شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
التهديد بنسف الاتفاق النووي... عزل لإيران أم عزل لأمريكا؟

التهديد بنسف الاتفاق النووي... عزل لإيران أم عزل لأمريكا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 21 سبتمبر 201703:03 م
لم يكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معجباً يوماً بالاتفاق النووي. منذ البداية، تراءت له نهاية "أحد أسوأ الاتفاقات التي تم التفاوض عليها على الإطلاق"، كما لا ينفك يردّد. في يوليو الماضي، شغل العالم عندما قال إنه لم يعد يريد أن يصادق على التزام إيران بقواعد الاتفاق النووي. ولأن القانون يقتضي مثل هذه المصادقة كل تسعين يوماً، يعود مستقبل الاتفاق النووي الإيراني ليكون محط شك مع اقتراب موعد مصادقته مرة أخرى منتصف الشهر المقبل. تتعدد السيناريوهات المطروحة بشأن "خطة العمل الشاملة المشتركة" - وهو الاسم الدبلوماسي للاتفاق النووي - أمريكياً وإيرانياً. ما قاله ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 72 يؤكد ذلك. في أول خطاب له أمام الجمعية بعد انتخابه رئيساً، أعاد ترامب التأكيد على رأيه السابق معتبراً الاتفاق النووي "الأسوأ في تاريخ اتفاقات أمريكا ومصدر إحراج لها"، متهماً النظام الإيراني بـ"نشر الدمار في الشرق الأوسط وتهديد إسرائيل".
لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فقد أفصح الرئيس قائلاً إنه توصل لقرار بشأن الاتفاق النووي، لكنه رفض الإفصاح عنه. ولمزيد من "السوسبانس"، أعلنت إيران أنها مستعدة للتعامل مع جميع السيناريوهات في حال قرّر ترامب الانسحاب من الاتفاق. بانتظار "قرار ترامب" و"أشكال استعداد إيران"، لا يمكن ادعاء توفّر إجابة وافية بشأن مستقبل الاتفاق النووي وتغيّراته، ولكن العودة إلى التصريحات والرسائل المصاحبة لشد الحبال الجاري، تفيد بأولوية سيناريوهات دون أخرى، فما هي الاحتمالات الواردة هنا، وما الذي يشي بترجيح كفة دون أخرى؟

خطة بولتون ونسف الاتفاق

في مطلع الشهر الحالي، أعلن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة يوكيا أمانو التزام إيران بقواعد الاتفاق النووي الذي وقعته مع القوى العالمية الست في العام 2015، في تأكيد يناقض ما تحاول الإدارة الأمريكية البناء عليه عبر الترويج لعدم امتثال طهران لما نصّ عليه الاتفاق. "سنستمر في تنفيذ البروتوكول الإضافي في إيران… كما نفعل في دول أخرى"، حسم أمانو الجدل. في المقابل، فسح المجال لإمكانية تعديل قائلاً إن الوكالة يمكنها طلب الوصول إلى مواقع إيرانية بما في ذلك العسكرية إذا كان لديها مخاوف بشأن أنشطتها أو المواد الموجودة بها، والتي يمكن أن تشكل انتهاكاً للاتفاق. كل ذلك منوط حسب الوكالة بتوضيح أسباب هذه المخاوف من خلال تقديم وثائق تؤكد وجود انتهاكات، وحتى الآن لا يبدو أن بحوزة الإدارة الأمريكية مثل هذه الوثائق. لا تمتلك إدارة ترامب الوثائق، لكن الواضح أنها تمتلك العزم الكامل لإعادة صياغة السياسة الأمريكية تجاه إيران. وما نشره السفير السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون من "خطة مفصلة" لـ"الانسحاب من الاتفاق النووي" يؤكد ذلك. اقترح بولتون مسار ضغط سياسي على إيران يصل إلى حد تغيير النظام. وأبرز ما جاء في اقتراحات إلغاء الاتفاق:
  • التشدد في إظهار تنازلات الولايات المتحدة لإيران، لا سيما في مجال تخصيب اليورانيوم، وذلك من أجل حشد دعم داخلي وخارجي لإلغاء الاتفاق.
  • شن حملة دبلوماسية موسعة وضغط تمارسه السفارات الأمريكية في العالم، يصاحبها ضرورة فرض عقوبات جديدة على إيران وتدابير جديدة رداً على برنامجها البالستي والنووي ورعايتها الإرهاب.
  • روسيا والصين تستحقان اهتماماً خاصاً في الحملة، ولكن بعد الإعلان وليس قبله، وعليه يجب الترحيب بمشاركتهما على نحو كامل في القضاء على تهديدات ايران، ومع ذلك لا بد من المضي قدماً معهما أو من دونهما.
  • فرض قرارات عقوبات أحادية خارج إطار قرارات مجلس الأمن الدولي، وبالتالي لا يمكن للمدافعين عن إيران الحد من فعاليتها.
بعد ذلك، اقترح بولتون:
  • تزويد إسرائيل بطائرات أف 35 واليابان بصواريخ ثاد.
  • إنهاء حقوق الهبوط والرسو للطائرات والسفن الإيرانية في الموانئ الحليفة.
  • إنهاء التأشيرات الأمريكية للإيرانيين.
  • دعم المعارضة الإيرانية الداخلية.
  • طلب تسليم الأسلحة الخارقة للتحصينات.
  • دعم الكرد في مشروعهم بما فيهم كرد إيران.
  • تنظيم معارضة لمواجهة الأهداف السياسية الإيرانية داخل الأمم المتحدة.
وقد تبين لاحقاً أن كبير إستراتيجيي البيت الأبيض ستيف بانون كان قد طلب من بولتون نشر الخطة التي أعدها حول إيران، وذلك بعد إقالته من البيت الأبيض (ويصب هذا التفصيل في محور آخر يوضح شكل التجاذبات الداخلية في الإدارة الحالية). على خط آخر، كانت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي قد عرضت في خطاب أمام "معهد المؤسسة الأمريكية" عدم امتثال إيران للاتفاق من دون تأييد أي إجراء من قبل الإدارة الأمريكية، وأوضحت أن إدارة ترامب ترى أن الاتفاق معيب لأنه محدد زمنياً وفي صالح إيران من الأساس ولا ينهي التخصيب. وبالتالي،لم تستبعد هالي قيام إيران بتجميع المواد الانشطارية بكمية تكفي لإنتاج قنبلة نووية، بينما دافعت عن برنامج التسلح النووي الإسرائيلي، ورأت في البرنامج الإيراني سبب تدمير المنطقة. يصاحب هذا الخطاب انتقاد "النهج الأوبامي" في كل مناسبة. يعيب خصوم هذا النهج عليه عدم شعوره بالقلق إزاء فساد إيران وتخريبها، في مقابل ما تفعله سورياً ويمنياً وعراقياً، وما سهله لها الاتفاق من شراء أسلحة روسية. قد يلوح هنا السيناريو الأكثر تطرفاً، ويعني ذلك امتناع إدارة ترامب التصديق على التزام إيران بالاتفاق، الأمر الذي يمهد الطريق فعلياً أمام الانسحاب من الأخير، يقابل ذلك الرد الإيراني بالاستعداد لاستئناف النشاط النووي على الفور وما يرتبه ذلك من عودة إلى الأجواء المشحونة التي سبقت الاتفاق النووي، تُضاف إليها التغيرات الإستراتيجية والأمنية التي أعقبته.

العامل الأوروبي... والتحايل على الاتفاق

لكن دون سيناريوهات النسف عقبات عدة، يعيها الأمريكيون قبل غيرهم. من هنا، ثمة سيناريو آخر تحدث عنه مسؤولون سابقون ومحللون، ومفاده الالتزام بالاتفاق النووي لكن في ظل تغيير لشروطه. "الاتفاق الإيراني على طبقة رقيقة من الجليد، ويجدر به أن يكون كذلك". كان هذا عنوان ما كتبه السفير الأمريكي السابق جيمس جيفري في مجلة "فورين بوليسي".

من السيناريوهات المحتملة في حال نفذ ترامب وعوده بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، عزل واشنطن عن الوكالة الدولية وعن الدول التي شاركت في المفاوضات

يرى جيفري أن تجاهل سلوك إيران في الوقت الحالي أصبح يشكل تهديداً خطراً. وفي حين أن "خطة العمل الشاملة المشتركة" نفسها لم تبرر سياسات إيران الإقليمية ولم تمول حملاتها الاستكشافية، إلا أن الاتفاق شجع إيران على هذا السلوك. ومع ذلك، فإن هذا الواقع يدعو إلى ترك الاتفاق وشأنه، في مقابل أخذ شؤون أخرى في عين الاعتبار، ومنها الأزمة الجديدة التي تلوح في الأفق في منطقة الشرق الأوسط. ولأن الحلفاء الأوروبيين يبدون غير مستعدين لإبطال الاتفاق، وما يشكله ذلك من كارثة دبلوماسية في حال فعلت واشنطن العكس، يرى جيفري أن الأنسب هو اتخاذ تدابير ضد التهديدات الإيرانية من دون المس بالاتفاق، كما حصل عندما انضم الأوروبيون إلى الولايات المتحدة في تحدّيها لاختبار الصاروخ البالستي، على الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي أيّد "خطة العمل الشاملة المشتركة". ومن بين التدابير التي طرحها جيفري التركيز على إعادة النظر في مسألة منع وصول "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" إلى المنشآت العسكرية الإيرانية. كما يوضح السفير السابق أن القانون الذي أقره الكونغرس الأمريكي والذي يطالب الرئيس بأن يصادق على التزام إيران بالاتفاق يحدّد "الامتثال" وفق نطاق أوسع من "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وعليه ينصح الرئيس بإمكانية اعتبار إيران في حالة "عدم امتثال" بموجب هذا القانون من دون أن يوقف بالضرورة الامتثال الأمريكي لشروط "خطة العمل الشاملة المشتركة" أو يسمح للكونغرس الأمريكي بوقفه. ولأن الفقرة 36 من "خطة العمل" تتيح  للولايات المتحدة إعادة فرض عقوبات رمزية أو جزئية رداً على الإجراءات الإيرانية من دون الانسحاب من الاتفاق، يعد ذلك "خياراً جيداً" بالنظر إلى الظروف الحالية.

العامل الأوروبي... ودعم الاتفاق

ما يرجح كفة الاحتفاظ بالاتفاق هو العامل الأوروبي، حسب ما كتب دينيس روس، المساعد الخاص السابق للرئيس أوباما، موضحاً أن "الهدف الأمريكي في المرحلة الحالية يجب أن يتمثل بعزل إيران لا الولايات المتحدة". لماذا الخوف من عزل الولايات المتحدة؟ ما سبق من معطيات يؤكد أن الخيار الأمريكي بالانسحاب سيؤدي إلى عزل واشنطن عن كل من "الوكالة الدولية" وعن الدول التي شاركت في المفاوضات النووية. بينما تسعى واشنطن للتركيز على تصرفات إيران المسيئة، فإن انسحابها من الاتفاق سيعتبره حلفاؤها مسيئاً من جانبها. بحسب روس، الدول التي وقعت على الاتفاق - ومن بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا - غالباً ما بدت أنها راغبة في الاتفاق أكثر من الإيرانيين أنفسهم. وفي حين صرح الإيرانيون أنهم لن يتراجعوا عن القيود الصارمة التي وضعوها ما لم تُرفع العقوبات أولاً، نجد الولايات المتحدة تمعن في تشديد تلك العقوبات. وفي السياق نفسه، حسب ما ذكر ريتشارد نيفو وإيلان غولدنبرغ في "فورين بوليسي"، ثمة احتمال ضئيل في أن تستطيع الولايات المتحدة إقناع الموقعين الآخرين على الاتفاق والأطراف الثالثة بتنفيذ العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية، التي جلبت إيران إلى طاولة المفاوضات في المرّة الماضية. من هنا يقترح المعنيون أن تنسى إدارة ترامب "خطة العمل المشتركة الشاملة" التي يتسبب التركيز عليها بنفور الأوروبيين، وتسعى لتركيز جهودها على التهديدات الإيرانية الحالية ومحاولة إقناع الحلفاء، كما إيران، أنها تكبد الجميع أثماناً باهظة.

تجربة بوش... والمستقبل الغامض

على مقلب آخر، يعود السيناريو الأسوأ ليلوح في بعض التحليلات، كذاك الذي كتبته رئيسة المنظمة الإيرانية الأمريكية عن اتباع ترامب لخطى جورج بوش الابن. وتقول إن أراد ترامب التصويب على كوريا الشمالية يستحضر إيران والعكس صحيح، وهذه هي الورقة الأخيرة التي يحاول أن يلعبها في معرض نسف الاتفاق النووي. وتقول صاحبة كتاب "خسارة عدو - أوباما وإيران وانتصار الدبلوماسية" إن أوروبا تعارض توجهات ترامب للخلط بين الطرفين، فقد دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على سبيل المثال إلى أخذ المفاوضات النووية الإيرانية كنموذج للتعامل مع أزمة كوريا الشمالية. لم تنفع المعارضة الأوروبية في منع بوش من غزو العراق، كما قد تفشل في كبح أهواء ترامب، مع ذلك يعوّل عليها في منعه من التحول إلى بوش آخر حيث لا يهدد الاتفاق النووي فحسب، بل الشرق الأوسط بأكمله، ومعه أمريكا. في النهاية، بغض النظر عن موقف ترامب أو أي رئيس سيأتي لاحقاً، ينبئ البند المدرج في "خطة العمل الشاملة المشتركة" والذي يلزم الكونغرس الأمريكي أن ينهي رسمياً العقوبات على إيران مطلع عام 2024، بصعوبات ستواجه الاتفاق. الوصول إلى ذلك الوقت وعدم رفع العقوبات النهائية سيعنيان انتهاكاً للخطة. وهذا ما يعوّل عليه كثر، كجيفري، للضغط على المجتمع الدولي المؤيد ومراجعة الاتفاق دون إزعاج الحلفاء.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image