شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
العراق يخسر 60% من مساحات زراعة الأرز  و

العراق يخسر 60% من مساحات زراعة الأرز و"العنبر" يهرّب للخليج

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الاثنين 18 يوليو 201601:48 م

يعدّ العراق من أهم البلدان الزراعية المؤهلة لزراعة الأرز بكل أنواعه، فضلاً عن تميّزه بإنتاج أنواع نادرة منه، تعرف بـ"العنبر"، وذلك لجملة اعتبارات أبرزها طقسه المتّصف بارتفاع درجات الحرارة لشهور عدة، وتوفر أراض واسعة وتربة خصبة ووفرة المياه المتمثلة بنهري دجلة والفرات. عدا أن الأرز يشكّل على اختلاف أصنافه ومسمياته وجبة رئيسية على المائدة العراقية.

هكذا كان الوضع سابقاً، لكن الأمر مختلف تماماً اليوم بعدما تدنت مساحات زراعة الأرز بحسب اتحاد الجمعيّات الفلاحية في العراق إلى نحو 40% عن مستواها السابق في العام 2013، والسبب يعود إلى قلة المياه والأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي شهدها العراق منذ العام 2003.

يقول الوكيل الفني لوزارة الزراعة مهدي ضمد القيسي لرصيف22: "إن زراعة الأرز في العراق باتت محدودة بفعل الموارد المائية، لذا حصرنا زراعة هذا المحصول في أربع محافظات تقع في منطقة الفرات الأوسط، وتحديداً في النجف والمثنى والديوانية وذي قار".

ويوضح القيسي أن المساحة المخصصة لزراعة الأرز تراجعت حتى باتت هذه الزراعة "لا تسد ربع الحاجة السنوية للمواطن العراقي"، إذ لا تتجاوز نسبتها الـ15% من مجموع المحاصيل الزراعية، علماً أن إنتاج الأرز اليوم في العراق يصل الى 110 آلاف طن سنوياً، وهو رقم لا يشجع للوصول الى الاكتفاء الذاتي.

أزمة "العنبر"

إلى ذلك، يلفت مستشار الوزارة منير الصالحي إلى أن "العراق يمتلك أجود أنواع الأرز الممثل بـ"العنبر"، والذي يشكل جزءاً من هوية البلاد، لكن تقلصت مساحاته وتقلص الإقبال عليه من قبل المزارعين لأن الدخل المحقّق منه لا يسد تكاليف زراعته، خصوصاً مع تراجع الثروة المائية، وهذا ما حدا وزارة الزراعة خلال السنوات الخمس الماضية على البحث عن أصناف جديدة من الأرز كالفرات والياسمين، بفضل انتاجيتهما العالية من جهة، وعدم حاجتهما إلى مياه كثيرة من جهة ثانية. غير أن نكهتيهما ليستا في مستوى نكهة العنبر".

ويرى الصالحي أن الحكومة خصصت أموالاً خلال الاعوام الماضية لتغطية استيراد الأرز على نحو يوفر إمدادات تغطي حاجة البلد، مشيراً إلى أن "وزارة التجارة تتعاقد في كل عام مع شركات في دول مختلفة، لاستيراد ما بين 800 - 950 ألف طن من الأرز، من أصل حاجة البلد السنوية التي تقدر بمليون و300 ألف طن".

ويضيف الصالحي أن العراق لا يصدّر الأرز، وإنما يستورده لتأمين حاجاته المقدرة بـ110 آلاف طن شهرياً، لذا يعتمد العراق على الاستيراد الذي يتم عبر مناقصات تعلنها "شركة تجارة الحبوب" التابعة لوزارة التجارة، وهذه المناقصات تجري مرة كل 4 أو 6 أشهر.

اتجاه إلى زراعات أكثر ربحية

أمّا رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في العراق حسن التميمي فيؤكد لرصيف22 أن زراعة الأرز في العراق آخذة بالتراجع، بفعل تقليص الحصص المائية وارتفاع تكاليف الإنتاج وضعف الخدمات الزراعية المقدمة للفلاح، وتدني أسعار الأرز المبيعة إلى مخازن الدولة، والتي لا تزيد عن 600 دولار للطن الواحد لأفضل الأنواع، أي العنبر، فيما يصل سعر الطن الواحد من الأصناف الأخرى إلى 550 دولاراً.

ويشير التميمي إلى عزوف كثير من المزارعين في المحافظات المعروفة بإنتاجها للأرز عن زراعة هذا المحصول، واتجاههم الى محاصيل ذات ربحية أعلى، بدليل أن المساحات المزروعة بالأرز في هذه المحافظات للعام 2013 قدرت بـ200 ألف دونم، أمّا في العام 2014 فتراجعت الى 127 ألف دونم، وفي العام الجاري لم  تتجاوز الـ90 ألف دونم، أي أن زراعة الأرز تراجعت الى نحو 40%، ما يشير إلى إمكان اندثار هذه الزراعة.

المزارعون: الظروف والطبيعة ضدنا

المزارع قحطان رحيمة (58 عاماً) من سكان محافظة ذي قار جنوب بغداد، يقول إنه اضطر هذا العام إلى زراعة 50 دونماً فقط من أرضه البالغة مساحتها 250، حتى يضمن توفير المياه الضرورية للمحصول، التي "باتت حجر عثرة أمام كل المزارعين في هذه المناطق، برغم أننا نمتلك أكبر نهرين في المنطقة"، لافتاً "إلى صعوبات عدة يواجهها الفلاحون، خصوصاً من حيث فتح قنوات مياه جديدة، أو التزود بمادة الوقود التي تشغّل ساحبات المياه، ناهيك بمحاربة دوائر الموارد المائية لنا والتي لا تسمح لنا بأخذ الكميات المائية المناسبة بحجة الخوف من نقص المورد المائي"، وهذا ما تسبب بهجرة الكثيرين منا إلى المدن أو بهجرة الزراعة كلياً".

غير أن ذلك كلّه لم يمنع بعض المزارعين من استكمال زراعة "العنبر". ويبدو خالد بنيان 65 عاماً من سكان قضاء المشخاب في محافظة الديوانية جنوب شرق بغداد، مطمئناً إلى محصوله من "العنبر". يقول: "قبل العام 2003 كنا نبيع هذا المحصول الى وزارة التجارة بأسعار زهيدة خلال عمليات التسويق التي تجريها الدولة، وتحديداً وزارة التجارة في كل عام. غير أن مزارعي "رز العنبر" تحديداً، توقفوا عن تسويقه إلى مخازن وزارة التجارة بسبب قيام تجار من العاصمة بغداد، ومن إقليم كردستان، بشراء هذا المحصول بشكل مباشر وبأسعار تفوق الأسعار التي تعطيها الوزارة، إذ تأخذ الدولة الطن الواحد بـ600 دولار، أمّا التجار فيدفعون للطن الواحد 1250 دولاراً.

كذلك يؤكد أبو سيف (44 عاماً) وهو تاجر من بغداد، أنه يشتري "رز العنبر" من المزارعين ويبيعه لتجار عراقيين يصدرونه إلى دول الخليج وتحديداً الكويت والسعودية وقطر، لأن ذلك النوع من الأرز مفضل جداً لدى مواطني تلك الدول.

ويلمح أبو سيف إلى أن تصدير العنبر لا يتم بطرق شرعية، لأن القانون لا يسمح بإخراج منتوج عراقي غير فائض إلى الخارج، مرجحاً تهريبه من طريق محافظة المثنى، بسبب محاذاتها للمملكة العربية السعودية، ومن هناك يوزع على بقية دول الخليج.

ويوضح الخبير في الشؤون الزراعية عمران الجنابي أن السنوات الأخيرة حملت انخفاضاً في مستوى الأمطار الموسمية، ليبقى الاعتماد على الري من الأنهار العامل الأهم في نجاح زراعة الأرز في العراق، وفي ارتفاع وارداته السنوية. وهذا ما يمثل نقطة ضعف في الأمن الغذائي للبلاد. ويطالب الحكومة بالتسريع في إقامة مشاريع الري، لسدّ النقص في المياه في مناطق زراعة الأرز، فضلاً عن رفع مبالغ التسويق لمزارعي الأرز، بأنواعه كافة، أي أن لا يقل سعر الطن لوزارة التجارة عن 1250 دولاراً، من أجل تحفيز المزارع على زيادة مساحات زراعة الأرز، فضلاً عن دعمه بالقروض المالية لتذليل الصعاب الكثيرة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image