الرقص هو أقدم الطقوس الدينية، وفي حضارات الشرق القديم، عبّر الرقص بفنونه وحركاته ومعانيه عن اللقاء مع الآلهة، وعن التواصل الروحي مع الغيب.
وفي الثقافة الإسلامية، تجسد هذا الطقس في الصوفية، التي تعتمد أساساً على الروح مع فناء الجسد. حيث تصبح الحركـات والرقصـات الصـوفية التـي يؤديهـا المتصـوفة في مجالسـهم "حركـات تعبيريــة عــن حالــة التوحــد التــي يصــل إليهــا المتصــوفة"، والتي توصلهم إلى حالـة الاتحـاد والفنـاء فـي الخـالق.
DSC_388-1280x736
عرف العرب الرقص كمرافق للطقوس الدينية، فكما يبين الباحثان إياد محمد حسين وعامر محمد حسين، في دراستهما المعنونة: "الرقص الصوفي ورمزية الحركات الراقصة"، أن العـرب مـا قبـل الإسـلام "كانوا يـؤدون طقوسـهم الدينيـة بحركـة دورانيـة مـن خـلال طـوافهم حول الكعبة"، وكانت تلك عادة "مصحوبة بالرقص والغنـاء والإيقاعـات وأدعيـة تقـدم فـي إطـار حركـي لـه طـابع احتفالي جماهيري"، وهو ما حرّم بعد الإسلام.
DSC_323-848x1280
في أرجاء العالم الإسلامي، عبر تاريخه الغني، استخدمت شتى أنواع الموسيقى لترافق الرقص الصوفي، مع تلاواة من القرآن والشعر.
DSC_278-1280x1961
كانت أول جلسة سماع صوفية، في بغداد في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، أي التاسع ميلادياً. هناك، مع تلاوة موسيقية للشعر، وجد بعض الصوفيين أنفسهم يعبرون عن حالتهم الروحية بحركة دورانية. وفي بعض الأحيان، في حالة النشوة، كانوا يقومون بشق قمصانهم. وكان يتم جمع قطعها الممزقة بعناية، حيث كان يعتقد بأنها مليئة بالبركة.
ومنذ بدايته حتى اليوم، وجه للرقص الصوفي، وكل أشكال الحركة المرافقة للطقوس الدينية، انتقادات من رجال الدين الذين اعترضوا عليه لأسباب متنوعة، حتى أنّ الاعتراض عليه جاء من الصوفية أنفسهم، ممن حبذ أن يكون الرقص جزءاً متمماً وليس أساساً للتجربة الصوفية.
DSC_0274-1280x754
ولكن الرقص الصوفي للمؤمنين به هو شكل من أشكال التعبد والشكر والمناجاة للخالق. حتى أن الرومي في ديوانه، تصور أنّ الكون بكامله خلق في حركة تشبه الرقص استجابة لسؤال الخالق، في سورة الأعراف، آية رقم 172: "ألَسْتُ بربِّكُم".
فهو بذلك محاكاة لحركة النجوم والكواكب حول الشمس، أو حوم الفراشة فوق شعلة شمعة، لتصل حالة "الفناء" ومنها لتدخل بعداً روحياً أسمى.
DSC_238-1280x738
ومن أصولٍ وتأثيرات صوفية، تطورت "رقصة التنورة"، التي تؤدّى بشكل جماعي بحركات دائرية تنبع من الحس الإسلامي الصوفي، غالباً ما تكون الرقصة على صوت تلاوة الدعاء، والذكر والمديح النبوي والمواويل الشعبية.
DSC_203-1280x640
لرقصة التنورة، حس أدائي وكوريوغرافي عالٍ، فتمتاز بتناغم حركة الألوان والأصوات والراقصين، وكأن هناك حوار روحي بينها كلها.
DSC_115-1280x824
تضيف رقصة التنورة إلى الرقص الصوفي، ألواناً مزركشة، وأنواعاً شعبية من الإيقاعات والحركات، وكذلك الآلات الموسيقية المرافقة.
DSC_110-1280x796
رقصة التنورة في مصر موجهة إلى كل الناس وللسياح كذلك، على عكس الرقص الصوفي الذي بدأ في حلقات الذكر وحضره المتصوفة. ومن هنا نجد التركيز على الأدائية لتصبح أشبه باستعراض موسيقي راقص.
DSC_046-1280x848 الصور من أداء لرقصة التنورة، في شارع المعز لدين الله الفاطمي (المعرف بـ"المعز") في القاهرة.









رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يوممقال أكثر من رائع. قمة الإبداع والرقي. شكرا.
Salim Abdali -
منذ يوميناتابع يومياتك الأليمة، وشكرا يا شاعر لنقلك هذه الصور التي رغم الالام التي تحملها، الا انها شهادات تفضح غياب الضمير الانساني!
مستخدم مجهول -
منذ يومينماذا لو أن النبي بداية منذ أواخر سنواته الشريفات وحتى اليوم كان محروماً من حقوقه في أمته مثلما أن المرأة قد حرمت حقوقها وأكثر؟ وأنه قد تم إيداعه "معنوياً" في غرفة مقفلة وأن كل من تصدر باسمه نشر فكره الخاص باسمه بداية من أول يوم مات فيه النبي محمد؟ إن سبب عدم وجود أجوبة هو انحصار الرؤية في تاريخ ومذهب أو بالأحرى "تدين" واحد. توسيع الرؤيا يقع بالعين على مظلومية محمد النبي والانسان الحقيقي ومشروعه الانساني. وجعل القرءان الدستور الذي يرد اليه كل شيء والاطلاع إلى سيرة أهل البيت بدون المزايدات ولا التنقصات والتحيزات يرتفع بالانسان من ضحالة القوقعة المذهبية إلى جعل الإنسان يضع الكون كاملاً والخليقة أمام عينيه ولا يجعله يعشق التحكم في الآخر.
إن وصف القرءان للنساء بأنهم نساء منذ طفولتهن بعكس الرجال الذين هم بنين ثم يصيرون رجالاً هو وصف بأن المرأة منذ الصغر تولد أقرب بكثير للتقوى الذي هو النضج وكف العدوان بينما للرجل رحلة طويلة في سبيل التقوى التي هي كف العدوان وليس فقط تدوير المسبحات في الأيدي.
مشروع محمد لم يكتمل لأن "رفاقه" نظروا له على أنه ملك ويجب وراثته والتعامل مع تراثه كملك. أما الذين فهموا مشروعه وكانوا أبواب المشروع الانساني فقد تم قتلهم وتشريدهم وفي أحسن الاحوال عزلهم السياسي والثقافي حتى قال الإمام علي أنه يرى تراثه نهباً أي منهوب.
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياماوجدتي أدلة كثيرة للدفاع عن الشر وتبيانه على انه الوجه الاخر للخير لكن أين الأدلة انه فطري؟ في المثل الاخير الذي أوردته مثلا تم اختزال الشخصيات ببضع معايير اجتماعية تربط عادة بالخير أو بالشر من دون الولوج في الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والمستوى التعليمي والثقافي والخبرات الحياتية والأحداث المهمة المؤسسة للشخصيات المذكورة لذلك الحكم من خلال تلك المعايير سطحي ولا يبرهن النقطة الأساسية في المقال.
وبالنسبة ليهوذا هناك تناقض في الطرح. اذا كان شخصية في قصة خيالية فلماذا نأخذ تفصيل انتحاره كحقيقة. ربما كان ضحية وربما كان شريرا حتى العظم ولم ينتحر إنما جاء انتحاره لحثنا على نبذ الخيانة. لا ندري...
الفكرة المفضلة عندي من هذا المقال هي تعريف الخير كرفض للشر حتى لو تسنى للشخص فعل الشر من دون عقاب وسأزيد على ذلك، حتى لو كان فعل الشر هذا يصب في مصلحته.
Mazen Marraj -
منذ 5 أياممبدعة رهام ❤️بالتوفيق دائماً ?
Emad Abu Esamen -
منذ 6 أياملقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي