شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"معركة منبج قريبة"... تركيا تواجه أمريكا وتتقاسم المصالح مع روسيا وإيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 4 أبريل 201807:04 م
في خانة توصيف العلاقة بين أنقرة وواشنطن، بحسب تقرير داخلي للكونغرس أواخر الشهر الماضي، كان الجواب: it's complicated (معقّدة). شكل العلاقة هذا ليس مستجداً بين الولايات المتحدة وتركيا، فقد تأرجح دائماً بين المصالح المشتركة للطرفين وتحديداً في ظلّ وجود الأخيرة في حلف الناتو منذ العام 1952، وبين صراع أولويات غذّاه، حسب التقرير، الرئيس رجب طيب أردوغان، إلى جانب عوامل أخرى منها الورقة الكردية والتوترات على الحدود السورية والعراقية، من دون أن يغيب عامل التقارب الروسي- التركي في المجالات الميدانية والعسكرية.

تصعيد أمريكي - تركي... ما شكله؟

بعد مساعي تهدئة حصلت خلال الأشهر الماضية، تشهد هذه العلاقة اليوم تصعيداً لافتاً، وتحديداً على جبهة منبج السورية، بعد تقارير عن استعدادات أمريكيّة عسكريّة لمواجهة الهجوم التركي المحتمل. في فبراير الماضي، زار وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أنقرة، وقال من هناك إن بلاده وتركيا "لن تتحركا بعد الآن كل بمفرده" في سوريا، بل ستحرصان على"العمل معاً" لتجاوز الأزمة بشأن مناطق الشمال السوري. وكشف تيلرسون من هناك أن الجانبين اتفقا على "وضع آلية مشتركة لحلّ مصير منبج السورية كأولوية". وتعدّ المدينة عنصر توتر بارز بين الطرفين، إذ تسيطر عليها قوات وحدات حماية الشعب الكردي، المصنفة إرهابية في تركيا بينما تلقى دعماً من الجيش الأمريكي، في وقت تحظى منبج بأهمية استراتيجية، إذ تبعد 30 كيلومتراً عن الحدود التركية وتقع بمحاذاة مناطق تسيطر عليها فصائل سورية موالية لأنقرة، أبرزها الباب غرباً وجرابلس شمالاً. ولا تتجاوز المسافة الفاصلة بين تلك الفصائل مئات الأمتار. لكن الأمور عادت إلى الدائرة الساخنة، مع إصرار واشنطن على موقفها الداعم للقوات الكردية التي سيطرت على منبج في أغسطس 2016، بعد طرد مسلحي "داعش" منها بدعم أمريكي، في وقت تسعى تركيا إلى طردهم إلى شرق نهر الفرات خوفاً من حكم احتمال ذاتي كردي في سوريا يغذي نزعة أكراد تركيا الانفصالية. وينتشر حالياً في محيط منبج نحو 350 جندياً من التحالف الدولي، معظمهم من الأمريكيين والفرنسيين، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي تحدث عن تعزيزات جديدة للتحالف تضم عناصر من الطرفين وصلت في اليومين الأخيرين. Turkey-striking-Syria3 وفي جديد التعزيزات الأمنية، تحدثت وكالة "الأناضول" التركيّة، نقلاً عن مصادر محلية وصفتها بالموثوقة، عن شروع أمريكا ببناء قاعدتين عسكريتين في محيط مدينة منبج.
تعدّ منبج عنصر توتر بارز بين الطرفين، إذ تسيطر عليها قوات وحدات حماية الشعب الكردي، المصنفة إرهابية في تركيا بينما تلقى دعماً من الجيش الأمريكي
حديث أمريكا عن تعزيزات أمنية في منبج يقابله تصريحات عن سحب قواتها من سوريا، في وقت تصرّ تركيا على فتح معركة في المدينة السورية... فما هي السيناريوهات المحتملة بين الطرفين؟
وبحسب "الأناضول"، شرعت الولايات المتحدة بتوسيع نقطتي مراقبة في محيط قرية الدادات، التابعة لمنبج، بغرض تحويلهما لقاعدتين عسكريتين، كما بدأت القوات الأمريكية باتخاذ تدابير وتعزيز تحصيناتها وقواتها العسكرية، ومنها إرسال نحو 300 عسكري، إضافة إلى عدد كبير من العربات المدرعة والمعدات الثقيلة، إلى المنطقة الفاصلة بين منبج ومنطقة درع الفرات في ريف حلب الشمالي، كانت استقدمتها من قاعدتها العسكرية في بلدة صرين.

مصير الوجود الأمريكي في سوريا

يأتي الحديث عن التحضيرات الأمريكيّة في منبج موازياً لسلسلة التصريحات الأمريكيّة التي شهدها الأسبوع الماضي بشأن سحب أمريكا لقواتها من سوريا "قريباً جداً". كانت البداية مع إعلان الرئيس دونالد ترامب الخبر، ثم قالت وزارة الخارجية إنها لا تعلم شيئاً عن القرار، بعدها وعد ترامب باتخاذ قرار سريع "بعدما كلفت حروبه على الشرق الأوسط سبعة تريليونات دولار في السنوات السبع عشرة الماضية"، قائلاً إذا أرادت السعودية بقاء القوات الأمريكية في سوريا فعليها أن تدفع. وفي آخر التصريحات، أفاد مسؤول كبير في البيت الأبيض بأن الرئيس وافق على إبقاء القوات الأميركية (نحو ألفي جندي) في سوريا في المرحلة الحالية، فـ"الرئيس لا يريد التزاماً أمريكياً طويل الأمد في سورية، لكنه في نفس الوقت يريد التأكد من هزيمة داعش". التهديد التركي باقتحام منبج يشبه ما حصل في عفرين حين أطلقت أنقرة في يناير الماضي عملية "غصن الزيتون"، بعدما أعلن مجلس الأمن القومي التركي أن تركيا لن تتردد بالتحرك في حال لم ينسحب المسلحون السوريون الأكراد. Turkey-striking-Syria2 ولكن بخلاف عفرين، فإن القوات الأمريكيّة في منبج تشكل عاملاً فارقاً يهدّد بتصعيد كبير بين حلفاء حلف الشمال الأطلسي.

السيناريوهات المحتملة

تراوحت الآراء بشأن السيناريوهات المحتملة للموقف الأمريكي حينما أعلن كل من الرئيس التركي ورئيس الوزراء قبل شهرين أن التهديد على الحدود التركية السورية لا يقتصر فقط على عفرين بل يأتي من منبج، وأن رقعة العملية العسكرية التي تخوضها تركيا لطرد وحدات حماية الشعب الكردية من عفرين قد تتسع لتشمل منبج ومناطق أخرى شرقي نهر الفرات، تعتبر تركيا أن الوحدات الكردية تستهدف أراضيها من خلالها. تكشف التقارير عن الاستعدادات الأمريكية عدم نية واشنطن الانسحاب من مواجهة تركيا في منبج بسهولة، وكان الناطق باسم التحالف الكولونيل رايان ديلون قال الشهر الماضي إن القوات في "حال تأهب إزاء ما يحدث، خصوصاً في منطقة منبج حيث تنتشر قواتنا"، مؤكداً أن لهذه القوات "حقّ في الدفاع عن نفسها وستفعل ذلك إذا لزم الأمر". هذا الموقف شاركه المسؤولون الأكراد في منبج في حديث لـ"وكالة الصحافة الفرنسية"، وقال مسؤول العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية في شمال سوريا عبد الكريم عمر "أعتقد أنه من المبكر الحديث عن انسحاب أمريكي فوري من المنطقة"، مضيفاً "الإرهاب ما زال موجوداً ويعيد تنظيم نفسه". في وقت أشار قياديون محليون الى وجود اتفاق ثابت مع التحالف الدولي "لحماية" مدينة منبج التي تقع في نطاق عمليات التحالف، ومن بينهم كان قائد مجلس منبج العسكري الذي قال "كما حررنا منبج من داعش، سنحافظ عليها مع التحالف الدولي من تركيا وسواها". في المقابل، وبينما حرص التحالف على ربط وجوده في منبج بمحاربة "داعش"، كان هناك آراء عن أن الولايات المتحدة قد تسمح لتركيا بالقيام بعملية في منبج شرط أن تكون محدودة، في وقت أن أنقرة التي تحتاج  إلى الاتحاد الأوروبي في التجارة وشركاء حلف الأطلسي من أجل أمنها، لن تغامر بانهيار كامل في علاقاتها مع الغرب، وتحديداً مع واشنطن.

قمة "تقاسم المصالح"

في انتظار سيناريوهات المعركة المقبلة في منبج، برز عامل مهم اليوم مع انعقاد القمة الروسية - الإيرانية - التركية في أنقرة، والتي قالت إنها عازمة على تسريع وتيرة المساعي لضمان الهدوء على الأرض في سوريا وحماية المدنيين في مناطق خفض التوتر. وبحسب بيان مشترك صدر بعد القمة، شدّد الرؤساء الثلاثة على تهيئة الظروف لعودة السوريين النازحين بفعل القتال في بلدهم. وأعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني "نهاية الحرب في سوريا رسمياً "، بينما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين"اتفقنا على التعاون في تسوية الأزمة السورية". من جانبه، قال الرئيس أردوغان إن تركيا ملتزمة بتعهداتها حول مناطق خفض التصعيد في سوريا، مؤكداً "سنسيطر على مناطق الإرهابيين في منبج"، وذلك بعد "عودة نحو 160 ألف سوري إلى جرابلس والباب"، حسب أردوغان. وعلى أثر القمة، حذّر محللون أمريكيون من "ضبابية" الموقف الأمريكي بخصوص سوريا، في حين يجتمع "من يتناقضون في السياسة ومصالحها" (تركيا وروسيا وإيران) على "تقاسم المصالح الاقتصادية في سوريا"، وتحديداً تحت شعار "إعادة الإعمار".  

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image