ما إنْ تقفَ على عتبة استديو المصور –المصري البريطاني- يحيى العلايلي حتى تطالعَ الجدرانَ الملأى بصورٍ نُسِقت ككرنفالٍ من الألوان والحكايا، صورٌ لأصناف من الأطعمة، جدارٌ آخر فاض بالدفء عبر صور لأدوات المطبخ القديمة التي تخللت كتابه "مذكرات المطبخ"، إلى جانب متفرقاتٍ من مشواره في التصوير قبل أن يختص بتصوير الطعام.
العلاقة بين الطعام والفن ليست جديدةً، فعبر مَرّ العصور كانت لوحاتُ الطعام منجزاتٍ فنيةً، حتى في الفن الحديث، حيث قُدرَت بعض لوحاته بملايين الدولارات، كالتي رسمها سلفادور دالي وبيتر بروغل وبول سيزان، إلا أن منتصفَ القرن الماضي شهدَ البداية الحقيقية لتصوير الطعام الذي استحوذ مساحة من عمل المصورين والقائمين على الغذاء، والسر يكمن في ارتباط الطعام بثقافات الشعوب وأحوالها، ودورها في الحوار بين الحضارات.
مع الوقت أصبح لهذا المجال اختصاصيون يجولون العالم ليصوروا أطباقاً من مختلف البلدان، وأيضاً انتشرت المسابقات التي تحتفي بصورة الغذاء لعلّ أهمها مسابقة food photographer of the year التي تقام برعاية عدد من الشركات الغذائية والمنظمات تتصدرها منظمة الصحة العالمية.
العلاقة بين الطعام والفن قديمة جداً، ولكن تصوير الطعام أصبح فناً مستقلاً منتصف القرن العشرين
فن تصوير الطعام، الوجه الجديد لاهتمام الشعوب بطقوس السفرة وجمالياتها"على مصور الطعام أن يكون على دراية وافية بثقافة الطعام وتاريخه، إلى جانب مكونات وطريقة طهي الطبق الذي أمام عدسته"، يؤكد العلايلي لرصيف22 مشيراً إلى أن احتراف التصوير ليس كافياً ليكون مصور طعام جيد. ذلك ماحققه عبر سنوات سافر فيها بلداناً عدة واكتسب فيها خبرة حول ثقافة الطعام وعاداته، زاوجها مع موهبة التصوير الذي احترفه منذ الصغر. قبل التصوير كان يعمل كمصمم حدائق، الأمر الذي نجح بتوظيفه في التصوير، خاصة أن تنسيق المناظر كما التصوير يقوم على فنّ تخطيط العناصر. وعن معايير جودة الصورة يضيف "يجب أن تكون الألوان جاذبة وصحيحة، العناصر متوافقة ومُكمّلة لبعضها، إلى جانب التوازن بين المكونات من حيث الكمّ والتنسيق" لافتاً إلى أنه يفضل استخدام ضوء النهار، وفي حال عدم توفره يستعين بالإضاءة الصناعية التي تُحقّق ذلك، في حين يجب أن تكون مكونات الطبق طازجة ونضرة وتحقيق ذلك يتطلب الكثير من الوقت والجهد والطعام. صورة الطعام هي حوار وجهد ثلاثي يشترك فيه منسق الطعام (food stylist) الذي تقوم بطهي الطعام وتنسيقه في الطبق، ومصور الطعام (food photographer) الذي يوثق الطبق بعدسته، ومحرر الصورة (Image" Retoucher")، ومهمته تحرير الصورة وتصحيح ألوانها وإطارها والظل، إلخ. يعمل يحيى العلايلي لصالح عدد من المطاعم التي تسعى من خلال الصورة إلى الإعلان عن منتجاتها منها Rich bake ، هارديز، غورميه، وشركات غذائية كماجي إلى جانب عدد من الفنادق والمجلات المصرية التي تلجأ إلى الصور لأجل التوثيق على مواقعها الإلكترونية والمطبوعة، يشير إلى أن الأطباق التي يصورها تُطهى بذات المعايير المعتادة لها، لكن الفرادة تكمن في اختيار المكونات واللحظة المناسبة لالتقاط الصورة، فمن الممكن أن تلتقط الصورة قبل أن تنضج الوصفة تماماً حفاظاً على ألوان مكوناتها. وعمّا ُيشاع عن الاستعانة بمواد غير غذائية لالتقاط الصور كالدهان والجبس، يؤكد العلايلي أن زمنها قد ولّى وانقضى مع المتغيرات التي أصابت ذائقة الزبون وتقنيات التصوير، "كان الاستسهال يدفع بالقائمين على الصورة إلى الاستعانة بمواد كالجبس التي تظهر به الكعكة وكأنها منحوتة –مثلاً-، إلا أن الناس اليوم تائقة إلى كل ماهو طبيعي وطازج، كما أن مهارات الطبخ والتصوير أيضاً قطعت مراحل كبيرة من التقدم". رغم أن السوشيال ميديا عزّز انتشار ثقافة الصورة عبر العالم إلا أن العلايلي يؤكد أن "عُمر الصورة على السوشيال ميديا قصير بسبب التحديث الدائم، فلا تتجاوز مدتُها اليومين أمام المتابعين، في حين الصورة التي تطبع على إعلان طرقي أو تلفزيوني تعيش مدة أطول كما تترك أثراً أكبر في ذاكرة الرائي". "تصوير الطعام أكثر عصرية من تصميم الأزياء" يقول مصور الطعام الفرنسي جين كازالس في مقال له على موقع مجلة "The Foodie Bugle Journal"، مقولةٌ تختصر مدى اهتمام شعوب الغرب بثقافة الطهي -العادات والتاريخ والتصوير- ذلك مايؤكده أيضاً يحيى العلايلي لافتاً إلى افتقار الثقافة العربية إلى ذلك معللاً "كتب الطهي هي الأكثر مبيعاً في دول الغرب، كما أن القائمين على فنون الطهي كالطهاة والمصورين هم الأكثر تأثيراً في مجتمعاتهم بعد لاعبي كرة القدم، ربما يعود ذلك إلى نمط الحياة المريح الذي يسمح لهم بالتوسع في هذا المجال، وهذا ما نفتقر له في بلادنا العربية، إلى جانب إغفال الكثيرين عن أهمية تصوير الطعام كفن قائم له معاييره وقواعده". اعتبر يحيى العلايلي دخوله عالم تصوير الطعام تحدياً كبيراً سعى لتجاوزه بنجاحٍ استأهله بدليل أنه جال بعدسته دولاً عدّة ووثق أطباقها كدبي ولندن والسعودية. اختار العلايلي فكرة إصداره الأول Kitchen Memoirs من كواليس الطعام وهي أدواته، مُركزاً عدسته على أدوات الطبخ التي انقرضت أو أوشكت على الانقراض بفعل المتغيرات، مشيراً إلى ماحملته العقود الماضية من شكل مختلف للطعام والمائدة عما هو عليه الآن: "قديما كان شكل المطبخ مختلفاً عما هو عليه الآن، لم تكن هناك أدوات تخزين كالثلاجة، لذا فالطعام كان يُطهى للاستهلاك الفوري، في حين مايُخزن هو السكر والشاي والبن"، ويضيف "كما كانت السفرة أكثر انتظاماً وحميمية بغض النظر عن الوضع المادي للأسر". مخرطة ملوخية تقليدية، حافظات توابل قديمة، مفارم لحمة يدوية، فرامة بطاطاس يدوية، فتاحات زجاجات العصير والنبيذ، وغيرها من الأدوات التي جمعها يحيى بين دفتي كتاب يفيض بالدفء والحنين، يغلب على الصور طابع الفانتج الذي يتوافق مع التيمة الأساسية له، مراعياً أن تحتوي كل صورة عنصراً واحداً كفيلاً بجذب الناظر والسفر به إلى أزمان وأجواء أخرى. الكتاب مقسم إلى أربعة أجزاء (أدوات المطبخ، والقهوة، والشاي، وأدوات السفرة)، سبق كل واحد منها عرضاً موجزاً له وحكايته عبر التاريخ، يؤكد العلايلي أنه قد جمع الأدوات من محلات الأنتيكا وبياعين الروبابيكيا ومن ربات اليوت القديمة وشارع الحسين. "مذكرات المطبخ" هو الإصدار الرابع ضمن مجموعة أطلقتها مدرسة تصوير ودار نشر "Photo Book Egypt"، تضمنت المجموعة أيضاً كتباً مصورة تحكي أيام السبوع في مصر، والتراث النوبي، والجبل الأبيض في محافظة المنيا. صور المقالة من تصوير يحيى العلايلي، من موقعه الرسمي ومن صفحته على إنستغرام
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.