أثارت تصريحات البرلمانية المصرية زينب سالم، عن إعدادها مقترح مشروع قانون ينص على "إخصاء المتحرشين" جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والحقوقية، ما لبث أن انتشر صداه سريعاً في الشارع المصري.
وقالت سالم لرصيف22 إن مقترحها يهدف إلى إلقاء حجر في المياه الراكدة، خاصة بعد واقعة التحرش الجماعي بفتاة في مدينة الشرقية، في وقت تتعطّل مناقشة مشروع قانون تغليظ العقوبات على المتحرشين الذي قدمته النائبة البرلمانية سوزي ناشد منذ فترة.
وتضيف أنها لم تتقدم بمشروع القانون إلى البرلمان حتى الآن، لكن مقترحها جاء تمهيداً لبحث جدوى الفكرة، موضحة أنها تستهدف طرحه للنقاش العام في أوساط السياسيين والحقوقيين، لمعرفة رأي الشارع المصري بشأنه.
النائبة المصرية تؤكد أن حالة الجدل الشديد التي تولّدت بعد اقتراحها تؤكد أهمية الموضوع ومحوريته، موضحة في الوقت ذاته أن حالة الشد والجذب الواقعة الآن تساعد على توليد العديد من الأفكار التي تصب في صالح تطوير المقترح أو ربما تعديله، مشيرة إلى أنها تسعى إلى التواصل مع المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني لبحث مدى قانونية عقوبة الإخصاء ومدى توافقها مع التشريعات الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وتوضح سالم أنها لا تسعى إلى إخصاء جميع المتحرشين كما روّجت بعض وسائل الإعلام المصرية المحلية، لكنها تنادي بأن تكون عقوبة "الإخصاء" سقف العقوبات في حالة تكرار الجريمة أكثر من مرة، وتطبق في هذه الحالة على من يثبت عليه اعتياد التحرش خاصة في حالة التحرش الجنسي بالملامسة أو الاغتصاب.
وأكّدت أن هذه العقوبة ستكون رادعة بشكل كبير، مضيفةً أن الردع له وجهان، ردع عام وردع خاص، فالشخص المعاقب لن يفعل ذلك مجدداً وستضرب رجولته في مقتل ليشعر بما تشعر به الأنثى حينما تُنتهك أنوثتها، أما الردع العام سيتحقق بمجرد تطبيق العقوبة على شخص واحد فقط، وبعدها لن يجرؤ أحد على التحرش مطلقاً وستختفي الظاهرة تماماً، على حد قولها.
النائبة التي تتشبث بموقفها، الذي يراه البعض عنيفاً ومتطرفاً إلى حد بعيد، تؤكد أن موقفها لم يأت من فراغ، فالقوانين الحالية لا تحقق فكرة الردع بقوة، فضلاً عن أن بنات وسيدات كثيرات يرفضن الإبلاغ عن المتحرش خشية فضح أنفسهن في مجتمع محافظ بطبعه.
لكنها تستدرك: "مقترحي جاء بعد متابعة مكثفة لما وصلت إليه الظاهرة وملاحظة انتشارها في الفترة الأخيرة، فلا يكاد يمر عيد أو مناسبة يحتفل فيها المصريون بالخروج إلى الشوارع إلا وتقع العديد من حالات التحرش بمختلف درجاتها، وبالتالي لا بد من وقف هذا النزيف الذي أصبح يهدد بنات المصريين ومواجهته بحسم شديد وبدون أي تهاون".
وتنفي سالم ما تردد عن أن نجل شقيقتها ضُبط في حالة تحرش مؤكدة أنها قضية تم تلفيقها له بسبب حدوث مشادة كلامية وخلافات بينها وبين ضابط بقسم مدينة نصر بالقاهرة.
التحرش في مصر وصل إلى الرُكب
طبقاً لدراسة أعدتها الأمم المتحدة، فإن 99.3% من العينة التي أجريت عليها الدراسة تشير إلى التعرض للتحرش لمرة واحدة على الأقل بمختلف درجات التحرش بدءاً من النظرة وصولاً للملامسة الجسدية والاغتصاب، كما أظهرت أن 93.4% من ضحايا التحرش يرفضن اللجوء للشرطة، و34.6% منهن يرفضن ذلك خشية من الفضيحة، و10.2% بسبب اعتقادهن أن آباءهن لن يصدقوا أقوالهن وسيتم لومهن. وبحسب الدراسة أيضاً، فإنه في 40% من حالات التحرش في الشارع لم يتفاعل المارة مع تلك الوقائع معتبرين أنها عادية، بينما تظاهر 11% بعدم رؤيتهم لما يجري. وبحسب الدراسة فإن 8% من ضحايا التحرش حاولن الانتحار. ويأتي طلاب الجامعات والمدارس في المرتبة الثانية للمتحرشين بعد العاطلين عن العمل، و25.8% من المتحرشين يقومون بالتحرش كنوع من الاعتياد فقط دون الشعور بأي استمتاع فيما يتحرش 24.7% من الذكور للشعور بالرجولة فقط. وأوضحت الدراسة أيضاً أن 48.8% من رجال الشرطة أوقفوا حالات تحرش، ونسبة 21.1% منهم قبضوا على المتحرش، و13.8% منهم سخروا من الضحية. وتظهر أرقام رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، صدرت في تقرير حديث، أن حوالي 49% من الفتيات اللواتي يعشن في المناطق الفقيرة في مصر، يتعرضن للتحرش الجسدي واللفظي، فيما توضح إحصاءات المركز المصري لحقوق المرأة أن 64% من النساء المصريات يتعرضن للتحرش بصفة يومية، و33% منهن تعرضن للتحرش أكثر من مرة لكن ليس بصفة يومية.متى تُشدّد العقوبات؟
في سياقٍ موازٍ ليس ببعيد عن الإحصاءات التي تشير إلى تفاقم الظاهرة، وافقت اللجنة التشريعية بمجلس النواب على مشروع قانون تقدمت به النائبة سوزي ناشد بشأن تغليظ (تشديد) العقوبات على المتحرشين.إخصاء المتحرشين جنسياً، عقوبة راعدة أم خيار عنيف ومتطرف؟
نائبة مصرية تقترح إخصاء المتحرشين جنسياً معتبرة أن هذه العقوبة ستضرب رجولتهم في مقتل ليشعروا بما تشعر به المرأةوينص مشروع القانون على أن يُعاقب المتحرش بالحبس مدة لا تقل عن سنة، بعد أن كانت 6 أشهر، فيما زادت عقوبة الحبس إلى مدة سنتين، في حالة تكرار الفعل بعد أن كانت سنة واحدة في القانون المعمول به حالياً، والذي يتيح الحبس حتى 5 سنوات حداً أقصى إذا كان المتحرش يحمل سلاح. في السياق ذاته توضح النائبة سوزي ناشد أن تأخر مناقشة مشروع القانون حتى الآن، سببه انشغال البرلمان بمناقشة قوانين أخرى على رأسها قوانين مكافحة الإرهاب والتشريعات والإجراءات التي تيسّر عملية تجفيفه من منابعه وسرعة محاكمة مَن ينتمون إلى تنظيماته.
زيادة الوعي أم تغليظ العقوبات؟
يوضح أحمد حجاب، مدير وحدة المناطق الآمنة في مبادرة "خريطة التحرش" لرصيف22 أن آخر إحصائية للأمم المتحدة تكشف عن حجم التحرش في مصر والذي يعتبر ظاهرة لا يمكن التغاضي عنها بأي حال من الأحوال، فهي منتشرة بنسبة كبيرة جداً في مختلف أنحاء مصر، بحسب تعبيره. ويرى حجاب أن فكرة تغليظ العقوبة، التي تراوح حالياً بين 6 أشهر و5 سنوات سجن، ليست هي الحل للقضاء على الظاهرة، لكن الحل يكمن في العمل على زيادة الوعي المجتمعي بأن التحرش جريمة، لأن المتحرش يتخيل أنه لا يفعل شيئاً مشيناً، مشيراً إلى أن واقعة التحرش الجماعي بمدينة الزقازيق وتجمع الشباب حولها يؤكد تفاخر الشباب بالواقعة وأن هدفهم هو فضح الأنثى ليس أكثر. ويؤكد حجاب أن تفعيل القانون بشكل أكبر سيعمل على الحد من الظاهرة، وفي حالة رفض أي ضابط شرطة تحرير محضر يتم التوجه لتحرير محضر تجاه هذا الضابط في مديرية الأمن التابع لها، مطالباً وزارة الداخلية بالإعلان عن الأعداد التي تمت إدانتها في قضايا تحرش وهي عديدة بالفعل، لكن الإعلان عنها هام جداً حيث يمكن تحقيق فكرة الردع وإعلام جميع المواطنين أن هناك قانوناً منذ عام 2013 يجرّم التحرش، فكثيرون لا يعرفون بوجود هكذا قانون.قانون لـ"الإخصاء" أم تشريع للتعذيب؟
يرى مدير وحدة المناطق الآمنة في مبادرة "خريطة التحرش" أن تصريحات النائبة عن إعدادها لمشروع قانون لإخصاء المتحرشين غير قانوني من الأساس لأنه يعتبر عملية إيذاء بدني والدستور المصري لا يقر أي عقوبات جسدية على الأشخاص، فلا يوجد في مصر قطع يد على سبيل المثال، لأن ذلك يعتبر نوعاً من التعذيب، مشيراً إلى أن المبادرة ضد ممارسة العنف بأي شكل من الأشكال ومع تطبيق عقوبات السجن كما جاء بالقانون بشكل واضح وصريح.فيما يقول فتحي فريد مؤسس مبادرة شفت تحرش والباحث بمبادرة أمان لمناهضة التحرش الجنسي، لرصيف22 إن الحديث عن أي عقوبة تمس السلامة الشخصية للمواطنين يعتبر جريمة، والداعي لها يجب أن يحاكم لا سيما إذا كان يمثل السلطة التشريعية، وبالتالي نكون أمام جرم مضاعف، لأنه من المفترض أن يكون دور النائب تشريع القوانين لحماية حقوق وحريات المواطنين وكذلك سن القوانين العقابية، لكن ليست تلك التي تمثل جرماً. وأضاف فريد أنه من المفترض في حالة طرح مشروع القانون بالفعل وتمريره، أن ينفذه رجل قانون يمثل السلطة التنفيذية، وهو ما يعني تشريع التعذيب وتقنينه، فالتعريف العالمي للتعذيب هو أن يقوم موظف عمومي بانتهاك جسد مواطن أو مواطنة في الأماكن الرسمية أو غير الرسمية، مطالباً بمحاكمة النائبة التي اقترحت مشروع القانون.99.3% من النساء تعرضن للتحرش مرة على الأقل في مصر... ولكن هل يكون الإخصاء هو الحل؟
التجارب الدولية في "الإخصاء الجراحي"
الإخصاء الجراحي هو عقوبة موجودة بالفعل في عدة ولايات بأمريكا، وهي أقصى عقوبة للمغتصبين ويتم فيها إزالة الخصيتين تماماً (الإخصاء الجراحي) أو يجرى لهم ما يُعرف بـ"الإخصاء الكيميائي". وفي بعض الولايات مثل "كولورادو" يتم إعطاء عقاقير لمن اعتادوا التحرش الجنسي لتخفيف شهوتهم الجنسية. بينما يطالب بعض المدانين في قضايا الاغتصاب في عدة ولايات مثل أوهايو وإلينوي وأركنساس بإتاحة عقوبة الإخصاء الجراحي كبديل عن عقوبة السجن مدى الحياة. وأصدرت المحكمة الجنائية في ولاية كاليفورنيا قراراً يتيح لمن اعتادوا التحرش الجنسي أن يختاروا بين أن يتم إخصاؤهم جراحياً وبين قضاء عقوبة السجن مدى الحياة، وأصدرت محكمة تكساس حكماً سابقاً بالإخصاء الجراحي على شخص أدين باغتصاب فتاة عمرها 13 عاماً بدلاً من قضاء عقوبة السجن مدى الحياة. لكن المعارضين لذلك القانون يقولون إنها وسيلة بربرية للتعامل مع المدانين بالتحرش الجنسي، ودانت جماعات ناشطة في مجال حقوق الانسان هذه العقوبة ونادت باستبدالها بعقوبات مخففة واصفةً تلك العملية بأنها "قاسية وغير معتادة". وعارض بعض الباحثين والأطباء تلك الإجراءات بدعوى أن هناك العديد من الطرق العلاجية الأخرى التي يمكن أن تؤدي إلى نفس النتيجة لكنها لا تجني على المدان بهذا الشكل العنيف. يستند المدافعون عن الجراحات الإخصائية إلى أن هذه العقوبة تثبت فعاليتها في الحد من الظاهرة. فقد أوضحت دراسة ألمانية حديثة أن معدل الانتكاس والعودة للجريمة يكون بنسبة 3% من المعاقبين بالإخصاء الجراحي مقارنة بـ46% ممن أدينوا بعقوبات أقل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...