شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"المناطق الآمنة" بوابة ترامب للعودة إلى الملعب السوري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 7 فبراير 201704:06 م
"سأقيم بالتأكيد مناطق آمنة في سوريا للأشخاص الفارين من العنف". بهذا التصريح استهل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب حديثه لمحطة (ABC NEWS) الأميركية أخيراً، ليثير حالة من الجدل داخل الشارع السياسي السوري من جانب، ويلقي بظلاله على المشهد الروسي الإيراني التركي من جانب آخر. التصريح الذي أدلى به ترامب جاء بالتزامن مع الوثيقة التي كشفت عنها وكالة "رويترز" بشأن توجيه الرئيس الأميركي الجديد وزارتي الخارجية والدفاع لوضع خطة كاملة بخصوص إقامة مناطق آمنة في سوريا، في غضون 90 يوماً من تاريخ إصداره هذا الأمر، وتلاه الاتصال الذي دار بين ترامب والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي قبل عرض الرئيس الأميركي بشأن تمويل إقامة هذه المناطق بالتشارك مع دولة الإمارات العربية المتحدة. وبالرغم من غموض تلك التصريحات، وغياب أي تفاصيل بشأن أماكن اختيار تلك المناطق، سواء داخل سوريا أو خارجها، فضلاً عن عدم الكشف عن آليات التنفيذ، ومن سيقوم بالتأمين، ومن يتحمل كلفة إقامة هذا المشروع، إلا أن تبعاته فرضت نفسها على موائد النقاش داخل العواصم المعنية بالأزمة السورية.

سجال قديم

وبالعودة إلى الوراء قليلاً، نجد أن فكرة إقامة مناطق آمنة في سوريا ليست وليدة اليوم، إذ كانت تركيا أول من دعا إلى هذا المقترح عام 2015، وكان الحديث وقتها يدور عن تأمين منطقة تمتد في الشمال السوري من جرابلس إلى إعزاز بطول 100 كم، وقد تتسع في حال وصولها إلى عفرين، أما عمق هذه المنطقة فيمتد لنحو 50 كم أو أكثر بقليل. الهدف المعلن من إقامة مثل هذه المناطق يتمثل في حماية المدنيين واللاجئين السوريين داخل سوريا، كما أن قرار إقامتها يستند إلى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يعطي مجلس الأمن الدولي حق استعمال القوة المسلحة بهدف حماية السلم والأمن العالميين. لكن إقامة مناطق آمنة في سوريا ليس بالأمر الهيّن. فإذا قرّر ترامب إقامتها فربما يستلزم الأمر فرض منطقة حظر جوي فوق سوريا وهو ما يتطلب زيادة حجم القوة العسكرية الأميركية داخل سوريا، وقد يتطلب نشر قوات برية لتوفير الأمن.

بين ترامب وأوباما

طُرحت فكرة إنشاء مناطق آمنة في سوريا من قبل أيضاً، إبان ولاية باراك أوباما الذي رفض جميع المقترحات في هذا الشأن، وكان في مقدمتها المقترح الذي تقدمت به تركيا خلال قمة العشرين التي عقدت في أنطاليا التركية عام 2015. دوافع رفض أوباما جاءت من منطلق تجنب إقحام بلاده في المستنقع السوري بشكل يهدد مصالح واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن الكلفة الاقتصادية والعسكرية والسياسية المترتبة على تطبيقها. إلا أن ترامب كان له رأي آخر. ففي منتصف ديسمبر الماضي، وأمام أنصاره في مدينة هيرشي بولاية بنسلفانيا الأميركية، تعهد بإنشاء مناطق إنسانية آمنة في سوريا، بهدف وقف تدفق اللاجئين إلى أميركا، وفي الوقت نفسه طالب دول الخليج بتمويل هذا المشروع.

رفض سوري

يؤكد أحمد منير، مستشار رئاسة مجلس الوزراء السوري لشؤون المصالحة، أن هناك غموضاً في مفهوم ترامب للمناطق الآمنة، فلو كان يقصد بها المناطق الإنسانية التي تخصص لحماية المدنيين من منصات القصف العسكري وأن يكون ذلك بإشراف الحكومة الشرعية السورية وبأيدي السوريين فقط، فلا شك أن دمشق مع هذا المقترح، أما المفهوم العسكري المتعلق بإقامة مناطق نفوذ، ومجالات جوية محظورة، يرافقها تواجد عسكري خارجي لحمايتها، وقد تتحول إلى مناطق إيواء للعناصر الإرهابية وغيرها، فهذا أمر ترفضه سوريا شكلاً ومضموناً. وأضاف لرصيف22 أن واشنطن طرحت هذا المقترح في بداية الأزمة في محاولة لتقسيم سوريا، على أمل الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وتابع أن الإدارة الأميركية تسعى الآن إلى إحياء طرح المقترح من جديد، وإن بصورة مختلفة عن العرض الأول نظراً لتغيّر خيوط اللعبة في ميدان المعركة.

فخ سياسي

وفي المقابل، يرى الدبلوماسي الروسي السابق، فيتشيسلاف ماتوزوف، أن هذا القرار يقود إلى تقسيم سوريا، إذ سينتج عنه منطقة آمنة تحت رعاية أميركية، وأخرى في شمال سوريا تحت رعاية تركية، وثالثة في دمشق وحلب تحت رعاية الحكومة الشرعية الحالية، ومناطق أخرى يسيطر عليها داعش والنصرة، وهكذا ستتحول سوريا الموحدة إلى دويلات ومناطق نفوذ. ماتوزوف في مشاركة تلفزيونية له حذّر من صدام مرتقب بين واشنطن وموسكو حال تنفيذ هذا القرار، متسائلاً: في الوقت الذي تنتشر فيه قوات عسكرية روسية بما تمتلكه من منظومة تسليح متطورة، كيف تكون التحركات العسكرية الأميركية حال انتشارها لحماية وتأمين المناطق الآمنة المزعومة؟ وتابع: لا أظن أن هذا القرار من بنات أفكار ترامب، بل أعتقد أنه أتى من الدائرة المقربة منه والتي تسعى إلى توريطه وإحراجه أمام الحليف الروسي بعد تقاربه الأخير مع بوتين.

ترقب تركي

"رأينا طلب الرئيس الأميركي إجراء دراسة عن المناطق الآمنة في سوريا، المهم هو نتائج هذه الدراسة وما هو نوع التوصية التي ستخرج بها". كان هذا هو تعليق تركيا على تصريحات ترامب، حسبما جاء على لسان حسين مفتي أوغلو المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية خلال مؤتمر صحافي عقده مؤخراً. 
إقامة مناطق آمنة في سوريا يستلزم فرض منطقة حظر جوي، ويتطلب زيادة القوة العسكرية الأميركية ونشر قوات برية
تحوّل موقف ترامب من دول الخليج يطرح تساؤلات، فبعد مهاجمتها هاهو يطالبها بتمويل بناء المناطق الآمنة
رد الفعل التركي لم يكن مفاجئاً. وأوضح الدكتور محمد زاهد غول أن المفهوم الأميركي حول المناطق الآمنة لم يتضح حتى الآن بصورة تفصيلية، لكن ما تم تداوله إعلامياً يتعلق بمناطق آمنه عازلة متفق عليها من قبل أطراف الصراع أكثر مما هي مناطق قانونية تخرج بقرار أممي. وأضاف غول لرصيف22 أن العديد من اللقاءات التي جمعت بين زعماء الدول المعنية بالأزمة السورية تطرقت إلى إنشاء مناطق إنسانية آمنة، بعيدة عن الاستهداف العسكري، لتصبح ملجأ للاجئين المدنيين. المحلل التركي أوضح أن الرؤية التركية حينها قوبلت بمعارضة روسية شكلية لا تعرقل إقامة هذه المناطق بشكل فعلي على أرض الواقع، لكن مجريات الأمور السياسية في تركيا، من انتصار فاتر لحزب "العدالة والتنمية" في انتخابات السابع من حزيران، وعدم قدرته على تشكيل الحكومة لمدة 6 أشهر، والذهاب إلى انتخابات مبكرة، تسببت بتعطيل هذا المشروع وتجميده بصورة مؤقتة، متابعاً أن عملية درع الفرات العسكرية القائمة في الوقت الراهن تعدّ نواة لتأسيس هذه المنطقة الآمنة. وتابع: أولويات أنقرة مرتبطة بأولويات الأمن القومي التركي، ومن ثم لا توجد معارضة لإقامة مثل هذه المناطق بما لا يخل بالأمن القومي للبلاد، أما في حال تحويل سوريا إلى مناطق نفوذ بما يهدد جيرانها، كأن يتم دعم الأكراد واستقلالهم، فإن هذا الأمر مرفوض بصورة كاملة، حتى لو كان هذا المقترح يعكس الرؤية الأميركية والروسية.

موافقة روسية مشروطة

روسياً، علق وزير الخارجية سيرغي لافروف على مقترح ترامب بأن موسكو لا تمانع في بناء مناطق آمنة بشرط موافقة السلطة الشرعية في دمشق، وبعد التنسيق معها حول الكيفية وآليات التنفيذ. الدكتور مسلم شعيتو، رئيس المركز الروسي العربي، أشار إلى أن موقف روسيا لا يأتي من باب مجاراة المواقف الأميركية كما يروّج البعض، إنما من باب الاستمرار في النهج الذي تسلكه موسكو لمحاولة تعميم المصالحات في سوريا، من خلال توسيع دائرة المناطق الآمنة اجتماعياً، لتشمل أطرافاً جديدة ربما تنخرط في العملية السياسية لاحقاً. شعيتو في حديث متلفز أشار إلى أن الرئيس الأميركي الجديد يسعى إلى إقامة منطقة تعيده إلى الملعب السوري مرة أخرى، انطلاقاً من قواعده العسكرية الموجودة في الشمال الكردي السوري. وتابع: الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على مصالحها وأمنها الاقتصادي، إذ اتهمت ألمانيا من قبل باستقبال اللاجئين بشكل غير طبيعي. واعتبر أن المناطق الآمنة تمهد الطريق لعودة واشنطن إلى طاولة المفاوضات أثناء تقاسم الأرباح.

لماذا السعودية الآن؟

تحوّل موقف ترامب من دول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً يضع العديد من علامات الاستفهام، فبعد هجومه على الرياض خلال حملته الانتخابية، ومطالبتها بتحمل أعباء الدفاع عنها في مواجهة الإرهاب، ها هو اليوم يطالب السعودية والإمارات بتمويل مقترح بناء المناطق الآمنة في سوريا، حسبما كشف البيت الأبيض في بيانه الصادر عقب الاتصال الذي أجراه الرئيس الأميركي الجديد مع العاهل السعودي وولي عهد أبو ظبي. وبعدما أبدت الرياض ودبي موافقتهما على تمويل هذا المقترح ما كان على ترامب إلا دفع المقابل – رد الجميل- الذي كان تأييد وجهة النظر السعودية في التصدي للنفوذ الإيراني بدعوى التدخل في شؤون دول منطقة الشرق الأوسط.

قرار دعائي... والصدام مستبعد

الدكتور جمال عبد الجواد، أستاذ العلوم السياسة بالجامعة الأميركية، أشار إلى أن المقترح الأميركي بإقامة مناطق آمنة مقترح دعائي أكثر منه واقعياً. عبد الجواد أكد لرصيف22 أن فكرة المناطق الآمنة قد تكون مناسبة في مرحلة إدارة الأزمة، أما وقد وصلت الأزمة إلى محطتها الأخيرة أو قبل الأخيرة، فإن الفكرة أصبحت غير صالحة للاستخدام، خاصة مع تغيّر خيوط اللعبة على الأراضي السورية الآن. ولفت إلى أن المقترح المقدم من ترامب لا يعدو كونه مغازلة للتوجه العالمي الداعم لحقوق اللاجئين، والرجل أراد بهذا المقترح أن يبعث برسالة للعالم مفادها أن قراره بحظر دخول اللاجئين ليس معناه التجني على حقوقهم، وإسقاطهم من أولويات الإدارة الأميركية. واختتم حديثه: أستبعد أي صدام بين موسكو وطهران من جانب، وواشنطن من جانب آخر، بشأن إقامة مثل هذه المناطق، فالدول المؤثرة في سير العمليات على أرض الميدان على دراية تامة بتفاصيل الصراع والمرحلة التي وصلت إليها الأزمة، وليس من المنطقي – سياسياً أو دبلوماسياً – أن تقع في فخ الصدام.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image