شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"الجميلات الثلاث"... رواية عن ذاكرة المكان والحنين إليها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 22 فبراير 201806:21 م
لم تكن "توناي" الطالبة والقارئة النهمة، تعرف أن سؤالها عن كلمة وردت في إحدى قصائد الديوان الذي استعارته من المكتبة، سيجعلها عرضة للاستدعاء إلى غرفة الناظرة، للتحقيق معها في سبب اختيارها لهذا الكتاب ذي القصائد الماجنة من شعر امرؤ القيس. هناك، ستسألها من دلها على الكتاب، وكيف استعارته، وإن كان والدها يتابع ما تقرؤه ويسمح لها بالاطلاع على مثل هذه القصائد المنحلّة، وحين تجيبها الطفلة أن والدها غير متعصب، ويسمح لها بقراءة ما تحبه وتريده، تدرك الناظرة أن الأب لا يمكن أن يكون كويتياً "صافياً"، فتؤكد لها "توناي" أن والدها كويتي من أم تركية.

- "ها... جذي.. هذي مصيبة الأعراق المختلطة... سمعت يا مريم؟

- إي والله ست حصة عرق الجينات دساس.. يلبد تحت الجلد مليون سنة خبرة، لازم يبخ أثره في السلالات".

من هذه الحادثة تنطلق "فوزية شويش السالم" في روايتها الأخيرة "الجميلات الثلاث"، لتحكي قصة هذا العرق المختلط لبطلتها، وتاريخ عائلتها، فننتقل عبر عدة أزمنة وأمكنة. العائلة تبدأ حكايتها عام 1875 برحيل الجد الأول "غطفان" من منطقة حائل في الجزيرة العربية إلى إسطنبول، بعد أن استدعاه السلطان العثماني إليها للعناية بخيوله، وهناك سيتزوج وينجب ويموت مثل أي تركي أصيل، لكن ابنه "عبد القادر" سيعود مع عائلته بعد سنوات إلى موطنه الأصلي ليكتشف هويته العربية.

"أغادر استانبول بعمر ثماني سنوات بعكس والدي. جاء إليها بعمر الثامنة مع والده وإخوته الصبيان. كم تشابه مصيرانا واختلفنا أنا وهو! كلانا سينتزع من موطنه وحياته ليُبذر في مجهول لن تُفهم دوافعه لا الآن ولا بعد ذلك. أقدارنا ترسم وتحاك خارج ما نوده وما نحلم به، وبإمكانها التقلب والتغيّر وإعادة التشكيل بصور مختلفة وعديدة، منها ما يُرسم الآن".

هذا ما يقوله "عثمان" عن رحلة عودتهم إلى موطنهم الأصلي، شارحاً بالتفصيل محطات ذلك الانتقال في قطار الشرق السريع، وصولاً إلى الحجاز حيث سيقيمون قبل أن يشب "عثمان" ويقرر الرحيل مجدداً إلى البحرين ثم إلى الكويت. في تلك البلد سيستقر مع عائلته بعد موت زوجته القوقازية، التي تترك له ثلاث فتيات صغيرات، تكتسب الرواية اسمها منهن، وتكون إحداهن "توناي" التي بدأت الرواية معها.
هناك ستستدعي أرواح ثلاث نساء أخريات هنّ: جدتها زينب أوغلو، زبيدة زوجة هارون الرشيد، وجيرترود بيل سيدة الاستخبارات البريطانية الملقبة بالخاتون...
تسألها من دلها على الكتاب، وكيف استعارته، وإن كان والدها يتابع ما تقرؤه ويسمح لها بالاطلاع على مثل هذه القصائد الماجنة...
يتشظى السرد زمانياً ومكانياً، على امتداد 150 عاماً، وعلى مساحة جغرافية كبيرة، تروي الكاتبة من خلالها سيرة العائلة، التي يتبادل على حكايتها ثلاثة أصوات: توناي، والدها عثمان، وراوٍ عليم يكشف ما لم تكن الشخصيتان موجودتان فيه. سيرة العائلة والبحث في جذورها تنكتب جنباً إلى جنب مع تاريخ دول الخليج العربي، إضافة إلى تأثر هذه المنطقة ببعض الأحداث التاريخية والسياسية العربية والعالمية التي جرت في الزمن نفسه، لذلك فإن الكاتبة نجحت في استخدام شكل اللوحات المقطعة زمنياً ومكانياً، التي أتاحت لها التنقّل بحرية بين الماضي والحاضر الذي يمتد حتى عام 2016. هذا الشكل – وإن كان مرهقاً للقارئ قليلاً – يعطي حيوية للنص، ويسمح بالمرور على أحداث عديدة وأزمنة كثيرة بعدد صفحات قليل، تاركاً للقارئ فراغات يستطيع ملئها بنفسه بسهولة دون الحاجة لتكرارها أو لذكرها أحياناً، خاصة في حياة الأب المليئة بالأحداث والحكايات، والتي تحاول "توناي" استكشافها وبعث الحياة في ذكرياتها.

"أتعب وأنا أركض وراء زمنك يا أبي. كأنك عشت عمرك بأزمان وليس بزمن واحد مثل البشر. عمرك الممتد كخرافة أحاول أن أستجلي غوامضها وأكشف حقيقتها وأفكك تشابك خيوط بكرتها. (...) كيف تحصلت على أحداث أزمنة وأمكنة ضاعفت فيها سنوات عمرك، وامتدت بك مثل جذور شجرة زيتون معمرة، وقفت فيها حارساً على الدنيا وأحداثها وناسها العابرين، وحدها الشاهد على الفناء والمحو، وما حولها ليسوا إلا مجرد دعسات لخطواتٍ تمحى بممحاة الزمن حين تلفها بكرته".

بعد وفاة والدها تقرر البطلة أن تذهب في رحلة استقصاء إلى مدينة "حائل"، المدينة التي تعود جذورها إليها، مدفوعة برغبة غامضة، لاكتشاف تعدد الأعراق في داخلها. تصوّر ببراعة الأماكن الأثرية التي تزورها مثل قصر القشلة، جبال السمرا، ودرب زبيدة الذي أمرت زوجة هارون الرشيد بشقه كي يجلب المياه من بغداد إلى مكة، ومدينة فيد التاريخية، هناك حيث ستستدعي أرواح ثلاث نساء أخريات هنّ: جدتها زينب أوغلو، زبيدة زوجة هارون الرشيد، جيرترود بيل سيدة الاستخبارات البريطانية الملقبة بالخاتون، والتي كان لها صولات وجولات في المدينة. لكل واحدةٍ منهن سيكون هدف ودافع لزيارة هذا المكان والوقوف على أطلاله، هكذا تحكي "توناي عثمان عبد القادر بن غطفان" ذكريات المكان من خلال منظور كل واحدةٍ منهن. ذلك المكان الذي تغيّر وتحدّث وتغرّب، وأرادت هي تخليده في رواية. فوزية شويش السالم، كاتبة كويتية. لها عدة دواوين شعرية ومسرحيات منشورة. تكتب مقالاً أسبوعياً في جريدة "الجريدة" الكويتية. أصدرت سبع روايات، من أبرزها: "الشمس مذبوحة والليل محبوس"، "مزون وردة الصحراء"، "رجيم الكلام"، و"سلالم النهار". الناشر: دار العين/ القاهرة عدد الصفحات: 328 الطبعة الأولى: 2017
يمكن شراء الرواية من موقع الفرات.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard