تعرّف مجلة Peerj العلمية في إحدى مقالاتها الـASMR (الاستجابة الزوالية الحسية الذاتيةAutonomous Sensory Meridian Response) بأنها "ظاهرة حسية تبدأ بتنميل خفيف في فروة الرأس، ينتقل إلى العمود الفقري واليدين، ثم إلى أماكن أخرى من الجسم، اعتماداً على مدى استجابة الجسم للمحفزات الصوتية والبصرية التي يتعرض لها".
التعبير ليس علمياً، وإلى الآن ليس هناك من دراسات طبية تؤكده. أول من أطلقه كان مجموعة فيسبوكية في العام 2010، تضم أعضاءً مهتمين بالمقاطع البصرية التي تساعد على الاسترخاء، واُستعمل لوصف النشوة أو الحالة التي تصيب الشخص عند مشاهدتها.
بعد سنوات قليلة من ذلك التاريخ، أصبح الإحساس الجديد ظاهرة حسية معترفاً بها ومتفقاً على سماتها، كما تحولت مقاطع ASMR البصرية التي تحفز الإحساس، إلى نمط فني جديد تتفرع منه أشكال متعددة (ستسمى جميعها بنفس الإسم رغم الاختلافات الكامنة بينها).
&t=257s
التحكم بالمشاهد
النمط الأول من الفيديوهات (يمكن العثور عليها على يوتيوب وعبر Reddit) يعتمد على وجود مؤدٍ/ية أو ممثل/ة، حيث تبدو لمن لم يألف غرائبيتها، كأنها مقتطعة من فيلم خيال علمي أو حلقة من مسلسل الخيال التكنولوجي المخيف Black Mirror. المؤدي هو محور الفيديو ومحدد مساراته، فمن خلال صوته الهامس فقط وليس ما يقول، بإمكانه "التحكم بالمشاهد" وإيصال الإشباع الحسي الذي يسعى اليه. لسبب ما، عندما يهمس أحدهم في أذن شخص آخر، يشعر الأخير تلقائياً بحالة من الاسترخاء، أو بشعور يذكر بصوت الأم التي تكلم إبنها خلال طفولته. تحاول هذه الفيديوهات خلق تجربة شبيهة بتلك الحالة، حيث يسجل المؤدون أصواتهم غالباً من مسافة قريبة جداً (يغلب هذا الخيار على الفيديوهات العربية)، من أجل التقاط صوت التنفس ولعاب الفم عند النطق. بعكس المقاطع المنتشرة على إنستاغرام تحت هاشتاغ #asmr، تعتبر هذه الفيديوهات صوتية بامتياز، وهذا ما يبدو واضحاً في النماذج العربية التي غالباً لا تُظهر المؤدي المختبئ خلف الكاميرا، لكن الحاضر من خلال صوته بشكل شبه دائم. المقاطع الأكثر احترافية (لا تزال غير متوافرة بشكل كبير في العالم العربي) يسجل أصحابها بواسطة ميكروفون عالي الجودة مخصص للسماع عبر الأذنين عوضاً عن أذن واحدة، ما يعطي انطباعأً بواقعية الصوت عند استعمال السماعات. هذه التقنية في النطق والتركيز على الأصوات التي لا تكون مرغوبة في العادة، تستعملها بعض المغنيات المعروفات خلال حفلاتهن، لخلق تأثير مشابه للأي اس ام آر على الجمهور، ومنهن المغنية اللبنانية ياسمين حمدان.أصوات مشبعة
العنصر الثاني الأساسي في هذه المقاطع، هو الصوت الآتي من أدوات بلاستيكية، خشبية، ومعدنية يحركها المؤدي على الأسطح الموجودة أمامه. هذه الأصوات المتنوعة والناعمة غالباً، تؤدي عرضاً صوتياً موازياً يمكن أن يلامس الموسيقى، ويراه البعض نوعاً من التدليك لطبلة الأذن. طبعاً بإمكان الصوت أن يأتي من أي مكان، مثلاً جسم تلك المؤدية التي أسمعت المشاهدين يوماً دقات قلبها، أو كما في أحد الفيديوهات العربية المعنونة "سورة الملك - تدليك لفروة الرأس" التي يقوم المؤدي فيها بين كل قراءة وأخرى، بحك إصبعه بالغشاء الخارجي للميكروفون، ما يصدر صوتاً شبيهاً بصوت احتكاك الأصابع بفروة الرأس. فبما أن إحساس أي إس إم آر يتشكل بداية في فروة الرأس، قبل أن ينتقل إلى أجزاء أخرى من الجسم، يمكن اعتبار ما قام به المؤدي شكلاً من أشكال التدليك، حتى لو لم يلمس المشاهد فعلياً. من الناحية البصرية، يمكن القول إن وظيفة الصورة الرئيسية في هذه المقاطع هو في خدمة الصوت. فمن المعروف أن الأصوات تبدو واضحة أكثر للمستمع عندما يرى مصدرها أمامه. مثلاً عند التركيز على عازف الغيتار خلال حفل موسيقي، تصبح الأذن قادرة بشكل أكبر على تمييز صوت الغيتار من أصوات الآلات الأخرى في الفرقة. ولذلك يحرص المؤدي دائماً على إظهار مصدر الصوت ونوعية المواد التي تحتك بعضها ببعض. الوظيفة الأخرى للصورة تظهر في الفيديوهات التي تشارك فيها متطوعة يقوم المؤدي بلمس ظهرها أو خدشه بشكل ناعم. كما تظهر في الفيديوهات التي يحاول المؤدي فيها، خلق دور افتراضي للمشاهد، مثلاً تحويله إلى مريض محتاج لمساعدته. في هذه الفيديوهات، يرتدي المؤدي ثياباً بيضاء ويحمل أدوات طبية، ويتعاطى مع الكاميرا بصفتها وجه المشاهد وعينيه، فيحدق في عدستها بشكل دائم، يوجه لها الكلام، ويلمسها. &t=41sإشباع جنسي
تحمل جميع هذه الفيديوهات طابعاً جنسياً، كما تذكر بمقاطع الواقع الافتراضي VR الجنسية (تتطلب وضع نظارات خاصة)، التي تقدم واقعاً جديداً يكون فيه المشاهد مشاركاً افتراضياً في العملية الجنسية. تتطور مقاطع آي إس ام آر مع هذه الفيديوهات بشكل متسارع في السنوات الأخيرة، ومن المفترض أن تصل في المستقبل مع تقنية الحقيقة المعززة AR إلى إظهار المؤدي بصرياً في نفس المكان الذي يكون فيه المشاهد (لا تتطلب ارتداء نظارات خاصة بل عدسة لاصقة). على كل حال، لأكثرية فيديوهات أي إس أم آر طابع جنسي يتم إخفاؤه، وهو غالباً المانع الأساسي للمؤدين العرب من إظهار وجوههم. تحاول أكثرية الفيديوهات العربية تبرير الفعل الذي تقوم به، بتقديم نفسها كفيديوهات تساعد على الاسترخاء والخلود للنوم، كما أنتج مقاطع يقرأ المؤدون فيها نصوصاً قرآنية أو قصصاً وروايات أدبية، بدون أن تكون وظيفتها المباشرة ثقافية أو دينية، بل فقط كغطاء أو"وسيط صوتي" بديل عن المونولوغ الذي يفترض بالمؤدي أن يقدمه. &t=133s &t=3sنشوة بصرية
النمط الآخر من فيديوهات أي إس أم آر (يمكن العثور عليها في يوتيوب تحت عنوان Satisfying Videos، أو تحت وسم #asmr في إنستاغرام) هو بصري بامتياز، لأن ما يحدث على الشاشة هو المحرك الرئيسي للإشباع وليس الصوت. النماذج الأولى من هذا النمط اقتطعت غالباً من تقارير وبرامج تلفزيونية حول الرسم، التصميم، النحت،الطبخ، أوالصناعات اليدوية والآلية، ويعود تداولها إلى أكثر من عقد. لكن الإنتاج الفعلي لفيديوهات متخصصة لتقديم شعور أي إس أم آر لم يتم فعلياً سوى في السنوات الأخيرة. يغيب الصوت الإنساني في هذه الفيديوهات، ولا يظهر من المؤدي سوى يديه أو أصابعه. المواد التي تظهر في هذه المقاطع تكون غالباً ذات ملمس عجيني، يقوم أحدهم بالضغط عليها، وتحريكها بطريقة عشوائية. تحضر أيضاً عمليات التقطيع والقص، وكل ما يسهم في تحويل مادة معينة من حالة إلى أخرى. مثلاً تذويب الزجاج والمعادن على أنواعها، الرسم على سطح ما، نحت مادة معينة أو تغيير شكلها الخارجي. https://www.instagram.com/p/BYybeLSABFv/?taken-by=wannerstedt هناك قسم من الفيديوهات ينتجها فنانون محترفون عبارة عن موشن غرافيك (نمط من فن التحريك) أو فيديوهات Cinema4D تظهر مشاهد خيالية بأسلوب واقعي، مثلاً مكعبات طائرة تتغير أشكالها، شخص مصنوع من السيليكون يذوب وتبتلعه الأرض، كرة مائية - عجينية تتحرك على سطح خشن. تعتمد هذه الفيديوهات على عناصر الفيديوهات السابقة نفسها، إلا أنها تكثفها وتخلق منها عناصر إشباع جديدة. بعض هذه المقاطع البصرية تستعمل في إعلانات أو خلفية للموسيقى VJ، أو كأعمال فنية تعرض في غاليريهات، أو ينشرها الفنانون ترويجاً لأنفسهم. https://www.instagram.com/p/BeBNdjmAfRH/?taken-by=visualatelier8رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...