يصف قول الكاتبة الأمريكية بيل هوكس، "إن الثورة تبدأ داخل النفس ومع النفس"، ما بدأته الإعلامية والناشطة اليمنية سماح الشغدري.
ثورة الشغدري، بدأت داخل ساحات الاعتصامات في صنعاء عام 2011، ولا تزال مستمرة في مبادئها ضد العنف والطائفية، إنما بأسلوب مختلف.
كامتداد للثورة، أطلقت الشغدري مبادرة "سينما صوت" في نوفمبر 2015، كحراك ثقافي ينتقد الحرب وأضرارها، بعد عدة أشهر من اندلاعها.
وفقاً لتقرير الأمم المتحدة، قتل الصراع في اليمن عشرة آلاف شخص على الأقل. فمن يصدق أن يتم افتتاح سينما وسط الموت والدمار!
صوت الشباب
تأخذ "سينما صوت" شكل do it yourself وتقام أسبوعياً في أحد مقاهي العاصمة اليمنية صنعاء. الدخول إليها مجاني، وتُعرض من خلالها أفلام سينمائية ووثائقية، تتطرق إلى مواضيع تمس واقع الإنسان تحت الحرب، مثل المذهبية والطائفية وتجنيد الأطفال، وضرورة تعزيز مبدأ التعايش والسلام. في المرحلة الأولى للمشروع، عرض 20 فيلماً، وفي المرحلة الثانية 13 فيلماً، بين المحلي والعربي وغربي. فعُرض مثلاً من لبنان "وهلأ لوين؟" (2011)، لتسليط الضوء على دور النساء في نبذ المذهبية والطائفية. وحضر الجمهور الفيلم الأمريكي Rose Water (2014) والذي يسلط الضوء على الدكتاتورية وقضية الإخفاء القسري. كما عُرض الفيلم اليمني "الرهان الخاسر"(2008) الذي تدور قصته حول الإرهاب وأسباب توجه الشباب إلى الحركات المتطرفة في اليمن. علماً أن انعدام وجود دور عرض سينمائية في اليمن، وأعمال العنف والوضع الإنساني المأسوي، والتضييق على الحريات في زمن الحرب، كلها مشاكل لم تمنع سماح وفريق عمل مؤسسة "صوت" من إطلاق المبادرة. "سينما صوت هي طريقتنا للمقاومة جميعاً. لم يثنِنا ولا حتى الجمهور من عدم إقامة العروض بالرغم من أننا أحياناً كنا نعرض الأفلام والمبنى يهتز بسبب قصف المبنى المجاور"، تقول سماح التي ترفض الحديث عن المبادرة كأنها ملك شخصي لها. وتضيف: "مبادرة سينما صوت هي نتاج جهود جماعية من فريق العمل والجمهور الذي كان يحضر، جميعاً كنا مصرين على إنجاح المبادرة بالرغم من الظروف الصعبة جداً التي نعيشها". وظيفة "سينما صوت" بالدرجة الأولى، أن تكون مساحة للتنفيس عن هموم من يعيش تحت الحرب. لكن مناخ الاستقطاب الحاد، بسبب الصراع الدائر حالياً يشكل أحد اكبر العوائق التي تواجه فريق العمل. يقول صامد السامعي، المسؤول الإعلامي للمشروع: "حتى نتفادى عواقب الحزبية، قمنا بقرار واعٍ منذ البداية، وهو أن يكون تمويل المبادرة من قبل منظمات دولية غير ربحية، مثل الملحقية الثقافية الهولندية في اليمن، ولم نرد أن تكون المبادرة ممولة من أي طرف من أطراف النزاع في اليمن". وتوضح سماح: "كان مهماً بالنسبة للفعاليات أن تجذب كل المكونات السياسية من دون أي تمييز ليحقق المشروع أهدافه". كان التضييق الكبير على حرية التعبير تحدياً إضافياً واجهته المبادرة، فقد صنف آخر تقرير صادر من منظمة مراسلون بلا حدود، جماعة الحوثيين في اليمن، ثاني أكبر قامع لحرية التعبير في العالم اليوم، بعد تنظيم الدولة الإسلامية. وفي حين لم تتعرض "سينما صوت" لتهديد مباشر، فقد تعرضت لمضايقات عدّة. يقول صامد: "وجدنا مضايقات وسخرية بسبب موقفنا الحيادي في طرحنا على ضوء الصراع القائم. يتهمنا الكثير بأن الحياد في هذا الوقت هو مشاركة في الجريمة. نحاول أن نرد بطريقة مهذبة وألا نستفز أحداً، والأجمل أننا نحظى أيضاً بدعم الكثيرين على السوشيال ميديا، وتلك الشهرة هي بمثابة حماية لنا إلى حدٍ ما". لكن الشهرة التي تتمتع بها المبادرة لم تتمكن من حماية المصور أسعد العماد، أحد أعضاء فريق العمل، الذي اعتقل لفترة من قبل الحوثيين، بسبب عمله الصحفي التصويري خارج المبادرة.ثقافة لا تجد تمويلاً
رغم النجاح الذي حققته "سينما صوت" في مرحلتيها السابقتين، إلا أنها الآن تمر بمرحلة تعثر، بسبب غياب التمويل المادي الكافي لمواصلة المرحلة الثالثة من المشروع، التي تطمح لمواصلة أهداف المبادرة في استخدام السينما كأداة لترسيخ مبادئ السلام والتعايش. حين أجرينا اللقاء الأول مع سماح نهاية العام الماضي، كانت تأمل في أن تجد سينما صوت رداً إيجابيّاً من أكثر من جهة تمويل، لكنها فوجئت بأن المبادرة لم تلاق اهتمام الممولين هذه المرة، الذين رأوا أن اليمن أصبحت أكثر خطراً، ومن غير المنطقي إنجاز مشروع كهذا فيها. يشعر فريق العمل بالحزن والإحباط، ويرى في هذه الخطوة تخاذلاً من المجتمع الدولي تجاه اليمن. تؤكد سماح: "كان تفسير الممولين أن الجانب الثقافي ليس أولوية في الوقت الحالي، أخبرونا أن طلبات المشاريع الثقافية لن تؤخذ بعين الاعتبار، ولن تخصص لها ميزانية، إنما فقط قضايا حقوق الإنسان والحكم الرشيد والبيئة هي التي لها الأولوية". يستغرب فريق عمل "سينما صوت" الاستهانة بدعم الجانب الثقافي في زمن الحرب، فهذه المبادرة أداة لترسيخ قيم السلام بالنسبة إليهم. وتتفق الباحثة اليمنية وإحدى زائرات "سينما صوت" وميض شاكر مع فريق العمل: "إذا كانت السينما ليست أولوية في وقت الحرب، فما الأولوية إذن؟ أخبار المعارك والجبهات؟ صور القتلى والجرحى؟ أصوات القذائف والطائرات؟ لا تتركوا كل شي لهم، أقيموا سينما ومسرح وساحة للغناء والشعر فلعل المكان يضيق بالحرب وترحل". لم تقف الحرب في وجه فريق عمل "سينما صوت"، ولا الوضع الإنساني الكارثي، ولا الاستقطاب الحاد، بل كانت هذه العناصر كلها حافزاً لإكمال مشروعهم. ففي وقت تخلى الممولون عن دعم المبادرة، بدأ فريق العمل البحث عن كيفية المضي قدماً في إقامة المرحلة الثالثة من المشروع، بالتعاون مع عدد من المنظمات المحلية. كما يبحث تبني إستراتيجية مختلفة في العروض. ووفقاً لصامد السامعي، يود الفريق إتاحة فرصة أكبر لإشراك متطوعين، وسيعمل الفريق على إشراك الجمهور في اختيار الأفلام. يأمل الفريق أن ترى العروض الضوء قريباً مجدداً، على أمل أن تكون استمراريته دليلاً على إصرار "سينما صوت" على إثبات معنى المقاومة والمسؤولية الاجتماعية في زمن الحرب، بدعم عدد من المنظمات المحلية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...