شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الرعد غضب والسيول ربا والزلازل فواحش جنسية... أسباب الظواهر الطبيعية في ثقافة المصريين

الرعد غضب والسيول ربا والزلازل فواحش جنسية... أسباب الظواهر الطبيعية في ثقافة المصريين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 14 أبريل 201811:09 ص
في التراث الشعبي، فإن الرعد يعني غضبًا من الله، وسبب هذا الاعتقاد حديث نبوي ثبت ضعفه ونصه أن «أقبلت اليهود إلى النبي فقالوا: أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: ملك من ملائكة الله، موكل بالسحاب يسوقه حيث أمره الله، وفي كتب أخرى يقال إن اسم الملك «روفايل»، وفي كل الحالات، هذا القول أيضاً لم تثبت صحته. الفقرة السابقة التي قالها الدكتور حسين سمرة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر لـ«رصيف22» ربما تفسر سبب هرولة المصريين لترداد دعاء الرعد حين تعرضت البلاد لعواصف رملية وأصوات رعدية في انقلاب طقسي في بداية فصل الربيع، وقد حذرت الهيئة العامة للأرصاد الجوية المواطنين قبل وقوعه بـ24 ساعة في بيان رسمي. ونص الدعاء الذي احتل لائحة الأكثر بحثًا بموقع غوغل في مصر يوم الاضطراب الطقسي، "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، إن هذا الوعيد شديد لأهل الأرض". Sandstorm-Egypt

درس في الفيزياء

هنالك الربط أصلًا بين ظاهرة طبيعية وبين غضب الله أمر لا يعدو أكثر من خرافة. الدكتور أحمد عبد العال رئيس الهيئة العامة للأرصاد الجوية يقول لـ«رصيف22» إن الرعد هو ذلك الصوت الذي تسمعه مصاحبًا للبرق دومًا، أما سببه فهو أن ظاهرة البرق التي تحدث نتيجة اصطدام سحابتين، احداهما تحمل شحنة كهربائية موجبة وأخرى تحمل شحنة سالبة، لذلك فالرعد هو تفريغ شحنات كهربائية لا أكثر. المثير أن تلك الظاهرة التي يعدها المصريون -من بين ثقافات وشعوب أخرى- غضبًا  ووعيدًا من الله، تعد أحد الأسباب الرئيسية لزيادة كمية السماد النيتروجيني، فخلال ظاهرة الرعد والبرق التي يعقبها سقوط الأمطار، يتم تحويل النيتروجين الناتج من الأصوات الرعدية إلى ثاني أكسيد النيتروجين بعد اندماجه مع المطر، فيتحول إلى ما يطلق عليه سماد نيتروجيني، ما يعطي الحياة للتربة المصرية التي تحتاج هذا السماد لتجدد خصوبتها، كما أن الرعد يصهر الرمال والمعادن الأخرى الموجودة في الأرض، ما يسهل عملية التنقيب عن الثروات المعدنية، يوضح عبد العال. لكن هذا التفسير العلمي لم يجد مكانه بين عدد من المصريين، فباتت كل ظاهرة طبيعية دليل غضب وعقاب من الله، وبات لكل مناسبة دعاء يجب ترداده والتضرع إلى الله به، حتى لو ثبت أن هذا كله ليس سوى أحاديث موضوعة، وتدلل على ذلك ظاهرة الرياح التي يعرّفها الدكتور محمود فاروق، مدير قسم التحاليل الجوية بالهيئة العامة للأرصاد الجوية، بأنها كتل هوائية تنتقل نتيجة فرق الضغط الجوي. لكنها من وجهة نظر المصريين تحمل معنيين: فإن كانت هادئة فهي نعمة من الله، وإن كانت قوية فهي عقاب، كما يوضح حسين سمرة أستاذ الشريعة بجامعة الازهر، ويقول لـ«رصيف22» إن القرآن الكريم وصف الرياح أحيانًا كعقوبة لبعض الأقوام مثل قول الله «إنا ارسلنا عليهم ريحًا صرصرًا» أي قوية، وفي بعض الأحيان كنعمة مثل قوله «وهو الذي أرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته». via GIPHY لذلك، فإن دعاء الرياح كما رواه الإمام الترمذي هو «اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به»، فالاعتقاد الذي ساد فترة طويلة أن الرياح القوية سببها انتشار الكبائر والتجرؤ على الله في أي مجتمع، ولعل تلك النظرة سببها قوم عاد الذي أرسل الله لهم رياحاً قوية أبادتهم بسبب كفرهم بنبي الله هود، كما ذكر القرآن الكريم. الباحث عبد الفتاح عاشور يبيّن في كتابه «المجتمع المصري أيام سلاطين المماليك»، أن المصريين كانوا يخرجون إلى الصحراء جماعات للدعاء وقت وقوع أي ظاهرة طبيعية، كالأمطار والرعد والبرق، وكانت كل ظاهرة بمثابة إنذار من الله وكانوا يتضرعون أيضًا بإطلاق النذور والتبرع لمساجد الله لكي يكف غضبه عنهم. ويرى «عاشور» في كتابه أن كل ظاهرة كان لها معنى بعينه، فالسيول نتيجة انتشار تعاملات الربا، والزلازل نتيجة ارتكاب الفواحش الجنسية، أما الرياح فكانوا يفسرونها على أنها نوع من تذكير الله بعقابه للعاصين. لكن محمود فاروق يعتبر أن لقوة الرياح أسباباً أخرى، ولا يمكن القول إن الله يغضب على الناس كل ربيع مثلًا، لأن هذا الفصل يستأثر بالعواصف والرياح الخمسينية سنويًا، فذلك طبيعة طقس كما هو الحال بالنسبة للأمطار في موسم الشتاء، عدا أن المنخفضات الجوية الباردة من أوروبا مثلًا أو الساخنة من شبه الجزيرة العربية لها دور قوي في تحديد درجة الحرارة، فليس هناك ربط بين ما يحدث وبين غضب الله أو رضائه، ولكن كل الظواهر الطبيعية لها أسبابها، ناهيك بأن للكثير من الظواهر فوائد أيضًا.

الأرصاد الجوية من الأزهر

آمنة نصير، أستاذة الفقه بجامعة الأزهر، تقول: "تلك الأفكار والمعتقدات خاطئة. صحيح أن كل شيء في الكون يحدث بأمر الله -كما تؤمن- لكن رد كل ظاهرة لغضب الله ربط غير منطقي، وإن كانت تلك الظواهر سببًا في إهلاك بعض الأقوام فذلك كان في زمن الأنبياء، وكانت هي مناسبة للعصر البدائي" . وتكمل: "لك أن تتخيل أن قوم النبي نوح يعيشون الآن وقد جاءهم الطوفان، ألا تكفي السدود المائية لتخزين المياه وإنقاذهم أو حتى التكنولوجيا الحديثة، لذلك إن شاء الله أن يعاقب اليوم مجتمعًا فسيكون عقابه بوسائل أخرى لا يستطيع البشر الوقوف أمامها. لذا أي ربط بين ما يحدث في الماضي والحاضر غير صحيح، إذ لكل زمان آليات عقابه، وهذا العقاب قد يكون الآن كل الخير، فالعالم في احتياج إلى قطرة مياه أصلًا". via GIPHY بالنسبة لآمنة نصير، فإن الله لم يعد يعاقب شعبه بالظواهر الطبيعية كما كان يحصل في ماضي الزمان، فوسائل العقاب تطورت مع تطور التكنولوجيا لتأخذ شكلاً أكثر حداثة. إذاً العقاب لا مفر منه، برأي نصير، وكأن الجدال هنا ليس عن الخرافات التي تدور حول الأرصاد الجوية الإلهية. ولكن من قال إن الله يعاقب شعبه؟ ما نفع ترسيخ هذه الأحاديث في عقول الشعوب؟ نسأل نصير. وأوضحت استاذة الفقه في جامعة الأزهر أن تلك الاعتقادات تلقي بالعبء الثقيل على رجال الدين الذين بات من الواجب عليهم أن يوضحوا للناس أن تلك الظواهر لها أسبابها الطبيعية، وأن الجهل والخرافة لا يتماشيان مع الإسلام الذي جعل العلماء هم ورثة الأنبياء، لذلك يجب تفسير كل شيء علميًا وتلك الأدعية بلا قيمة من الناحية الدينية أصلًا. حين رأى المصريون البارود لأول مرة قالوا «رجس من عمل الشيطان»، كلمات بدأ بها الدكتور محمد عفيفي رئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة حديثه معنا، موضحًا أن عدم المعرفة يجعل الإنسان عاجزًا عن فهم الطبيعة، وبالتالي لا ملجأ له سوى الله والاعتماد على كل خرافة من أجل النجاة، خاصة أن تلك الظواهر كانت تسبب كوارث في الماضي من هدم للمنازل وتشريد لآلاف الأسر والإضرار بمصالحهم الاقتصادية. ويضيف عفيفي أن الأمر لا يتعلق بأصحاب ديانة بعينها، فالمصريون أصلًا أصحاب معتقدات مشتركة بعيدًا عن الدين، وكتب التاريخ توضح أن تلك المعتقدات يشترك فيها الجميع، مسلمين ومسيحيين، كما هو الحال اليوم للمقتنعين بأعمال الدجل والشعوذة. لكن مع تطور الزمن ومعرفة الأسباب العلمية لكل ظاهرة يقل هذا الاعتقاد، وإن كان الأمر لن يزول بسبب التفسير الديني الخاطئ لدى شريحة كبيرة من المواطنين، خاصة الأجيال القديمة، أما الأجيال الجديدة فهي قليلة الإيمان بتلك الخرافات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image