شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عن المراسل الأول في الثورة والحرب: من يستمع إلى الراديو في المنطقة العربية؟ -1-

عن المراسل الأول في الثورة والحرب: من يستمع إلى الراديو في المنطقة العربية؟ -1-

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 18 أبريل 201802:34 م
أجيالٌ عديدة تربّت على الراديو، سمعت أخبار الحرب عبر الراديو، اكتشفت صوتَي أم كلثوم وعبد الحليم على الراديو، فرحت بنتائج الامتحانات الرسمية على الراديو. لكن هذا العصر قد ولى. رغم ذلك، ما زالت الإذاعات الحكومية تكافح للتعايش مع الموجات الرقمية، محاولةً جذب المستمعين بأي وسيلة عرفتها، إن كانت تتقنها أم لا. في هذا التقرير سنرافق المستمعين والمسؤولين الإذاعيين لنستكشف ما وصلت إليه الإذاعات الحكومية، في جولة منقسمة إلى سلسلتين، أولاها عبر موجات مصر وتونس وثانيتها مع إذاعات لبنان واليمن. ad-radio "من هنا القاهرة إلى إذاعة تونسية تعيش معاك" يحكي الرجل الخمسيني "محمد مصطفى"، سائق التاكسي، عن الراديو حينما كانت الإذاعة الوسيلة الأولى للاستماع إلى أولى أغاني المطربين المفضلين، وسماع الأخبار للمرة الأولى. حينها كان الراديو يوضع على أحد الأرفف الخشبية في البيوت والمقاهي، مغطىً بقماش مخملي ليحفظ من الغبار. تغير الزمن من وجهة نظره مصطفى بعدما استحوذ التليفزيون على معظم الأوقات، وصار الراديو في ركن مهمل يعبر عن زمن قديم. ورغم أن الراديو يصارع ليكون في مقدمة الوسائل الإعلامية في بداية الألفية الأولى، عن طريق بث إذاعات جديدة على الموجة القصيرة "إف إم"، ليصل إلى قطاع كبير من الشباب، فإنه فقد أداته التي يجذب بها المستمع، وأصبح هدفه التسلية بدلاً عن الترفيه. radio1

الإذاعة المصرية تفكر في البث المباشر لتعويض ما فاتها

تنطلق من الراديو الخاص بإحدى سيارات الأجرة التي تجوب شارع محافظة الشرقية، أحد أقاليم مصر، أغنية يا صباح الخير يالي معنا لأم كلثوم، الأغنية الأولى للفترة الصباحية للإذاعة، قبل أن تسحب منها إذاعات إف إم والإنترنت البساط، لكن السائق الخمسيني بدا غير مهتم بالإذاعات الأخرى. شكلت الإذاعة المصرية جزءاً من وعي المستمع، منذ نشأتها عام 1938، وقدمت في الثمانينيات والتسعينيات برامج ظل صوتها يتردد في أذن المستمع، وقد تكونت الفترة الصباحية من عدة برامج رافقت المصريين منذ استيقاظهم حتى موعد نومهم، مثل كلمتين وبس وحواديت أبلة فضيلة. وكانت لافتةً الفترة الصباحية الثانية التي تبدأ على إذاعة الشرق الأوسط في الساعة العاشرة صباحاً، ويذاع فيها برنامج تسالي لإيناس جوهر وبرنامج أماني وأغاني على إذاعة الأغاني.
اهتمت الإذاعة المصرية بالمستمعين من المحافظات كافة، لذا أنشأت 11 إذاعة إقليمية تابعة لها، حسبما ذكرت نادية مبروك، رئيسة الإذاعة المصرية، لرصيف22. ومع التأثير الكبير من إذاعات المنتديات والإذاعات الشبابية التي تبث من داخل البيوت على الإنترنت، تنفي "مبروك" هذا، وتصف الإذاعة بأنها مزيج من الإذاعات التثقيفية والإذاعات الخفيفة، بمعزل عن الإذاعات المتخصصة مثل القرآن الكريم والشباب والرياضة، التي تجذب جميع الأعمار. وترى رئيسة الإذاعة المصرية أن الحل هو مواكبة العصر الحالي، بالاتجاه إلى بث مباشر على الإنترنت، مثل الإذاعات الشبابية الحالية. ورغم أن الإذاعة المصرية تحاول الحفاظ على صورتها القديمة كإذاعة عريقة، فإنها تتحايل على الأمر بالمناقشة مع الإذاعة الشبابية بعد أن أطلقت "ميجا إف إم ونغم إف إم". وتنطلق في مصر نحو 37 إذاعة، منها إذاعات دولية مثل بي بي سي، وإذاعة الموجات القصيرة إف إم، وما يقرب من 17 إذاعة حكومية، ولا تندرج الإذاعات الأونلاين على الإنترنت في قائمة الإذاعات المصرية.

"محطة على المحطة" تحطم طلاسم الاقتصاد في 6 دقائق

6 دقائق في إحدى محطات مترو الأنفاق بالقاهرة، هي المدة التي تقطعونها لتأخذوا تذكرة وتمرروها في الآلة، ثم تنزلوا بالسلم الكهربائي وتنتظروا القطار المقبل. هذه الدقائق الست هي أطول وقت لبرنامج يبث على راديو "كيميت" من داخل محطات مترو الأنفاق. radio1_AFP يقول أحمد راضي، مدير محتوى راديو كيميت، لرصيف22: "إن التحدي الذي أمامنا هو إيصال المعلومة في وقت انتظار المستمع قطار المترو. قدمنا برامج مثل "يلا اقتصاد" الذي يناقش طلاسم الاقتصاد ويضيف معلومات اقتصادية إلى المستمع". ويتابع راضي أن إذاعة المترو يجب أن تكون متنوعة، وهذا ما تفتقر إليه الإذاعات المتوجهة إلى جمهور واحد. ويحكي عن ترنيمة بارك الرب التي أذاعها راديو كيميت وأعجبت أحد المستمعين حتى أنه قرر تسجيل مقطع فيديو من محطة مترو العباسية، قائلاً: "إيه إللي حصل في البلد". يعتمد راديو محتوى كيميت على الأغاني والبرامج السريعة، ورغم أن الأغاني هي العامل المشترك لجذب جمهور الراديو، فإن راضي يرى أن الإعلانات والبرامج هي المحرك الأساسي لأي إذاعة. ويلفت إلى أن دخول نجوم "توك شو" لتقديم برامج على المحطات الإذاعية، أفسد على الراديو تميزه عن التليفزيون، مرجعًا هذا إلى أن مالكي المحطات يحاولون الوصول إلى أكبر شريحة بصورة لا تتناسب مع الراديو.

المحطات الإذاعية الخاصة الأعلى استماعًا في مصر

في السياق نفسه، أفادت شركة بارك للبحوث والدراسات الاستشارية العالمية عام 2015، أن إذاعة نجوم إف إم هي الأعلى في نسبة الاستماع، وحظيت إذاعة نغم إف التابعة للإذاعة المصرية على المرتبة الثانية. وأظهر استطلاع الرأي الذي أجرته الشركة أن أعمار مستمعي إذاعة نجوم إف إم (الخاصة)، تراوح بين 15 و 24 عامًا. أما مبروك فتشك في هذه النتائج.

الراديو في سيارات الأجرة

يجوب طارق فتحي، 40 عامًا، منطقتي مدينة نصر والمهندسين، بسيارته التاكسي التي تعتبر بيته الثاني إذ يقضي فيها عشر ساعات يومياً، ويشير إلى راديو السيارة واصفًا إياه بأنه رفيقه المُسلي، ويساعده في إسعاد زبائنه. "الراديو مش بس أغاني ده بيساعدني في شغلي"، يتابع طارق النشرة المرورية على إذاعة "راديو مصر" التابعة للإذاعة المصرية، لتقدير الازدحام المروري في ساعة خروج الموظفين من أعمالهم. يحفظ طارق مواعيدها وأوقاتها، يشير بيديه إلى الراديو ويبدأ في التقليب وتعديد مزايا الإذاعات المختلفة، وتوقيتاتها المناسبة "الإذاعة القرآن الكريم الصبح حلوة، إذاعة الأغاني بالليل بتجيب أغاني قديمة، أما البرنامج الحلو بصحيح معاك على السكة" يستمر معاك على السكة والذي يقدمه الإعلامي خالد عليش ساعتين على الراديو، ويسلي طارق، فهو برنامج مخصص لسائقي السيارات. radio_taxi

أداة لسماع الأغاني

تذكر نهى عاطف، باحثة أكاديمية ومؤلفة كتاب الإعلام الشعبي، أن الراديو جذب الشوارع التي جعلت منه نجماً بعد اعتماده على برامج جديدة تقدمها شخصيات إعلامية وفنية شهيرة، مثل " كلمتين وبس"(برنامج إذاعي كان يقدمه فوائد المهندس). وﻻ ترى أن مواقع التواصل الاجتماعي سحبت الجمهور من الراديو، بل على العكس دعمته: "أثر الإنترنت على انتشار الإذاعات وزيادة عدد مستخدمي الانترنت وظهر عدد كبير من الإذاعات التابعة لمنظمات غير حكومية".

دراسات وأبحاث الراديو الوسيلة الإعلامية الأولى في تونس

يستمع نحو مليوني تونسي إلى الإذاعة التونسية، وتحتل إذاعة "موزاييك إف إم" الخاصة المرتبة الأولى في تونس، إذ يستمع إلى أثيرها مليون و212 ألف مستمع يومياً، بينما احتلت إذاعة الزيتونة الخاصة المرتبة الثانية، إذ يبلغ عدد مستمعيها 593 ألفًا و472 يوميًا لتأتي إذاعة شمس آف آم في المرتبة الثالثة بـ570 ألفًا و472 مستمعًا يوميًا، تليها إذاعة جوهرة بـ481 ألفًا و589 مستمعًا يوميًا، حسب دراسة أجرتها مؤسسة سقيما كونساي التونسية عام 2016. وأجرت مؤسسة IREX دراسة بيّنت أن الراديو هو الوسيلة الإعلامية الأكثر انتشاراً في تونس. وتنطلق من تونس 26 إذاعة خاصة و9 حكومية، وترى الإذاعية أماني أبو الأعراس، مقدمة برنامج ليلة من الليالي على الإذاعة التونسية الوطنية، أن الإذاعة التونسية الوطنية احتلت المرتبة الأولى بعد الثورة، ومعظم جمهورها من المستمعين الشباب. radio2

الإذاعة التونسية الحكومية: "تعيش مع الثوار في الميادين"

في ثورة يناير عام 2011 على بن علي، يعلو الهتاف وتعلو معه الحاجة إلى معرفة الأخبار بدقة من خلال الراديو الرسمي للدولة. تروي أبو الأعراس لـرصيف22 دور الإذاعة في نقل الأخبار خلال الثورة: "احتلت الإذاعة التونسية المرتبة الأولى عند المستمع لأنها كانت الإذاعة الرسمية التي تبث أخبارًا موثوقاً بها، علمًا أن لمجلس تحرير الإذاعة التونسية دورًا في تأسيس مجلس تحرير يعتبر الأول من نوعه على مستوى الإعلام المرئي والمسموع". وفي الشوارع التونسية بين البحر والبيوت الملونة، خرجت إذاعة وطنية عام 1939، تولى رئاستها الأديب عثمان الكعاك، وبقيت 20 عامًا تعمل بوتيرة هادئة، وفي عام 1958، نفض عادل يوسف الغبار عن أثيرها، ثم غيرت الإذاعة خطتها لتكون بجانب التونسين من خلال برامج مهمة مثل حقيبة المفاجآت لصالح جغام، الذي كان يستضيف فيه الفنانين.
&t=33s عند البحث على موقع الإذاعة التونسية ستجدون الحاضر والماضي في عناق يعيد إحياء بثها من جديد من خلال الثماني إذاعات التابعة للإذاعة الأم. وقد شكلت البرامج وجدان التونسيين. واللافت أن الإذاعة التونسية تهتم بالتواصل مع المستمع، إذ لديها العديد من القنوات على "اليوتيوب"، التي تواكب العصر من خلال البث المباشر. هذا الانفتاح أفادها وأثر على ذوق المستمع الذي يطالبها بمزيد من البرامج الاجتماعية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard