كانت الشمس قد أشرفت على الاختباء خلف خط الأفق حين وصلنا إلى قصر «البارون» شرق العاصمة المصرية. بدأنا بالسير حول القصر الذي يبدو للوهلة الأولى، أنه القصر الذي بناه "خادم المصباح" بين ليلة وضحاها. استوقفنا الحارس حين لاحظ أننا نحاول تخطي سور القصر، بعد أن وجدنا الأبواب موصدة. اسمه محمد، شاب أسمر أتى من مدينة دمنهور، وعُيّن حارساً للقصر منذ 5 سنوات. طلب منا إحضار تصريح من الهيئة العامة للآثار ليسمح لنا بالدخول. علماً أن قصر البارون، هو أحد الأماكن العديدة في مصر، التي يشاع أن العفاريت جعلت منها منزلاً لها. س: هذا القصر يجب أن يكون مزاراً، خصوصاً أنه مبني على طراز معماري فريد. لماذا هو مقفل؟ ج: القصر مقفل منذ مدة طويلة، ولا يمكن لأحد الدخول إليه من دون تصريح، والهيئة تسمح أو تمنع الدخول إليه. وممنوع على الزوار الدخول لالتقاط صور فوتوغرافية في حديقته. س: هل المكان مسكون بالعفاريت كما تقول القصص والروايات التي نسمعها؟ هل رأيت شيئاً غريباً خلال فترة عملك في المكان؟ ج: "ما عفريت إلا بني آدم يا أستاذ". بالنسبة إلي لم أر شيئاً. كما أن غرفة الحراسة بعيدة عن المكان. عدنا للتجول مرة أخرى بجانب أسوار القصر، حتى وصلنا إلى سور منخفض، لالتقاط بعض الصور التي لا تظهر فيها الشباك المحيطة بالمبنى. طراز معماري فريد. زخارف نحتت بعناية فائقة على جدران القصر من الخارج. أعمدة صخرية تشعرون حين رؤيتها أنكم تقفون على مدرجات تدمر الأثرية. تماثيل لشتى أنواع الحيوانات، تنتشر في حديقة القصر، نحتت بدقة ومهارة. ناهيك بالحديقة الخضراء الغَنٰاء الكبيرة، التي تحيط بالقصر. قصر البارون من أول المباني التي شيدت في صحراء شرق القاهرة مطلع القرن التاسع عشر، وتم بناؤه فوق عجلات وتروس، جعلته المكان الوحيد في عصره الذي لا تغيب عنه الشمس، لدورانه أينما كان اتجاهها.
تاريخ البارون
حين قرر البارون البلجيكي إدوارد إمبان الاستقرار في مصر، عرض على الحكومة المصرية آنذاك إنشاء مدينة جديدة في منطقة الصحراء شرق مدينة القاهرة. وبالفعل تم تشييد ضاحية «مصر الجديدة». وانتهى من بناء القصر، الذي توسط تلك الضاحية، عام 1911. بدأت الحكايا والأساطير تروى حول ذلك القصر المهيب، عقب وفاة أخت البارون، التي نسج حولها العديد من الروايات. منها واحدة تقول إنها ماتت في مصعد داخل القصر. وهنالك من يزعم أنها سقطت من إحدى نوافذه. وبعد وفاتها مباشرة، توقف القصر عن الدوران من دون أن يُعرَف السبب. ومع وفاة البارون عام 1929، بدأت الروايات تحاك مجدداً وبكثرة، حول القصر، خصوصاً أنه أغلق، ولم تقم أي محاولة لترميمه أو إعادة فتحه للزوار. أكثر ما يحاك عن القصر من روايات، هو الأصوات المرعبة التي تخرج من حجراته خلال الليل، إلى جانب الأضواء التي تظهر داخله، وتختفي فجأة، والمرايا الملطخة بالدماء. ثم الأثاث الذي يتنقل من غرفة لأخرى. ويشاع أن سهرات عربدة وطقوس شيطانية تقام في غرفه السفلية، ولكن العفاريت تبقى نجوم الحكايات.
البارون في السينما
روجت السينما المصرية لفكرة وجود الأشباح في قصر البارون، وكان آخرها فيلم "حياتي مبهدلة"، للفنان محمد سعد، والفنانة نيكول سابا. وصوّرت بعض مشاهد الفيلم داخل القصر، فظهرت تماثيل الحيوانات تتحرك، وتركض خلف سعد ونيكول. يقول الدكتور محمد فوزي، الخبير في المجلس الأعلى للآثار، إن ما يتردد حول هذا القصر من شائعات وأساطير، غير صحيح بتاتاً. ولا يوجد شيء ملموس من الممكن البناء عليه للخروج بمحصلة يمكن أن تؤدي إلى فهم ما يحدث داخل القصر. وكل ما يروى من أساطير مرتبطة بأذهان الناس، ما هو إلا حكايا نسجها القَاصُون قديماً، واستمرت إلى الآن. ويضيف فوزي: "القصر مفتوح أمام الجميع، وهناك العديد من المؤسسات والشركات التي تقوم برحلات إليه، إلى جانب تصوير بعد الأفلام والأغاني داخله، على اعتبار أنه تحفة معمارية. كما أنه يعتبر من أجمل المباني في العالم بالنظر إلى الهيئة التي شيد عليها، وعدد التماثيل والمنحوتات التي صممت على الطراز المعماري الهندي".عمارة رشدي
أنشئت تلك العمارة في ستينيات القرن الماضي، في محافظة الإسكندرية على شاطئ البحر المتوسط، وهي تتكون من عشر طبقات. هيئة العمارة من الخارج تثير الريبة والرعب في نفوس المارة على الدوام. في مصر، لا يوجد أحد لا يعرف عمارة «رشدي»، والأساطير تحيط بها منذ أن قام أحد أثرياء اليونان ببنائها، قبل أن يختفي وعائلته في رحلة بحرية انقلب خلالها المركب، لتنتقل ملكية العمارة بعد ذلك إلى تاجر مصري قرر أن يستثمرها في تأجير العقارات. وبالفعل تم ذلك. لكن الأمر لم يكتمل لأن حريقاً اندلع في أول شقة تم تأجيرها فيها.وفي رواية أخرى، تقول سارة محمد، التي تسكن بجوار العمارة، إن أحد الأشخاص قام باستئجار شقة، وتوفي بعدها مباشرة في حادث سير عرضي، بحسب ما سمعت من أفراد عائلتها، على مدار السنوات الماضية.
وتضيف سارة: "بدأت أخبار الحوادث المرتبطة بتلك العمارة تنتقل بين السكان في تلك المنطقة، خصوصاً بعد إقلاع الناس عن السكن فيها. وفي كل مرة تكثر الروايات شيئاً فشيئاً، حتى وصلت إلى مرحلة الأسطورة".
أخبار كثيرة حيكت حول السبب الخفي الذي جعل تلك العمارة مسرحاً للقصص والروايات. إحدى الروايات تقول إن مصحفاً سقط من أحد العمال خلال تشييد العمارة، وتم البناء فوق المصحف، ويقول السكان إن لا شيء يعلو فوق كلام الله، فتحولت العمارة إلى مسرح للعفاريت والأشباح.
وهنالك رواية أخرى تتحدث عن مصرع عامل داخل العمارة، واختلاط دمائه بمواد البناء.
وقد حاول بضعة أشخاص إثبات كذب الروايات، فقرروا المبيت في العمارة. وفوجئوا في صباح اليوم التالي، أنهم ملقون على الرصيف، أي أن أحداً قام بنقلهم بعد أن ناموا وألقى بهم في الشارع.
ترى سارة أننا نحن من نحيك تلك الخرافات ونتناقلها، ونتعامل معها على أنها حقيقة في محاولة لصنع تراث خاص بالمناطق التي تقع فيها تلك المباني. لكن الوزر الأكبر يقع على عاتق الحكومة، التي سمحت بتطور الشائعات، ولم تضع حداً لها سواء من خلال فتح تلك الأماكن أمام العامة، أو حتى إعادة ترميمها مجدداً وشغلها بالمشاريع التي من الممكن أن تدر على الدولة أرباحاً طائلة، خصوصاً أنها مبانٍ مرتبطة بالأساطير، أي أنها ستكون مقصداً لعشاق المغامرة والغرائب.
شقة فنانة شهيرة
نهاية عام 2003، استيقظت مصر على مانشيتات في الصحف المصرية عن مقتل الفنانة التونسية ذكرى على يد زوجها في حي الزمالك الهادئ. وفي تفسيرات الصحافة لتلك الجريمة، قيل إنها كانت بدافع الغيرة من زوجها. وقيل أيضاً إنها بدافع أزمة مالية تعرض لها زوجها فأفقدته توازنه. وتحدث تفسير آخر عن أغنية للفنانة ذكرى انتقدت فيها الأنظمة السياسية في بعض الدول العربية، الأمر الذي وصل إلى حد إهدار دمها من قبل إبراهيم الخضيري، القاضي في المحكمة الكبرى في الرياض، خصوصاً بعد أن شبهت معاناتها في المجال الفني، بمعاناة النبي محمد في نشر رسالته السماوية. لغط كثير أثير حول تلك الجريمة حينذاك، إلى جانب اللغط الذي أثير عقب بلاغ، قدم إلى الشرطة المصرية يطالب بفتح الشقة التي حدثت داخلها الجريمة، بعد ورود عدد من الشكاوى التي تفيد بحدوث بعض الأشياء الغريبة داخلها، على الرغم من إغلاقها بالشمع الأحمر. وبحسب الصحف المصرية، جرى بالفعل فتح الشقة وقراءة القرآن على مدار يوم كامل بداخلها. وقيل حينذاك أنه لم يتم تنظيفها من الدماء التي كانت تغطي زواياها. ومن الروايات التي حيكت حول الشقة، أن حراس العقار كانوا يسمعون مواء قطط، خصوصاً خلال المساء، ويرون أحجاراً تتطاير من الشقة كل ليلة، إلى جانب تعطل المصعد في الطابق الثاني، وهو الطابق الذي توجد فيه الشقة. واللافت أن تعطل المصعد يحصل دوماً الساعة الخامسة صباحاً، وهو وقت حدوث الجريمة، كما كانوا يسمعون أصوات ارتطام بعض الأشياء بالأرض، الأمر الذي كان يصيب بعض السكان بالفزع.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...