الرقص هو أقدم الطقوس الدينية، وفي حضارات الشرق القديم، عبّر الرقص بفنونه وحركاته ومعانيه عن اللقاء مع الآلهة، وعن التواصل الروحي مع الغيب.
وفي الثقافة الإسلامية، تجسد هذا الطقس في الصوفية، التي تعتمد أساساً على الروح مع فناء الجسد. حيث تصبح الحركـات والرقصـات الصـوفية التـي يؤديهـا المتصـوفة في مجالسـهم "حركـات تعبيريــة عــن حالــة التوحــد التــي يصــل إليهــا المتصــوفة"، والتي توصلهم إلى حالـة الاتحـاد والفنـاء فـي الخـالق.
عرف العرب الرقص كمرافق للطقوس الدينية، فكما يبين الباحثان إياد محمد حسين وعامر محمد حسين، في دراستهما المعنونة: "الرقص الصوفي ورمزية الحركات الراقصة"، أن العـرب مـا قبـل الإسـلام "كانوا يـؤدون طقوسـهم الدينيـة بحركـة دورانيـة مـن خـلال طـوافهم حول الكعبة"، وكانت تلك عادة "مصحوبة بالرقص والغنـاء والإيقاعـات وأدعيـة تقـدم فـي إطـار حركـي لـه طـابع احتفالي جماهيري"، وهو ما حرّم بعد الإسلام.
في أرجاء العالم الإسلامي، عبر تاريخه الغني، استخدمت شتى أنواع الموسيقى لترافق الرقص الصوفي، مع تلاواة من القرآن والشعر.
كانت أول جلسة سماع صوفية، في بغداد في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، أي التاسع ميلادياً. هناك، مع تلاوة موسيقية للشعر، وجد بعض الصوفيين أنفسهم يعبرون عن حالتهم الروحية بحركة دورانية. وفي بعض الأحيان، في حالة النشوة، كانوا يقومون بشق قمصانهم. وكان يتم جمع قطعها الممزقة بعناية، حيث كان يعتقد بأنها مليئة بالبركة.
ومنذ بدايته حتى اليوم، وجه للرقص الصوفي، وكل أشكال الحركة المرافقة للطقوس الدينية، انتقادات من رجال الدين الذين اعترضوا عليه لأسباب متنوعة، حتى أنّ الاعتراض عليه جاء من الصوفية أنفسهم، ممن حبذ أن يكون الرقص جزءاً متمماً وليس أساساً للتجربة الصوفية.
ولكن الرقص الصوفي للمؤمنين به هو شكل من أشكال التعبد والشكر والمناجاة للخالق. حتى أن الرومي في ديوانه، تصور أنّ الكون بكامله خلق في حركة تشبه الرقص استجابة لسؤال الخالق، في سورة الأعراف، آية رقم 172: "ألَسْتُ بربِّكُم".
فهو بذلك محاكاة لحركة النجوم والكواكب حول الشمس، أو حوم الفراشة فوق شعلة شمعة، لتصل حالة "الفناء" ومنها لتدخل بعداً روحياً أسمى.
ومن أصولٍ وتأثيرات صوفية، تطورت "رقصة التنورة"، التي تؤدّى بشكل جماعي بحركات دائرية تنبع من الحس الإسلامي الصوفي، غالباً ما تكون الرقصة على صوت تلاوة الدعاء، والذكر والمديح النبوي والمواويل الشعبية.
لرقصة التنورة، حس أدائي وكوريوغرافي عالٍ، فتمتاز بتناغم حركة الألوان والأصوات والراقصين، وكأن هناك حوار روحي بينها كلها.
تضيف رقصة التنورة إلى الرقص الصوفي، ألواناً مزركشة، وأنواعاً شعبية من الإيقاعات والحركات، وكذلك الآلات الموسيقية المرافقة.
رقصة التنورة في مصر موجهة إلى كل الناس وللسياح كذلك، على عكس الرقص الصوفي الذي بدأ في حلقات الذكر وحضره المتصوفة. ومن هنا نجد التركيز على الأدائية لتصبح أشبه باستعراض موسيقي راقص.
الصور من أداء لرقصة التنورة، في شارع المعز لدين الله الفاطمي (المعرف بـ"المعز") في القاهرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...