بثلاثة مصطلحات: المقاطعة، سحب الاستثمارات، فرض العقوبات، أو ما يسمّى BDS، أي Boycott, Divestment and Sanctions. هذه هي الحرب السلمية التي تتفق على شنّها العديد من الدول والمؤسسات والأفراد في العالم، لمضاعفة الضغوط النفسية والاقتصادية على إسرائيل. كيف يتمّ ذلك؟
انطلاقاً من انتهاكات إسرائيل المستمرة للقانون الدولي وللمئات من قرارات الأمم المتحدة التي دانت سياستها الاستعمارية غير القانونية، ناشدت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في يوليو 2005 جميع منظمات المجتمع المدني في العالم فرض مقاطعة واسعة لسياسة إسرائيل وتطبيق سحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، في خطوات مشابهة لتلك التي تم تطبيقها بنجاح ضد جنوب أفريقيا خلال فترة الأبارتهايد (نظام الفصل العنصري).
من واجب المجتمعات المدنية التصعيد بالخطوات والضغوط السلمية حتى تتحقق النقاط الأساسية التي قد تحرر الفلسطينيين من قبضة إسرائيل: إنهاء الاحتلال وتفكيك الجدار الفاصل، الاعتراف بالحق الأساسي بالمساواة الكاملة للمواطنين الفلسطينيين، وحماية ودعم حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم وفق قرار الأمم المتحدة رقم 194.
إذا قيّمنا السنوات التي مضت على انطلاقة حركة مقاطعة إسرائيل، نلاحظ تصاعداً في التحركات المقاطعة وانضماماً أوسع للمؤسسات المدنية والرسمية في العالم، وهذا ما أصبح يسبب خسائر كبيرة لإسرائيل، باللغة الاقتصادية والاستراتيجية والمعنوية. الأمر الذي ساهم في انتشار الرسالة هو تأسيس أسبوع مقاومة الأبارتهايد الإسرائيلي منذ 10 أعوام، هدفه التثقيف في شأن سياسات وممارسات إسرائيل الاستعمارية ودعم الحملة العالمية لمقاطعتها.
اُتخذت عقوبات عدة في بداية عام 2014 من قبل صناديق استثمار وبنوك وحكومات أوروبية في حق مؤسسات وبنوك إسرائيلية متورطة في الممارسات الإسرائيلية.
قدّرت خسائر الشركات الإسرائيلية التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي بنحو 30 مليون دولار أميركي خلال الشهرين الأولين من 2014، وخلال الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزة، جرى إلغاء صفقات كبيرة تجمع شركات إسرائيلية بشركات دول أخرى، لتتكبد إسرائيل خسائر لم تكن خفيفة الحمل. مثال على ذلك، أبطلت السويد صفقة استيراد مهمة من الشركة المنتجة لعصير Priniv، بعد أن حاولت الأخيرة إقناع السويد باستيرادها من دون أن تستخدم أي علامة توضح أن المنتج صنع في إسرائيل، عوضاً عن الخسائر التي طالت الشركة جراء سوء علاقاتها مع زبائن في بلجيكا وفرنسا، والتي تقدر وفق حملة المقاطعة، بنحو 500 ألف دولار.
حتى اليوم، خرجت مؤسسات عدة من العالم عن صمتها لترفض الممارسات الإسرائيلية وتمتنع عن التعامل مع مؤسساتها، نذكر منها، بحسب حملة المقاطعة، دخول شركة Agrexco الزراعية، المصدّرة الأولى سابقاً في إسرائيل، في سياسة تصفية نهاية عام 2011 نتيجة مقاطعة 13 دولة أوروبية لها.
أضف إلى ذلك، قرار مجموعة الـCo-operative البريطانية، وهي إحدى أكبر التعاونيات في أوروبا، مقاطعة الشركات التي تتعاون مع منتجات مصدرها المستوطنات الإسرائيلية، والحملة التي أقيمت ضد شركة Ahava الإسرائيلية للمستحضرات التجميلية، والتي أجبرتها على إغلاق متاجر لها في لندن والنروج واليابان وكندا.
وقد حذّر وزير المال الإسرائيلي يائير لابيد Yair Lapid في يوليو الماضي من أن العالم أجمع بما فيه الولايات المتحدة، يفقد تعاطفه وصبره حيال إسرائيل وسياستها الوحشية، وهو ما ينتج عنه أثر كبير على الاقتصاد الإسرائيلي، مثل قطع المستثمر الهولندي العملاق PGGM والبنك الدنماركي Danske Bank والألماني Deustche Bank علاقتها المالية مع بنوك إسرائيل.
علماً أن بلديات عدة في أوروبا وأستراليا كانت رفضت منح عقود تساوي 14 مليار دولار للشركة الفرنسية Veolia بسبب تقديم هذه الشركة خدمات تتعلق بالبنية التحتية للمستوطنات، عوضاً عن تخلي بضعة بنوك أوروبية عن شركة النقل الفرنسية العملاقة Alstom. الأمثلة تتكاثر في ما يتعلق بفرض العقوبات، ومنها إعلان تركيا والنروج وقف علاقاتهما العسكرية مع إسرائيل.
تحاول حركة المقاطعة تسليط الضوء على 7 شركات متواطئة بصورة واضحة مع فرض الاحتلال الاسرائيلي، لتحوز دعم المؤسسات الدولية، وهي شركة آتش بي HP أو Hewlett Packard، لكونها تشارك في الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي من خلال توفير خدمات تكنولوجيا المعلومات وحلول البنية التحتية لقوات الاحتلال.
شركة كاتربيلار Caterpillar التي استخدمت حفاراتها لإعمار الجدار الفاصل وجرافاتها لتدمير بيوت ومزارع الفلسطينيين. شركة سودا ستريم SodaStream التي تدفع ضرائبها لتمويل الهجوم الإسرائيلي على غزة. مصنّعة الطائرات دون طيار Elbit Systems ألبت سيستمز التي تستخدمها إسرائيل للهجوم على المدنيين في غزة. شركة الأمن البريطانية G4S التي تزوّد الجيش الإسرائيلي بمعدات تستخدم في السجون. شركة Mekorot ميكوروت المسؤولة عن قطع المياه عن فلسطينيي غزة، بالإضافة إلى المصارف الإسرائيلية التي تموّل المستوطنات.
لا يمكن اختصار أمثلة المقاطعة والشركات التي يجب معاقبتها في جدول واحد، ولكن كل فردٍ منا أينما وجد، يستطيع أن يلتفت إلى المنتجات التي يستهلكها من سلع غذائية وإلكترونيات وكماليات الحياة اليومية، وتفادي تلك التي يساهم مردودها في دعم اسرائيل.
هذه اللائحة تذكر على نحو مفصل المنتجات التي نستهلكها يومياً والتي لها علاقة بطريقة أو بأخرى بالاحتلال القائم على الأراضي الفلسطينية. من أبرز تلك منتجات: نستله Nestle، ولوريال L’Oreal، وكوكا كولا Coca Cola وموتورولا Motorolla وفيكترويا سيكرتس Victoria’s Secret.
من جهة أخرى، تملك المقاطعة العربية لإسرائيل تاريخاً قديماً يعود إلى مطلع العشرينيات من القرن الماضي، عندما تم اقتراح مقاطعة الأعمال والتجارة مع اليهود خلال المؤتمر العربي الخامس في نابلس. في الثلاثينيات، انتشر هذا المفهوم أكثر فأكثر في المؤتمرات والاجتماعات العربية، بالإضافة إلى قرار شركات بترولية كبيرة عدم تلزيم أعمالها لإسرائيل.
بحسب تقرير لمركز الصحافة الأجنبية التابع لوزارة الدّفاع الأميركية، قاطعت الجامعة العربية بأعضائها الـ23 في الأربعينيات المنتجات والخدمات الإسرائيلية، إلى أن عملت الولايات المتحدة على إنهاء تلك المقاطعة على الصعيد الدولي، عبر إقرار قوانين تجعل المقاطعة حركة غير قانونية في الولايات المتحدة، وتفرض العقوبات على الشركات المقاطعة.
ذلك الضغط الذي مارسه الكونغرس الأميركي، دفع بعض الدول العربية إلى تبادل المنتجات والخدمات بطريقة سرية مع إسرائيل في بادئ الأمر، إلى أن باشرت الدول العربية واحدة تلوى الأخرى، الانسحاب من تطبيق المقاطعة، وهكذا وقعت مصر (1979) والسلطة الفلسطينية (1993) والأردن معاهدات سلام واتفاقات أنهت المقاطعة. موريتانيا، التي لم تطبق المقاطعة يوماً، أوجدت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ العام 1999. الجزائر والمغرب وتونس لا تفرض أي مقاطعة. أما البلدان الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي (البحرين، الكويت، عمان، قطر، السعودية، والإمارات المتحدة العربية) فقد أعلنت في العام 1996 ضرورة إنهاء المقاطعة مع إسرائيل كخطوة نحو السلام والنمو الاقتصادي في المنطقة.
تبقى هوية المقاطعة العربية لإسرائيل متعلقة بالأفراد والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية التي تصرّ عليها رغم الضغوط السياسية والاقتصادية، وهو ما يجعل القرارات السياسية على صعيد الدولة، نظرية أكثر منها فعلاً تطبيقياً، في معظم الأحيان. للمبادرات الفردية تأثير ملحوظ على انتشار المقاطعة عالمياً.
في هذا الصدد، نذكر حملة "من أجل غزة: حاصر حصارك" التي أقيمت على موقع Avaaz وجمعت نحو مليوني توقيع ضد بعض الشركات التي تخدم الدولة الإسرائيلية، لكونه هو الحل المرجو لإنهاء العدوان على أهل فلسطين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين