تُظهر إحصاءات دوليّة أن عدد حسابات المشتركين المصريين على فيسبوك وصل إلى 33 مليون حساب، وهو رقم يبدو ضخماً إذا ما قورن بعدد المستخدمين للموقع في دول أخرى في الشرق الأوسط، فماذا يخبئ النظام لهذا العدد الكبير من المستخدمين؟ يمكن أن نفهم من التصريح الأخير لوزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري ياسر القاضي حول أن "مصر سيكون لديها فيسبوك خاص بها قريباً جداً" كيف أن أمر الفيسبوك يشغل بال النظام، الذي لن ينسى أن الموقع العالمي الشهير أسهم بشكل فاعل في ثورة 25 يناير عام 2011. تصريح وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات جاء خلال كلمته في ورشة عمل نظمتها وزارة العدل المصرية، وقد عزا القاضي "إنشاء فيسبوك مصري" إلى ضرورة "أن تكون لدينا القدرة كدولة مصرية على حماية البيانات وحماية المواطنين بهدف حماية استقرار الدولة"، لافتاً إلى أن مصر يمكن أن تكون فاعلاً على المستوى الدولي والعالمي في مجالات التواصل الاجتماعي وليس مفعولاً بها، على حدّ قوله. ويُذكر هنا أن الورشة التي تحدث فيها القاضي كان الهدف الرئيس منها هو الإعلان عن الانتهاء من مشروع جرائم المعلومات الإلكترونية، والذي يُعدّ مشروع تعاون بين وزارة الاتصالات وبين قسم مكافحة الإرهاب في وزارة العدل. الهدف المعلن من هذا المشروع هو "حماية بيانات المواطنين وعدم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمنابر لنشر الفكر المتطرف"، لكن الهدف الخفي، بحسب مراقبين حقوقيين، هو إرساء مزيد من الرقابة على الإنترنت في مصر. وقد تسبّب إعلان القاضي عن "فيسبوك مصري" بموجة شديدة من الجدل في مصر، وتخوف بعض النشطاء من أن يكون هناك نيّة للحكومة المصرية بغلق موقع فيسبوك، مع أن وزير الاتصالات نفى ذلك لعدة وسائل إعلام مصرية، قائلاً إنه "لا توجد نيّة لغلق فيسبوك في مصر".
ما الذي قصده الوزير المصري بتصريحاته إذاً؟
حاول رصيف22 التواصل مع وزير الاتصالات المصري للحصول على معلومات أكثر تفسر ما الذي قصده بتصريحاته، من دون أن يحصل على ردّ منه. وبعد اتصالات عدّة بمكتبه أجاب المسؤول الإعلامي في الوزارة محمد خضر، وشرح لرصيف22 أن الوزير لم يقصد أن مصر ستُغلق موقع فيسبوك بهدف إنشاء موقع مصري منافس، موضحاً أن الدولة المصرية "لا تفكر في عمل موقع مشابه أصلاً لموقع الفيسبوك". ورغم أن تصريحات القاضي كانت واضحة في هذا الشأن، إلا أن خضر اعتبر أن وسائل الإعلام لم تكن دقيقة في نشر ما قصده الوزير، مضيفاً أن الوزارة لن تقوم أبداً بما أسماه "تقليد أو نسخ" أفكار أخرى، وبالتالي في حالة عمل موقع تواصل اجتماعي مصري لن يكون نسخة من موقع فيسبوك، بل فكرة مختلفة تماماً عنه.الإعلان عن فيسبوك خاص بمصر أظهر كيف يشغل موقع التواصل الاجتماعي بال النظام
شهدت الأعوام الماضية مبادرات عدّة لغلق موقع فيسبوك أو تقنين استخدامه، من ضمنها اقتراح بدل مادي يدفعه من يريد أن يكون لديه حساب على فيسبوكوشرح المسؤول الإعلامي أن الوزير "أراد من تصريحه أن يقول أن مصر بها الكثير من المبرمجين الشباب المميّزين القادرين على صناعة تطبيقات ومواقع متميزة قادرة على المنافسة على مستوى العالم".
"أغلقوا فيسبوك"
رغم أن الوزير أكد أن لا نيّة لإغلاق فيسبوك، لكن تظهر خطوات عدة يقوم بها محامون ونواب مقربون من النظام أن هناك رغبة في أن تتحكم الدولة في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام، وفي موقع فيسبوك باعتباره أشهر تلك المواقع بشكل خاص. في العام 2015، مثلاً، رفع محام مصري هو محمد سالم دعوى تطالب بغلق فيسبوك في مصر لأن "أجهزة الاستخبارات الخارجية استخدمته هو وتويتر قبل ثورة 25 يناير وحتى الآن، في إشعال التظاهرات والتحريض على أعمال العنف والقتل وإشعال النيران في الممتلكات العامة والخاصة داخل مصر"، على حدّ قوله. لكن لحسن حظ ملايين من مستخدمي فيسبوك في مصر، رفضت محكمة القضاء الإداري، ومقرّها القاهرة، تلك الدعوى، بعد جلسات استمرت أشهراً عدة. في المقابل، لم يمنع استخدام موقع فيسبوك من قبل نواب كثر، ولجوء أغلبهم إلى إنشاء صفحات خاصة عليه يتحدثون بها عن "إنجازاتهم"، بعض النواب من اتخاذ موقفٍ معادٍ لموقع التواصل الاجتماعي الشهير. في أبريل عام 2017، طالب بعض النواب بأن يكون هناك بدل مادي يدفعه من يريد أن يكون لديه حساب على فيسبوك، وبرّر هؤلاء النواب طلبهم، الذي وجده الكثير من المصريين مثيراً للسخرية، بـ"مواجهة من يستخدمه فى التحريض على العنف أو العمليات الإرهابية". وفي نوفمبر من العام نفسه، قدّم النائب رياض عبد الستار ما وصفه بأنه "مشروع قانون تقنين موقع فيسبوك"، ومن خلاله اقترح النائب أن تكون هناك إدارة مصرية مهمتها الأساسية منح ترخيص لمن يرغب في عمل حساب على الموقع. وقد أثارت تفاصيل مواد القانون حينها تعجّب كثيرين، كما حين طالب النائب مثلاً بمنح جميع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في مصر مهلة لتقنين أوضاعهم طبقاً لقانونه، على أن يتم وقف الخدمة عنهم إذا لم يقوموا بذلك. وأشارت إحدى مواد مشروع القانون أن "يعاقب من يخالف أحكام هذا القانون بالحبس لمدة ستة أشهر والغرامة المالية أو بإحدى هاتين العقوبتين". ويأتي اقتراح الوزير الجديد، وما سبقه من اقتراحات ومبادرات بشأن فيسبوك، في وقت تتهم عدة منظمات حقوقية مصر بالتضييق على الإنترنت. وقد بيّن، على سبيل المثال، تقرير حديث أصدرته "مؤسسة حرية الفكر والتعبير"، وهي منظمة مجتمع مدني مقرها القاهرة، أن عدد المواقع التي تمّ حجبها في مصر مؤخراً اقترب من 500 موقع.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...