شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ما جذور التوتر بين إردوغان وترامب؟

ما جذور التوتر بين إردوغان وترامب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 22 يناير 201810:02 ص
كانت بداية توحي بعلاقة حميمة وقوية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب. فالمسؤولون الأتراك لم يخفوا غبطتهم مع فوز الأخير في انتخابات الرئاسة الأميركية، منهياً حقبة زادت فيها حدة التوتر بين واشنطن وأنقرة بسبب تردد باراك أوباما في التدخل بشكل جدي في الأزمة السورية ودعم إدارته قوات حماية الشعب، الميليشيات الكردية في سوريا التي يعتبرها الأتراك جناحاً لحزب العمال الكردستاني المصنف جماعة إرهابية. وكان ترامب وصف أردوغان بالقائد القوي خلال حملته الانتخابية بسبب تصدي الحكومة التركية لمحاولة انقلاب في صيف 2016، كما كان من أوائل القادة الغربيين الذين قدموا التهنئة للرئيس التركي بعد فوزه في استفتاء نيسان (أبريل) الماضي على السلطات الرئاسية، وهو استفتاء تم في ظل قانون الطوائ الذي وصفه مراقبون أوروبيون بأنه غير عادل. ورد أردوغان الجميل بتعبيره عن تقديره الرئيس الأميركي بعد فوزه في الانتخابات وهنأه شخصياً خلال زيارته البيت الأبيض صيف العام الماضي، بانتصار انتخابي وصفه بالأسطوري. إلا أن السياسات الأميركية في الشرق الأوسط عموماً وسوريا خصوصاً، ما لبثت أن عكرت الجو بين الحليفين اللذين يشكلان أكبر جيشين في حلف الناتو، وهي علاقة تعود إلى بدايات الحرب الباردة عندما ساهمت تركيا في الحرب الأميركية في كوريا وأصبحت معقلاً ضد الشيوعية على رغم قربها الجغرافي من الاتحاد السوفياتي. ويكمن لب الخلاف في سياسات واشنطن حيال الحرب السورية، حيث طالب الأتراك بتدخل حاسم لإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، خصوصاً بعد قصف قوات النظام الغوطة الشرقية بالكيماوي في 2013، والذي كاد يؤدي إلى تدخل أميركي تم التراجع عنه في اللحظات الأخيرة، كما طرحوا فكرة منطقة حظر طيران رفضتها الإدارة الأميركية. وليس هناك شك في أن العامل الشخصي ساهم في توتر العلاقات الأميركية – التركية، حيث صرح في ما بعد باراك أوباما بأنه أصيب بخيبة أمل حيال أردوغان الذي كان يتوقع منه أن يلعب دور قائد إسلامي وسطي وجسراً للحوار بين الشرق الأوسط والغرب، لكنه تحول قائداً أوتوقراطياً. وصلت الخلافات إلى أوجها بعد القرار التكتيكي الذي اتخذته واشنطن بالاعتماد على الميليشيات الكردية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الرقة، معللة القرار بالقول أن المعارضة السورية المسلحة لا تملك القدرة على مجابهة التنظيم بشكل فعال، وهو الأمر الذي اعتبرته أنقرة تهديداً مباشراً لأمنها القومي. فحزب الـPYD وجناحه العسكري الـYPG يشكلان الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني PKK الذي انخرطت الدولة التركية في محاربته منذ الثمانينيات، بسبب سيطرته على مساحات شاسعة من الشمال السوري على الحدود التركية الذي شكل خطراً على مصالح أنقرة مع اشتعال الصراع مع الـPKK في 2015. وأدى توسع رقعة سيطرة الأكراد في سوريا، إلى تدخل تركيا عسكرياً من طريق عملية درع الفرات، والتي وضعت حداً لامتداد تلك الرقعة غرباً باتجاه عفرين. إلا أن الدعم الأميركي لم يتوقف، بل تحول تحت إدارة ترامب داعماً عسكرياً مباشراً لتسليح الـYPG قبيل معركة مدينة الرقة، عاصمة الخلافة. وعلى الرغم من وعود أميركية بوقف التسليح، إلا أن الولايات المتحدة أعلنت في الأسابيع الماضية نيتها إنشاء قوات حدودية في الشمال السوري تتضمن كعنصر أساسي الـYPG، ما أثار حفيظة الأتراك ونيتهم التدخل عسكرياً مرة أخرى لإخراج الميليشيات الكردية من منطقة عفرين المحاذية للحدود التركية.
كانت البداية توحي بعلاقة حميمة وقوية بين إردوغان وترامب، فما الذي تغير وغيرها؟
ويعتبر المتابعون أن العلاقات بين الحليفين وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، على الرغم من إصرار مسؤول أميركي الشهر الماضي في اجتماع مع صحافيين على أن الخلافات لن تؤدي، على المدى البعيد، إلى انقطاع العلاقات بين البلدين، إلا أن الخطاب التركي أصبح شديد اللهجة في انتقاد السياسات الأميركية وأوحى برغبة أنقرة في التقرب أكثر من روسيا، الأمر الذي سبب قلقاً في الأوساط الغربية. وهناك أوجه أخرى للخلاف. فما زالت الحكومة التركية تطالب بتسليم فتح الله غولن، الواعظ الديني الذي قاد جماعة "حزمت" التي تغلغلت في صفوف الحكومة في مجالات القضاء والشرطة والجيش، والتي اتهمت بمحاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة. وتزعم الحكومة التركية أنها قدمت جميع الأدلة الموجودة ضد غولن إلى وزارة العدل الأميركية، لكن حتى الآن لم يحصل تطور في القضية. وغضبت الحكومة التركية من واشنطن بسبب قضية رجل الأعمال وتاجر الذهب التركي - الإيراني رضا صراف، والذي حوكم علنياً في نيويورك بتهمة التحايل على العقوبات الاقتصادية ضد إيران، والتي قال صراف في إفادته أنه قام بها بعلم الرئيس التركي، إضافة إلى دفع رشى بعشرات ملايين الدولارات لوزير الاقتصاد الأسبق ولمسؤول في بنك هالكبانك المملوك من الدولة، الأمر الذي قد يؤدي إلى فرض عقوبات على المؤسسة، ومن شأنه نشر اتهامات بالفساد حول الحزب الحاكم في تركيا، ما قد يؤثر في حظوظه في الانتخابات المحلية. وازداد الغضب الأميركي حيال أنقرة بسبب القبض، في الخريف الماضي، على مسؤولين من حاملي الجنسية التركية في قنصلية الولايات المتحدة بإسطنبول، بتهمة التعاون مع جماعة غولن. وبعد الحملة الإعلامية في الصحافة التركية الموالية، قررت القنصلية إيقاف استقبال طلبات التقديم على تأشيرات السفر إلى أميركا في تركيا، والذي أدى إلى قرار مماثل من القنصلية التركية في الولايات المتحدة أدى إلى منع المواطنين الأميركيين من الحصول على تأشيرة سياحية. واستمرت تلك الأزمة قرابة الشهرين قبل الرجوع عن القرار بعد نهاية العام الماضي. واغتنم الرئيس التركي قرار إدارة ترامب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، داعياً إلى اجتماع لمنظمة الدول الإسلامية OIC، والتي ترأسها حالياً تركيا في إسطنبول، مصدرة بياناً تعتبر فيه القدس الشرقية عاصمة لفلسطين. واستغل أردوغان الغضب الشعبي في تركيا ضد القرار، إضافة إلى خطابه المناهض لواشنطن لتجييش قاعدته الشعبية، والتي أبدت استياءها من سياسات الرئيس وحزبه عندما خسر في استفتاء العام الماضي المدن الكبرى، أنقرة وإسطنبول وإزمير، على رغم فوزه العام في الاستفتاء. وعلى الرغم من بعض المحاولات المتقطعة للتهدئة بين الحليفين، إلا أن من الواضح أن العلاقات قد تسير من انتكاسة إلى أخرى. فبسبب تركيز تركيا على القضية الكردية في سوريا، ترى الحكومة أن من مصلحتها دعم المحاولات الروسية إيجاد حل للأزمة السورية ولو كان مع بقاء بشار الأسد في الحكم، فالمسؤولون الأتراك لا يطالبون برحيل الأسد كشرط مسبق للمفاوضات في اجتماعاتهم الأخيرة. أضف إلى ذلك، إن التطور الذي أدى إلى قلق شديد في واشنطن وحلف الناتو عموماً هو إعلان تركيا عزمها شراء نظام الـS-400 المضاد للطائرات والصواريخ الذي تصنعه روسيا. ويقول مسؤولون أتراك في لقاءات مع صحافيين أجانب أن الهدف من شراء الـS-400، هو عدم موافقة الولايات المتحدة على التبادل التكنولوجي الذي يتيح لتركيا نسخ أو تطوير منظومة الدفاع الباليستية الأميركية. ورفض مسؤولون في الولايات المتحدة والناتو فكرة دمج الـS-400 في الأنظمة الدفاعية للتحالف، بل على العكس، فشراء المنظومة قد يؤدي إلى فرض عقوبات من قبل الكونغرس الأميركي على تركيا لأن شراء المنظومة الدفاعية قد يعني التطاول على العقوبات الاقتصادية الموقعة على روسيا من قبل واشنطن في الأعوام الماضية.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image