تجد شبكة "الجزيرة" القطرية نفسها اليوم في مرمى سهام الكونغرس وقانون "العميل الأجنبي"، بعدما وُجّهت إليها الاتهامات بقيادة عمليّة تجسس - تدعمها قطر - على يهود أمريكيين ومنظّمات داعمة لإسرائيل. في العام 1938، أقرّ الكونغرس الأمريكي قانون "العميل الأجنبي" الذي يتضمّن تسجيل المنظمات غير التجاريّة والتي تمارس العمل السياسي بتمويل خارجي. كانت الدعاية النازيّة ناشطة في ذاك الوقت، واعتُبر القانون حينها حماية للأمن القومي من التهديد، فتمّ تصنيف كل "وكيل أو ممثل أو موظف أو أي شخص يعمل كمرؤوس يقوم بتنفيذ أوامر تحت إشراف أو مراقبة مباشرة أو غير مباشرة أو بتمويل من قبل مؤسسات أجنبية" تحت خانة العميل أو الوكيل الأجنبي. واستناداً إلى هذا القانون، وجّه السيناتور الجمهوريّ تيد كروز مع أكثر من عشرة نواب جمهوريين إضافة إلى ثلاثة مشرّعين ديمقراطيين معروفين، بمناصرتهم القويّة لإسرائيل، رسالة إلى وزير العدل الأمريكي جيف سيشنز، مطالبين إيّاه بفتح تحقيق حول القناة القطريّة. تهدف الخطوة إلى تمهيد الطريق لتسجيل وزارة العدل إياها في خانة "العميل الأجنبي" الذي يسمح بمراقبة محتواها ومصادر تمويلها. ذكّر هؤلاء النائب العام بما حصل قبل فترة مع "روسيا اليوم" و"سبوتنيك" الروسيتين اللتين أُدرجتا في هذه الخانة، لافتين إلى أن الكونغرس يحتاج توضيحات عما إذا كانت المعايير نفسها تنطبق على القناة القطرية التي رأوا أنها "معادية للسامية" ولأمريكا، وتفتح مساحةً داعمة لـ"المنظمات الإرهابيّة".
ما خلفيّة هذه الخطوة؟
مطلع العام الماضي، بثّت قناة الجزيرة تحقيقها الاستقصائي "اللوبي" الذي تغلغل في مفاصل النفوذ الإسرائيلي في المملكة المتحدة، وأضاء على نشاط الاستخبارات الإسرائيلية وجماعات الضغط التي تعمل لمصلحة تل أبيب في دوائر اتخاذ القرار في لندن. تزامناً مع نشر التحقيق، كشف مدير وحدة التحقيقات في "الجزيرة" كلايتون سويشر عن زرع القناة في الوقت نفسه لمراسل وسط المنظمات والجماعات الإسرائيلية في واشنطن، والتحضير لتحقيق جديد شبيه بالتحقيق السابق، لكنه يسلط الضوء على أدوار ونفوذ اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية، وهو الذي يشكّل حالياً سبب تحرك المسؤولين الأمريكيين ضدّ القناة. وفي تلك الفترة، نشرت الصحافية آرمين روزين تحقيقاً كشفت فيه أن شخصاً بريطاني المولد، داعم للقضية الفلسطينية، تغلل في المنظمات اليهودية في واشنطن تحت اسم أنطوان كلايفلد. وقد تمكّن من تصوير ساعات طويلة داخل المكاتب، والحصول على قائمة بأسماء بعض المانحين ولقاء ناشطين واستضافة موظفين من السفارة الإسرائيلية في شقته وتصويرهم سراً. حصل كل ذلك، حسب روزين، قبل أن تختفي آثاره فجأة مطلع العام الماضي، ويثير شكوك اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، لا سيما مع بدء "الجزيرة" الترويج لتحقيقها البريطاني.صحافي قناة الجزيرة تغلل في المنظمات اليهودية في واشنطن، وتمكّن من تصوير موظفي السفارة الإسرائيلية سراً والحصول على قوائم بأسماء المانحين
مصير التحقيق عن اللوبي الإسرائيلي في أمريكا ما زال معلقاً، بين تأكيد إسرائيلي على منع بثه ونفي قطريلا يبدو التحرّك ضد التحقيق، الذي تصرّ القناة على بثّه قريباً، مستغرباً، إذا ما عدنا إلى ما أثاره التحقيق السابق في بريطانيا من ضجّة. كان هذا اللوبي أشبه بصندوق مغلق إذا ما قورن بما نعرفه عن شبيهه في الولايات المتحدة. ونجحت "الجزيرة" حينها في الحصول على تسجيلات سرية تُظهر تورط دبلوماسي إسرائيلي في محاولات إسقاط سياسيين بريطانيين لصالح إسرائيل. وتضمّن التحقيق الصحافي تسجيلات للدبلوماسي في سفارة تل أبيب في لندن شاي ماسوت، كشفت تورطه في إسقاط سياسيين بريطانيين لصالح إسرائيل. ومن بين ما كشفته التسجيلات كان عمل ماسوت مع مساعدة الوزير البريطاني المحافظ، روبرت هالفون، للإطاحة بوزير الدولة للشؤون الخارجية آلان دانكن، المعروف بمعارضته لبناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وكلّف الفيلم، الذي رفضت هيئة الإشراف على البث التلفزيوني البريطانية (أوفكوم) الاستجابة للضغوط بوقفه، إسرائيل استقالة الدبلوماسي من منصبه، واعتذار السفير الإسرائيلي من وزير الخارجية البريطانية رسمياً، فضلاً عن فتح لندن تحقيقاً حول النفوذ الأجنبي على سياسييها.
ما مصير التحقيق الجديد؟
خلال الشهر الماضي، قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيليّة إن الحكومة القطرية وعدت الجالية اليهودية الأمريكية بوقف بثّ الفيلم، في ما وصفته الصحيفة بحملة دعائية لتحسين صورة قطر عبر التقرّب من مسؤولي الجالية اليهودية في الولايات المتحدة. لاحقاً، نفت وزارة الخارجية القطرية هذا الادعاء، وقالت المتحدثة باسمها لولوة خاطر إن "تقرير هآرتس خاطئ"، مؤكدة على أن قطر "تعي الدور البناء الذي يلعبه الإعلام، والذي لا يتحقق إلا باستقلاله". لكن هآرتس أصرّت على صحة ادعائها. وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، تلقى ناشطون ومسؤولون في منظمات إسرائيلية أو داعمة لإسرائيل في أمريكا خلال الشهر الماضي رسائل من "الجزيرة" تبلغهم بظهورهم في الوثائقي المزمع نشره، وتمنحهم ثلاثة أسابيع من أجل حق الردّ. ولكن بعد ذلك، لم يكن هناك أي أثر يشير إلى أن الجزيرة ستبث الفيلم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...