحدود وإلى أكبر عدد من الأشخاص. لذلك نغني بأكثر من لغة".غنّين وأثبتن أنهن يستطعن إطلاق رسالة تصل إلى جميع فئات المجتمع من خلال مزج إيقاعات موسيقية عربية وأجنبية على وقع ألحان شرقية... خمس فلسطينيات يطلقن فرقة راب من مخيم الدهشية
على الرغم من القيود المجتمعية التي تقيّد الفتيات، في بيئة محافظة، إلا أنهن يواصلن تقديم أغانيهنّ، ويتحدّون بالفن الاحتلال ومضايقاته اليومية... خمس فلسطينيات يطلقن فرقة راب من مخيم الدهشيةوتضيف: "أردنا شق طريقنا نحو هذا الفن الذي يُعتبر غريباً على سكان مخيم الدهيشة. ورغم الانتقادات السلبية والنظرة المجتمعية لنا، كوننا فتيات، استطعنا تحدي كل العقبات وأثبتنا أنفسنا، وكانت الكلمات والألحان خاصة بنا، ونجحنا في إقناع مَن حولنا بأن فن الراب لا يقتصر على الشباب فقط، وإنما تستطيع الفتيات إتقانه وإيصال رسالتهن إلى الآخرين بكل وضوح".
طريقة جديدة
تؤكد نادين أن ظروف الاحتلال التي يعيشون فيها والمضايقات اليومية بسبب حواجز الاحتلال المنتشرة على مداخل ومخارج المخيم، والأزمات المتكررة، واعتقال النساء والأطفال، ووضع قيود على الشباب والفتيات كانت كافية لهنّ لإعلاء أصواتهن. فاخترن فن الراب للتعبير عن رأيهن ومناصرة القضية الفلسطينية بطريقة جديدة. مدرب الفتيات الخمس نديم العيسة كان له دور كبير في دعمهن، وإقناعهن بمواصلة الطريق والاستمرار بغناء الراب، رغم القيود المجتمعية. ويقول لرصيف22: "منذ تأسيس الفريق وجدت لدى الفتيات إصراراً على إيصال أصواتهن والدفاع عن القضايا المختلفة من خلال موسيقى الراب الشرقية. ولكن المجتمع الفلسطيني المحافظ لم يتقبل فكرة ممارسة فتيات من المخيم لهذا الفن الذي يعتبرونه مسخرة".إقناع المجتمع
ويضيف: "في البداية كانت الفتيات لا يردن الغناء خارج الاستديو خوفاً من السخرية والانتقادات، ولكنهن استطعن إقناع المجتمع بأن فن الراب ليس فناً هابطاً، وإنما هو يعطي الأشخاص حرية التعبير عن آرائهم إزاء قضية معينة، فاستخدمن الكلمات الوطنية لمناصرة قضايا المجتمع الفلسطيني ومعاناة سكان المخيمات بفعل الاحتلال والمضايقات المتكررة". ويتابع: "بعد نجاح الفتيات بخوض تجربة الراب في المجتمع الفلسطيني وتحدي النظرة المجتمعية لهن، أردن تطوير هذه الموهبة ونشرها عالمياً، لإيصال رسالتهن إلى العالم الخارجي، فشاركن بتسجيل ألبوم خاص بهن في الولايات المتحدة بداية عام 2017، إضافة إلى تقديم عروض على مسارح في أوروبا، وأيضاً المشاركة في تسجيل وعرض مع فناني راب فرنسيين ضمن مشروع In and Out في باريس نهاية العام الماضي، والمشاركة بعرض غنائي في إيطاليا".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون