ارتدت إسراء عودة وربا عطاالله الثوب الفلسطيني التقليدي، وجلستا على أريكة داخل استوديو تلفزيوني مجهز، لعرض البرنامج التلفزيوني الأول لهما، لتطلا على شاشة قناة جديدة، خُصصت للنساء، افتتحت في مدينة غزة خلال هذا الأسبوع. لحظات كانت تفصل بين جلوسهما على الأريكة المقابلة الكاميرا الموجهة إلى كلتيهما، وبدء مخرج البرنامج العد التنازلي من الخمسة وصولاً إلى الصفر. في هذه اللحظة، لم تستطع المذيعتان الحديثتا العهد العمل التلفزيوني أن تخفيا القلق البادي على وجهيهما. كان ظهورهم على قناة طيف، وهي قناة فلسطينية تعمل، بحسب وصفها، وفق رؤية شبابية حرة، تهتم بقضايا المرأة وتعتبرها كل المجتمع بما تمثل من مكونات. تبث موادها وبرامجها عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة بتقنية عالية وفق رؤية إعلامية واضحة. تقوم فكرة البرنامج الذي تقدماه على استقبال ضيوف داخل الاستوديو لمحاورتهم بموضوعات لها علاقة بشكل أساسي بدور المرأة الفلسطينية في مجتمعها، حيث إن القناة تتناول في خطة برامجها جميع القضايا المتعلقة بالمرأة سواء كانت أماً، امرأة عاملة، ناشطة سياسية أو حتى ريادية، وهنا تكمن أهمية هذه القناة، وفق خبراء إعلاميين. خمس عشرة دقيقة كانت صعبة على المذيعتين، بدت أعصابهما مشدودة، ولم تسترخيا إلّا بعد سماع تصفيق المخرج وثنائه على أدائهما. ولعل وجود ضيفة الحلقة الأولى الدكتورة مريم أبو دقة، وهي ناشطة في الحركات النسوية، هو الذي خفف وطأة قلق الفتاتين، حيث إنها ليست المرة الأولى التي تطل فيها عبر شاشات التلفاز، وحضورها ساهم بشكل كبير في تفاديهما أخطاء كثيرة أمام الكاميرا. تقول عودة: "لا أعتقد أن هناك شيئاً أفضل من وجود نساء من غزة يُدرنَ قناة خاصة بهنّ في القطاع، حيث يمكن اللاتي يعانين، أن يتحدثن براحة أكثر عن حياتهن وعملهن ومعاناتهن من الظروف المحيطة بهن".
"حان الوقت لتكون للمرأة الفلسطينية قناة خاصة تكون بعيدة تماماً من الخلافات السياسية الداخلية"
"لا أعتقد أن هناك شيئاً أفضل من وجود نساء من غزة يُدرنَ قناة خاصة بهنّ في القطاع"وتقول زميلتها عطاالله:" أنا حبيت أعمل في قناة طيف لأن فكرتها مميزة بتحمل شي أنا كنت بستنى أكبر لأعمل فيه وأحاول أغيره في الواقع الفلسطيني، واللي هو فكرة سيطرة الذكور أو الرجال على جميع مناحي الحياة ونجاحاتها، وهذا يتعارض مع نصوص القوانين اللي صنفت الحقوق بعيداً من التصنيف الجنسي وبعدت ربط الكفاءات بالجنس، انطلاقاً وإيماناً مني بأن المرأة صانعة وخلّاقة وقادرة دائماً على أن تكون محل ثقة في المجالات كلها. قناة "طيف للمرأة الفلسطينية" تبث محتواها عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وفق ما تقول الإعلامية منى عوكل، المديرة العامة للقناة. تضيف عوكل: "قناة طيف، هي قناة فريدة وهي الأولى من نوعها وتم افتتاحها خلال هذا الأسبوع لتكون مثالاً لجميع مؤسسات الإعلام الفلسطينية التي تبث عبر شبكة الإنترنت ووسائل التواصل". وقد كانت حريصة على رؤية المذيعتين وهما تقدمان العرض الأول لهما، بعد تدريبهما لأكثر من شهرين. وحول التحديات التي تواجه قناة المرأة الجديدة، قالت عوكل: "للأسف! لا تتوافر موازنة كبيرة لهذه القناة، وجميع العاملات هنا من اللواتي تخرجن حديثاً في كليات الإعلام، ويعملن في القناة متطوعات ويطمحن للحصول على خبرة مهنية وعملية"، لكنها تأمل بأن تحصل القناة على تمويل ومساعدات مالية يمكن أن تساهم بشكل كبير في استمرار عملها، وفق تعبير عوكل. وتشير عوكل إلى أن قناة طيف لا تدعو إلى تمرد المرأة، بل إلى إعطائها الفرصة المناسبة لتعبر عن نفسها وتكون موجودة في المجتمع بمنطلقات اجتماعية وسياسية وثقافية مقبولة، موضحة أن تسمية قناة طيف جاءت من روحية المرأة الخفيفة، وأيضاً لأنها تمثل أطياف المجتمع كلها. وقناة طيف لا تتبع لأي حزب، إنها فكرة ومبادرة شبابية من صحافيين وحقوقيين وأطباء، ونحن رفضنا أن ننضم إلى أي جهة أو منظمة. أيام قليلة مضت على بث القناة محتواها الإعلامي بشكل رسمي، لكنها لم تدم. ففي بداية الأسبوع الماضي، مُنعت القناة من جانب مكتب الإعلام الحكومي الذي تديره حركة حماس من تنظيم احتفال لإعلان افتتاح قناة المرأة الجديدة "طيف". وبعد أن كان العاملون والعاملات جميعاً في القناة يستعدون للاحتفال، تلقت عوكل مكالمة هاتفية من مكتب الإعلام الحكومي، يخبرها بشكل رسمي بأنهم ممنوعون من تنظيم أي احتفال، لأنهم "لم يتقدموا بطلب للحصول على إذن لتنظيمه، إضافة إلى أن التراخيص الرسمية لافتتاح القناة لم تكن جاهزة بعد"، حسب قول مندوب المكتب الإعلامي التابع لحماس. أكدت عوكل أن ما ورد في المكالمة الهاتفية ليس صحيحاً، قائلة في بيان صادر من إدارة القناة: "تأسف إدارة قناة طيف للمرأة الفلسطينية لعدم تمكنها من تنظيم حفل انطلاقتها، بسبب منعها من مكتب الإعلام الحكومي في غزة. وتؤكد إدارة القناة أنها أحد برامج مؤسسة حيفا للإعلام والاتصال بالشراكة مع شركة كلر بارز للإنتاج الإعلامي وهما مؤسستان مرخصتان لدى مكتب الإعلام الحكومي ووزارة الاقتصاد ويحق لهما ممارسة عملهما الإعلامي بإنشاء موقع على الإنترنت وصفحات على منصات التواصل الاجتماعي، وهذا لا يتعارض مع القانون الفلسطيني بل هو من ضمن أبجديات العمل الإعلامي الحر. ونأسف للادعاءات التي أصدرها مكتب الإعلام الحكومي في غزة في بيانه، ونؤكد أن أوضاعنا القانونية سليمة ولا تتعارض مع أحكام قانون المطبوعات والنشر، مع العلم أننا حصلنا على ترخيص وزارة الداخلية في غزة لتنظيم حفل إطلاق القناة". لا تزال حركة حماس الإسلامية تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007، بشكل كامل على الرغم من توصلها إلى اتفاق للمصالحة في القاهرة مع فتح في أكتوبر نص على أن تسلم حماس الحكم في قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية التي تقودها حكومة الدكتور رامي الحمدالله. وتشدد عوكل على أن "القناة هي بمثابة منصة رائدة لمساعدة النساء الفلسطينيات اللاتي دفعن ثمناً باهظاً خلال عقود عدة في الصراع الفلسطيني، من خلال ذكرهن فقط كأمهات للشهداء والأسرى". مضيفة: "حان الوقت لتكون للمرأة الفلسطينية قناة خاصة تكون بعيدة تماماً من الخلافات السياسية الداخلية، وتتحدث عنها ككيان أساسي في المجتمع وليست منسوبة إلى أي جهة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...