شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هكذا ينجح اللوبي الصهيوني ويفشل عرب أمريكا

هكذا ينجح اللوبي الصهيوني ويفشل عرب أمريكا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 11 يونيو 201604:56 م

حين خطب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس، عام 2011، وقف أعضاء الكونغرس 29 مرة لتحيته وصفّقوا له بحرارة. وقف ممثلو الشعب الأمريكي ليبرهنوا له على ولائهم لدولة صغيرة تعتمد إلى حد كبير على معوناتهم المالية والعسكرية ودعمهم السياسي. بالمقابل، في العام نفسه، وحين ألقى الرئيس باراك أوباما خطبته الشهيرة عن ضرورة استناد حل الدولتين إلى حدود العام 1967، مهّدت منظمة إيباك للمناسبة بإرسالها رسائل إلى المدعوين راجية منهم ألا يصدروا أصواتاَ احتجاجية على كلام الرئيس.

كيف أصبح الإسرائيليون أقوياء في واشنطن إلى هذا الحد وكيف صاروا يتحكمون بأعضاء الكونغرس وكأنهم دمى مربوطة بخيوط؟ إنها المؤامرة الصهيونية التي حاكها حكماء صهيون قديماً وبدأت تؤتي ثمارها الآن، يقول التفسير العربي الشائع للنفوذ الإسرائيلي في بلاد العم سام. ولكنّ هذا التفسير غير دقيق لأنه يغفل الحقائق الفعلية الكامنة وراء هذا النفوذ.

إيباك The American Israel Public Affairs Committee التي تأسست عام 1963 هي أقوى جماعة ضغط في الولايات المتحدة ويحسب لها المرشحون للكونغرس ألف حساب خلال حملاتهم الانتخابية. في مجال السياسة الخارجية تعمل لحشد التأييد لمصلحة إسرائيل. يستمدّ هذا اللوبي قوته بشكل أساسي من قدراته التنظيمية الواسعة. فمنذ تأسيسه اعتمد على مجتمع يهودي أمريكي نَشِط وموحّد وكريم في تبرعات أثريائه لخدمة إسرائيل.

في الثمانينات من القرن الماضي، قررت إيباك أن تكون ذات سطوة على المرشحين في كل الولايات الأمريكية بلا استثناء. وتنفيذاً لهذا الهدف، عمدت إلى إرسال متطوعين لاستكشاف المجتمعات اليهودية في كل ولاية على حدة. لقيت المهمة نجاحاً باهراً وتمكن المتطوعون من خلق مجتمعات نشطة تقدّم معلومات عن الناشطين السياسيين في كل منطقة من مناطق الولايات الأمريكية. وكلما بزغ نجم أحدهم ترسل إيباك إليه أشخاصاً مستواهم الثقافي يعادل مستواه الثقافي، ليتعرفوا إليه ويعرضوا عليه مساعدة الجماعة وليكونوا عين اللوبي على هذا الوجه الجديد في عالم السياسة.

يوماً بعد يوم، أصبح سؤال "كيف ستتعامل مع إيباك؟" السؤال الأهم الذي يطرحه على نفسه كل مرشح لأحد مجلسي الكونغرس. فالجماعة خبيرة في أهم بندين في أيّ انتخابات: فن جمع التبرعات وحشد الأصوات للمرشحين. ولهذا نجحت الأقلية اليهودية في الولايات المتحدة في أن تصبح بهذا التأثير برغم قلة عددها إذ يشكل اليهود ما مجموعه 2.2% من مجمل السكان.

وإذا أخذنا في الاعتبار أن عدداً من كبار أعضاء الكونغرس ممن تبوّأوا مناصب مرموقة في لجانه يحملون الجنسية الإسرائيلية، بالإضافة إلى جنسيتهم الأمريكية، ندرك أكثر مدى التأثير الإسرائيلي على السلطة التشريعية في البلاد. فالسيناتور السابق كارل ليفن ذو الجنسية المزدوجة تقلّد منصب رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس سنوات طويلة، وهو منصب جعله في موقع التأثير المباشر على صفقات الأسلحة التي تُبرم مع الحكومات الأخرى.

تعمل إيباك بموازنة سنوية بلغت 67 مليون دولار في السنة الجارية. قوتها لا تنبع من قدرتها على جمع الأموال للمرشحين الذين تقرر دعمهم فحسب، بل أيضاً من الانضباط الشديد الذي يتميز به المجتمع اليهودي الأمريكي وتصويته بكثافة في الانتخابات. ولأن إيباك لا تستطيع تقديم أموال مباشرة إلى المرشحين حسب القانون لكونها لوبي لا لجنة عمل سياسي PAC، فإنها تعمد إلى إرسال قوائم بأسماء من تقرر دعمهم إلى المنظمات اليهودية المعروفة في الولايات المتحدة، وإذّاك تبدأ التبرّعات والأصوات الانتخابية بالتدفق.

اللوبي الصهيوني - تبرعات المنظمات المؤيدة لإسرائيل لأعضاء الكونغرس

4% من مجمل أصوات الناخبين الأمريكيين تأتي من اليهود، وهي نسبة مهمة خاصة في الولايات التي تشهد تنافساً حاداً ويمكنها أن تحسم المعركة الانتخابية لمصلحة مرشح معين. وبمقارنة بسيطة، فإن عدد العرب الأمريكيين يبلغ 3,665 مليون مواطن أي 1.15% من السكان ولكن نفوذهم الانتخابي لا يتجاوز 1.5% من أصوات الناخبين. هذا علاوة على ضعف تأثيرهم على الناخبين الآخرين بسبب ضعف الإمكانات وقلة التنسيق.

حين نقارن واحدة من أكبر المنظمات العربية الأمريكية في الولايات المتحدة وهي رابطة العرب الأمريكيين Arab American Association بإيباك، فإننا نجد أنها تعمل بموازنة سنوية لا تتعدّى المليون الدولار، ولا تملك انتشاراً شاملاً في الولايات الأمريكية وفي الجامعات والمدارس ومنظمات العمل المدني. أضف أن المجتمع العربي هو مجتمع افتراضي غير موجود على أرض الواقع. صحيح أن العرب يتحدثون لغة واحدة ولكنهم في واقع الأمر 22 مجتمعاً صغيراَ لا يعملون كفريق متماسك ذي هدف محدد وإستراتيجية صلبة وواضحة. على العكس، نرى تشتتاً في الجهود وضعفاً نسبياً في الإقبال على المشاركة السياسية قياساً إلى اليهود الأمريكيين.

وقد ساهمت أحداث الشرق الأوسط وتمدد التيارات الإسلامية الجهادية والتكفيرية وما تقوم به من قتل عبثي وحشي للأبرياء في تشويه الصورة العربية التي لم تكن جيّدة أساساً، وجعلت الرأي العام يربط صورة العرب بصورة ديانة تبيح سفك الدماء وبصراعات دموية مذهبية لا يفهمها المواطن العادي في مقابل ما يعتبره الأمريكيون النموذج الغربي الوحيد في الشرق الأوسط. ولهذا فإن الأمريكيين يشعرون بالتماهي مع العقلية اليهودية وطروحاتها الأقرب إلى أذهانهم وتصوراتهم عن الحياة على عكس العرب الذين يستدعون إلى الذاكرة أحداث سبتمبر.

كيف يؤثر كل هذا على الولايات المتحدة وعلى تعاملها مع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟ "نحن لم نكن حياديين يوماً، فالسياسة الأمريكية تقودها الإرادة الشعبية وتتأثر بمن يصرفون الوقت والجهد للتقرّب من الرأي العام. هذا ما تفعله إيباك وبنجاح"، يقول آرثر هيوز السفير الأمريكي السابق في اليمن والخبير في معهد الشرق الأوسط لرصيف22. يتحدّث هيوز عن تناقل العرب ما كتبه السيناتور السابق بول فندلي في كتابه الشهير "من يجرؤ على الكلام؟" والذي لاقى رواجاً كبيراً في الشرق الأوسط. لا ينكر حقيقة ما جاء فيه ولكنه يقول: "كيف تمكنت إيباك من إقصاء فندلي؟ لم تكن مؤامرة بقدر ما كانت جهداً منظماً وصل إلى حد طرق أبواب بيوت الناخبين والحديث معهم عن عدم انتخاب فندلي بسبب قربه الزائد من الفلسطينيين". ويضيف موجّهاً كلامه إلى العرب، وخصوصاً الفلسطينيين: "إن أردتم التغيير فافعلوا مثلهم. قلت هذا للعديد من أصدقائي الفلسطينيين".

باختصار، لا يمكن مقاومة النفوذ الصهيوني المتغلغل في مؤسسات صنع القرار الأمريكية من خلال صرف الأموال على المرشحين فقط، هذا إن توفرت الإرادة لذلك أساساً. بل يجب تنسيق جهود العرب المهتمين بحل القضية الفلسطينية بعد أن يعوا قواعد اللعبة ويعرفوا كيف يمكنهم التأثير على القرار الأمريكي ليفضّوا التحالف غير المعلن بين العمل الصهيوني الجاد والعجز العربي المزمن. إلى حينه، سيكون من الأفضل أن يكف العرب عن الشكوى من المؤامرات. فلا يمكننا لوم الأعداء على حسن أدائهم، أو لنقل على سوء أدائنا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image