في دور استعراضي يقوم به داخل مستشفى أمراض السرطان للأطفال في غزة، تتماثل شخصية تشارلي شابلن من جديد عبر فنه المحمل فكاهة وكوميديا، مداعباً الأطفال المرضى وهم على أسرّة المرض، فالدواء وحده لا يكفي. رغم أنه لا يشبهه، ولا يرتدي زيه أو ملابسه، إلا أن عبدالله أبو شعبان (22 سنة) يعتبر نفسه شابلن القطاع، ويُسخر فنه لإسعاد أطفال المرضى بالسرطان.
كل صباح….
يصحو مبكراً ليجهز عتاده وملابسه الخاصة به، مرتدياً بنطالاً ضيقاً، وعلى خصره قطعة قماش مزركشة وحذاء ملون، وتعتلي رأسه قبعة يخبئ داخلها ألعاباً. وعلى أسرّة المرض يرسم البهجة ويدخل الفرحة إلى قلوبهم، يستخدم لغة الصمت مكتفياً بحركاته المقتبسة من تشارلي شابلن، فيجالسهم ويمازحهم ويبدأ اللعب معهم يومياً. قبل 10 سنوات، عانى من صعوبة في التنفس نقل على إثرها إلى المستشفى. وبعد إجراء الفحوصات، تبين وجود ورم كبير الحجم في الصدر، كان يسبب له الألم المبرح كونه يضغط على الرئة ويحرك القلب إلى الجهة اليمنى. يقول عبدالله لرصيف22: "بعد ليال مريرة عانيت فيها الأمرين... تحكم الألم في كل أنحاء جسدي، ولم أستطع القيام بأي حركة. وبعد الفحوصات الطبية، تبيّن أنني مصاب بمرض سرطان العظم من نوع EWING Sarcoma حجمه 13*15 سم. ولا يزال الألم في ذاكرتي حتى اللحظة...". &feature=youtu.be بدأت رحلة علاجه من غزة بعد أن اكتشف المرض، فقرر الأطباء إجراء عملية استئصال، لكنهم تراجعوا عن القيام بهذه الخطوة لما فيها من خطورة كبيرة على حياته. يضيف: "من ثم، تم إرسالي إلى إسرائيل عام 2007، فخضعت لجلسات علاج كيماوي قبل إجراء العملية التي كانت مقررة". "فبعد أول جرعة علاج كيماوي، أصبت بمضاعفات سلبية أحدثت التهاباً دماغياً – مرة لكل مليون حالة – فغبت عن الوعي لثلاثة أيام، حينذاك لم يكن هناك أي مؤشر إلى استقرار حالتي، وبعد استفاقتي تم استبدال نوع العلاج بعلاج آخر، بحيث اتبع الأطباء برنامجاً علاجياً مكوناً من ست جرعات"، هذا ما أضافه. بعد جولة العلاج التي خضع لها في المستشفى الإسرائيلي، تماثل للشفاء فور استئصال الورم، الذي تبعته زراعة نخاع عظمي. بعد الشفاء، أصبح عنده شغف داخلي، بأن يقدم شيئاً للمرضى الذين كان يوماً ما واحداً منهم كتعبير عن الامتنان لشفائه، وليوصل رسالة إلى العالم بأنه لا يوجد شيء مستحيل مع الإرادة، هذا ما أشار إليه.الدافع إلى تقمص شخصية تشارلي شابلن
يقول بعد أن أتممت دراستي الثانوية العامة، لم أستطع دراسة الطب أو التمريض، فبحثت عن عمل أستطيع من خلاله مساعدة هؤلاء المرضى فلجأت إلى العلاج المكمل وهو العلاج من طريق الفكاهة "التهريج الطبي وتقليد الشخصيات".لماذا تشارلي شابلن إذاً؟
"تقمصي شخصية تشارلي شابلن لم يكن مقصوداً أو اختيارياً، فقد نشأت على حب هذه الشخصية وتعلم الكثير منها. فشابلن لم يكن مجرد شخصية كوميدية فحسب، بل كان مدرسة كوميدية توارثها الجميع من بعده". يقول أن رحلته مع التهريج بدأت حين اقتحم غرفته في المستشفى أحد المهرجين واعتقد أنه شخص مجنون بسبب ملابسه. "لم يسبق لي أن رأيت مهرجاً داخل مستشفى، ودائماً كان في ذهني أنه مكان للعلاج والألم. ولكن بعد أن تعامل معي واستطاع تغيير حالتي النفسية إلى الأفضل، تأثرت به وأحببت عمله..." هذا ما قاله عبدالله أبو شعبان. والآن، يعمل متطوعاً في مستشفيات قطاع غزة والأقسام التابعة لوزارة الصحة، ويقوم بالتواصل مع منظمات ومؤسسات عدة لعرض فكرته، والمساعدة في خلق عمل مشترك معها. من المخاوف التي يخشاها ازدياد الجهل عند فئة من المجتمع، والتي لا تقدر الدور، بحسب قوله، الذي يقوم به لإسعاد الأطفال المرضى. "هناك من يعتبرك شخصاً أحمق"، يقول لرصيف22. ويضيف: "إلى جانب تجاهل المسؤولين دورنا كمهرجين، ووضع عراقيل في طريق أداء مهماتنا، بدلاً من تقديم الدعم المادي والمعنوي.النهايات ليست دائماً سعيدة...
قبل أيام عدة، كنت أتصفح (الفايسبوك) وكانت والدة أحد الأطفال المرضى صديقة عندي، فتحدثت إليها وسألتها عن حالة ابنها؟ فكان الرد القاتل منها بأنه توفي". "أشعر بالحزن الكبير على أشخاص أحبوني وأحببتهم ثم فارقوا الحياة، هذا أمر يوجع القلب، بخاصة أنك تدرك عدم رؤيتهم ثانية ولن تلعب معهم ولن تدوي ضحكاتهم في أذنيك مرة أخرى..."، يضيف. يحلم أولاً وأخيراً، في أن ينخرط في دائرة التهريج الطبي، وأن يستمر الدور الذي يقوم به، بحيث يصبح مهنته الرئيسية لا مجرد عمل تطوعي ليستطيع من خلاله أن يثبت نفسه بجدارة من خلال الوصول إلى قلوب الناس، وأن يكون سبباً في إسعادهم، خصوصاً الأطفال المرضى بالسرطان.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...