تتجه تركيا إلى تطبيق عقوبة الإخصاء الكيميائي على مرتكبي الاعتداءات الجنسية على الأطفال، ولا سيّما بعد موجة الاستنكار العارمة التي شهدتها البلاد إثر اعتداء شاب في العشرين من العمر على طفل في الرابعة خلال حفل زفاف في محافظة أضنة الأسبوع الماضي.
وقال وزير العدل عبد الحميد غل إن "المحاكم ستقرر بشأن آلية تنفيذ عملية الإخصاء الكيميائي ومدتها للقضاء على الرغبة الجنسية أو الحد منها"، خاصة أنّ الانتهاكات الجنسية في حق الأطفال سجّلت في تركيا ازدياداً من 3778 حالة في العام 2006 إلى 21189 حالة في العام 2016، وفق أرقام لوزارة العدل نشرتها منظمات حقوقية.
كما صدرت أحكام إدانة في حق حوالى 60% من المشتبه فيهم في هذه القضايا في العام 2016 بحسب الجمعية التركية لحقوق الإنسان.
دول تطبّق عقوبة الإخصاء الكيميائي
لا تعتبر عقوبة الإخصاء الكيميائي ضد المعتدين جنسياً جديدة، إذ تنص عليها قوانين عدد من الدول، منها تركيا حيث أدرجت عقوبة الإخصاء الكيميائي لمرتكبي الجرائم الجنسية في القوانين التركية منذ العام 2016، إلا أنّ مجلس الدولة أعاق تنفيذها بحجة ضبابيّة تعريف آلية التطبيق وحدودها. علماً أنّ عقوبة الإخصاء الكيميائي تثير انتقاد منظمات تركية لأنها "عقوبة لا تتماشى مع القوانين المعاصرة وتتعارض مع حقوق الإنسان". وقبل تركيا بعام واحد، أي في العام 2015 سمحت الحكومة الإندونيسية بإجراء عمليات إخصاء كيميائية لمعاقبة المعتدين جنسياً على الأطفال، عقب سلسلة جرائم جنسية ضد الأطفال هزت البلاد، وتطبّق هذه العقوبة بعض الدول، منها بولندا وروسيا وإستونيا وكازخستان وبعض الولايات الأمريكية وكوريا الجنوبية. في حين تعرض دول أخرى الإخصاء الكيميائي كعلاج طوعي للمدانين في جرائم جنسية، مقابل الحصول على حكم مخفف، مثل الدنمارك والسويد. لا يقوم الإخصاء الكيميائي على بتر الأعضاء التناسليّة، إنما هو عبارة عن تناول أو حقن أدوية معينة تقلّل فرز هرمون "التستوستيرون"، مما يقلل الرغبة الجنسية، وبالتالي الرغبة في التحرش بالنساء أو الاعتداء على الأطفال.دول عدة تطبقة ودول عربية تطالب به... عن الإخصاء الكيميائي للمعتدين حنسياً والجدل الأخلاقي حوله
دول عربيّة طالبت بالإخصاء
في المغرب، طالب عدد من الجمعيّات، مثل جمعية "ما تقيش ولادي" بإخصاء مغتصبي الأطفال، إذ أشارت رئيسة الجمعيّة نجية أديب إلى أن العقوبات الموجودة في القانون الجنائي المغربي غير كافية للحد من هذه الظاهرة الخطيرة، وأن الإخصاء هو ردع كل من تُسوّل له نفسه العبث بجسد طفل، خاصة أن هذا المطلب عبّرت عنه الكثير من أسر الضحايا. كذلك في مصر طالبت البرلمانية المصرية زينب سالم بإخصاء المتحرشين، موضحةً أنها لا تسعى إلى إخصاء جميع المتحرشين، وأنها تنادي بأن تكون عقوبة "الإخصاء" سقف العقوبات في حالة تكرار الجريمة، وتطبق في هذه الحالة على من يثبت عليه اعتياد التحرش، خاصةً في حالة التحرش الجنسي بالملامسة أو الاغتصاب. وفي السعودية، أثار عميد كلية الشريعة سابقاً في جامعة اﻹمام الشيخ سعود بن عبدالله الفنيسان جدلاً بعد تأييده تطبيق "الإخصاء الكيميائي" كحل رادع لمن اعتاد التحرش بالأسواق أو الاعتداء الجنسي على الآخرين. وكان الفنيسان قال عبر مداخلة هاتفية في برنامج تلفزيوني: "الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الإخصاء، ولكن لو توصل العلم لعلاج كيميائي يقضي على الشهوة عند المنحرفين فأرى جوازه". وبرر الفنيسان فتواه بأنه رغم وجود قوانين للتحرش في دول عدة، فإنها لم تنجح في أن تضع حداً لهذه المشكلة، مشيراً إلى أن الضابط في هذه القوانين غير دقيق، وأنّه لو وُجد القانون الذي يقضى على هذه الظاهرة فهو معه وأولى بالتطبيق من فكرة الإخصاء.في التشيك الإخصاء بالجراحة
لا تزال جمهوريّة التشيك تطبّق الإخصاء الجراحي على المتهمين بالاعتداء الجنسي على الأطفال، ولكن برضاهم، حسبما يقول المعنيون بالأمر. ويذكر أن جميع المدانين بتهمة الاعتداء الجنسي على الأطفال في هذه الجمهوريّة يخضعون لما يطلق عليه العلاج الوقائي في مستشفيات للعلاج النفسي، حيث يخضعون للاخصاء الكيميائي، أمّا الإخصاء الجراحي فيكون فقط عقوبة ضد أولئك الذين يكررون اعتداءاتهم. وفد تُجرى أكثر من 80 عمليّة إخصاء جراحي سنوياً.الجدل الأخلاقي حول الإخصاء كرادع للتحرش
معتمداً على عدد من البحوث، رأى كبير الباحثين في قسم السلامة العامة والـتأهّب للكوارث في كندا Department of Public Safety and Emergency Preparedness in Canada كارل هانسون أنّ العلاج النفسي للمعتدين جنسياً لم يكن ناجحاً تماماً، فعلى سبيل المثال، أظهر تحليل نُشر العام 2002 أن 12% من المعتدين جنسياً الذين تلقوا علاجاً، أُوقفوا مرّة أخرى لجرائم جنسيّة جديدة، مقارنة بـ17% ممن لم يتلقوا العلاج. أما بالنسبة لإخضاع المعتدين جنسياً للإخصاء الكيميائي، فبينما يعتبر البعض أنه خيار سليم، يرى الكثيرون أنّه مثير للجدل ليس فقط لأنه يملك أعراضاً جانبيّة عدة، منها هشاشة العظام والعقم والتثدّي، إنما لأنّه ليس هناك أي دليل بعد على قدرته على التقليل من الاعتداءات الجنسية. فوفقاً لدراسة نشرت عام 2005، 11.1% من الجناة الذين تم إخصاؤهم (إما كيميائياً أو جسدياً) عادوا إلى التحرش، مقابل نسبة 17.5% للذين لم يتعرضوا للإخصاء. وتعتبر منظمات حقوقية كثيرة أن الإخصاء الكيميائي الإجباري عقوبة قاسية وغير منطقية. وتبرز إشكالية أخرى عند الحديث عن عقوبة الإخصاء الكيميائي الطوعي (أي بموافقة الجاني)، إذ أن رهن الإفراج عن مرتكب الجريمة بقبوله الخضوع لتدخل طبي يثير تساؤلات حول مدى صحّة أو قانونيّة موافقته.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...