شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
زراعة العراق تتعرض لمجزرة... خسارة 14 مليون نخلة

زراعة العراق تتعرض لمجزرة... خسارة 14 مليون نخلة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الاثنين 25 مايو 201512:56 م

يعدّ العراق أحد أبرز مواطن زراعة النخيل في العالم، إلا أن كل المؤشرات الراهنة تؤكد تراجع محاصيلها، لأسباب توزعت ما بين الحروب وقلة الدعم وهجرة الفلاحين. وبرغم التطمينات الحكومية بدعم هذه الزراعة وإرجاعها إلى مكانتها الحقيقية، يبدو أن غالبية المزارعين والمختصين غير متفائلين بالخطط الموضوعة في الوقت الحالي.

مدير عام الهيئة العامة للنخيل التابعة لوزارة الزرعة فرعون أحمد الجبوري يقول لرصيف22: "أعداد النخيل كانت تبلغ حتى العام 1980 أكثر من 30 مليون نخلة، إذ وصل الإنتاج إلى 932 ألف طن سنوياً". غير أن الحروب التي كان مسرحها مناطق إنتاج النخيل الأكثر كثافة كالبصرة والجناح الشرقي من العراق، دمرت الكثير من البساتين، بالإضافة إلى الإهمال وعزوف المزارعين عن الاعتناء بأشجار النخيل لضعف مرودها الاقتصادي، مقارنة بفرص العمل المتاحة في مراكز المدن. كل ذلك أدى، حسب الجبوري، إلى حدوث نقص حاد في أعداد أشجار النخيل وصل إلى 50%. وكانت قد قدرت أعدادها بـ16 مليون نخلة في آخر إحصاء "غير رسمي"، بني على توقعات العام 2012، أي أن العراق فقد 14 مليون نخلة.

يتابع الجبوري: "حتى الآن لا يمكن أن نجزم بالعدد الكلي للنخيل، لأننا لم نجرِ أي إحصاء لكل الأراضي  التي تحتوي على النخيل، لكن هناك مشروعاً أطلق عليه "مشروع ترقيم النخيل" قدّم بالفعل إلى مجلس الوزراء في العام 2013، وأرجئ إلى العام 2014، وبسبب عدم إقرار الموازنة الاتحادية أرجئ للعام الحالي أيضاً، ولا نعتقد أنه سيقر بسبب الضائقة المالية التي تخنق مؤسسات الدولة، وضمنها وزارة الزراعة، إذ يكلّف المشروع مبالغ كبيرة".

ويرى الجبوري أن "الاهتمام بزراعة النخيل العراقي، والسعي لإعادتها إلى مكانها الطبيعي في المنطقة والعالم، بات من الأولويات لتطوير قطاع النخيل وإنتاج التمور لرفد الدخل القومي بموارد مستدامة. وذلك من خلال رفع عدد أشجار النخيل من 16 مليون نخلة إلى 50 مليوناً، باتباع الوسائل الحديثة في الإكثار، فضلاً عن زراعة أنسجة النخيل التي تعتبر إحدى الوسائل العلمية الناجحة في تعويض الأصناف المرغوبة منها، خصوصاً النادرة". هذا "علاوة على تشجيع التوسع الأفقي في استغلال الأراضي الصحراوية وأرض الجزيرة والبادية، وتأمين الدعم والقروض الميسرة للمزارعين بغية إنشاء بساتين حديثة أو تحسين البساتين القائمة. كذلك نتجه إلى اتباع الوسائل الحديثة في تحسين انتاجية النخيل، من حيث الكمية والنوعية وتوفير الوسائل الكفيلة بمضاعفة الفوائد المتأنية من زراعة النخيل والمتاجرة بالتمور".

ويلفت إلى أنه "في ظل تطبيق تلك الخطوات، ومن الممكن أن يصل إنتاج التمور من النخيل العراقي بعد أربع سنوات إلى 2.5 مليوني طن في السنة".

أمّا الوكيل الفني لوزارة الزراعة مهدي ضمد القيسي فيوضح لرصيف22، أن حجم زراعة النخيل يقدر بـ13% من مجمل قطاع الزراعة في العراق، وهي نسبة جيدة قياساً بأعداد النخيل الموجودة اليوم، فضلاً عن أن العراق يعد من الدول المصدرة للتمور، بسبب كفاءة نخيله، وقد صدّر خلال العام الماضي 600 ألف طن من أجود أنواع التمور إلى نحو 34 دولة.

رفع مردودية القطاع إلى ستة مليارات دولار

الخبير الزراعي حسون البهادلي يرى أن النهوض بقطاع النخيل في العراق يبدأ بخطوة حصرها وترقيمها بشكل فني، وتحديد مواطن الضعف والنقص في زراعتها، إلى جانب وضع قاعدة بيانات دقيقة لبساتين النخيل، ورفع نتائج التعداد إلى الخبراء والمختصين بغية تحديث هذه البساتين، كما حصل في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.

ويلفت البهادلي إلى أن "دعم هذا القطاع سيكون له مردود اقتصادي كبير، إذ إنه ينتج نحو 700 ألف طن في السنة، يصدر منها القسم الأكبر، وهذا ما يوفر أكثر من مليار دولار سنوياً للدولة. فلو افترضنا أن العراق يستطيع إنتاج مليون طن في السنة من التمور بعد توفير العناية بالنخلة، وأن سعر الكيلوغرام من التمر عندما يكون معلباً بشكل جيد لا يقل في المتوسط عن دولارين، يعني هذا أن المردود لن يقل عن ملياري دولار سنوياً. وتشغل معامل تعليب التمور 100 عامل على الأقل في كل منها. وبالإمكان إنشاء أكثر من 200 معمل بسرعة كبيرة.

وفي حال زيادة أعداد أشجار النخيل إلى ما كانت عليه سابقاً، ترتفع الأرقام أكثر، فقد يصل العائد المالي إلى أكثر من ستة مليارات دولار سنوياً خلال عشر سنوات إذا بدأنا الآن بتنفيذ الخطط المرسومة. وهو ما سيؤدي حتماً إلى تشغيل أعداد أكبر من العاملين، وتالياً زيادة أعداد القوى العاملة في المجال الزراعي.

600 صنف من التمور

يقول بريسم جواد (52 عاماً)، صاحب بستان للنخيل في منطقة النعمانية جنوب العاصمة بغداد، "إن آباءنا وأجدادنا علمونا زراعة النخيل وباتت لدينا خبرة في كيفية توفير المناخ الملائم لإنتاج النخيل، ويوجد حالياً أكثر من 600 صنف من التمور، أبرزها: البرحي والبريم والحلاوي والخضراوي والجبجاب والديري، وهي تتوزع على كل مناطق العراق تقريباً".

وفي ظل الصعوبات التي تواجه بساتين النخيل على صعيد الجفاف وضعف الدعم الحكومي، يرى جواد أن معظم أصحاب بساتين النخيل يعيشون في دوامة من اليأس والقلق، وقد دفع هذا الوضع الكثير من العاملين في هذه الزراعة إلى البحث عن زراعات بديلة أصبحت محدودة، كما أن بعضهم يفكر في الانتقال إلى مصالح أخرى غير الزراعة، وهذا ليس سهلاً في الوقت الحاضر. كما أن ترك أصحاب البساتين عملهم أمر خطير، وقد ينعكس ذلك على الوضع الاقتصادي العام في العراق.

بدوره، يقول أبو مناف العكيلي (58 عاماً)، المتخصص في زراعة النخيل: "إن وضع النخيل يسير باتجاه مأسوي، والسبب قلة الأمطار وشح المياه، وكذلك قلة المبيدات في وقت تضاعفت أعداد الحشرات التي تنخر نخيلنا، ووزارة الزراعة عاجزة عن دعم المزارع سواء بالمبيدات أو بالأسمدة، فيما كانت الطائرات قبل العام 2003 ترش المبيدات من الجو سنوياً، وهذا ما عاد يحصل اليوم".

ويشير العكيلي إلى ظاهرة متنامية بين المزارعين تتمثّل بقيام بعض أصحاب البساتين ببيع مساحات كبيرة من أراضيهم كعقارات لتشييد أبنية سكنية فيها. وقد أزيلت أعداد كبيرة من النخيل تحت أنظار المعنيين. سبب ذلك، حسب العكيلي، حاجة هؤلاء إلى دخل يسدّ حاجات عائلاتهم، لأن زراعة النخيل لم تعد تؤمن لهم كفاف يومهم.

نشر الموضوع على الموقع في 14.03.2015


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image