ليس غريباً في بلد لا تزال قوانينه تسمح بزواج القاصرات وتحرم اللبنانية المتزوجة من أجنبي من منح جنسيتها لأطفالها وتُقتل فيه ثماني نساء خلال شهر ونصف فقط، ويرفض نوابه إقرار كوتا نسائية تسمح بمشاركة نسائية وازنة في البرلمان، ألا تتمثل النساء عبر تاريخه سوى 21 مرة.
وليس غريباً بالتالي أن يحتلّ لبنان المرتبة 180 عالمياً والـ15 عربياً في نسبة مشاركة النساء في البرلمانات. فعدد النساء اللواتي دخلن الندوة البرلمانية منذ العام 1953، عام إقرار حق المرأة بالانتخاب والترشح، حتى يومنا هذا عشرٌ فقط، بعضهنّ مثلن الشعب أكثر من مرة.
وكانت ميرنا البستاني أوّل نائبة لبنانية وانتُخبت بالتزكية سنة 1963، خلفاً لوالدها النائب ورجل الأعمال البارز إميل البستاني الذي قضى في حادثة تحطم طائرته الخاصة. وانتظر اللبنانيون 28 عاماً، حتى عام 1991، ليروا امرأة جديدة في برلمانهم هي نائلة معوّض التي عُيّنت في البرلمان عام 1991 (جرت حينذاك تعيينات نيابية)، بعد اغتيال زوجها الرئيس رينيه معوض.
[caption id="attachment_137839" align="alignnone" width="700"] ميرنا البستاني[/caption]
وبعدهما، انتُخبت 9 نساء، بينهنّ معوّض، في دورات برلمانية مختلفة، وأعيد انتخاب خمس منهنّ أكثر من مرّة.
ومع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، في 6 مايو 2018، بعد نحو خمس سنوات من التمديد للمجلس الحالي، تسعى لبنانيات، مستقلات وحزبيات، إلى الفوز بمقاعد نيابية والمشاركة في الحياة التشريعية، في ظل رفض إقرار الكوتا النسائية في قانون الانتخابات الصادر عام 2017.
وبحسب أرقام 2016، هنالك 1،841،089 ناخبة يشكلن 50.8% من إجمالي الناخبين. وشكّلن في آخر انتخابات نيابية، عام 2009، 51.2% منهم، واقترع منهنّ 52.4%، أي أكثر من نصفهنّ.
وبعد أن كان عدد المرشحات لانتخابات عام 1992 ست نساء فقط، تستعد أكثر من 100 امرأة لبنانية، في أرقام غير نهائية، لخوض انتخابات عام 2018، وهو تقدم ملحوظ يُظهر بوضوح زيادة وعي المرأة اللبنانية بأهمية مشاركتها في الحياة السياسية وبحقها في ممارسة دورها التشريعي.
وفي البرلمان الحالي الذي يتألف من 128 نائباً، توجد أربع سيدات فقط. واللافت أنهنّ وصلن بفعل عامل الوراثة السياسية. فالنائبة بهية الحريري هي شقيقة رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وستريدا جعجع زوجة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ونايلة تويني ابنة النائب السابق جبران تويني، وجيلبيرت زوين ابنة النائب والوزير الراحل موريس زوين.
المرأة اللبنانية أثبتت قدرتها على النجاح في الوظائف العامة والدبلوماسية والقضائية والاقتصادية والمجتمعية... فلماذا إذاً يعتبر البعض أنها "لن تنجح في العمل التشريعي؟"
ليس غريباً أن يحتلّ لبنان المرتبة 180 عالمياً والـ15 عربياً في نسبة مشاركة النساء في البرلمانات... ولكن مرشحات كثيرات يحاولن تغيير الواقع[caption id="attachment_137838" align="alignnone" width="700"] النائبة ستريدا جعجع، زوجة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في إحدى جلسات مجلس النواب[/caption] وفي انتخابات 2018، تحاول بعض اللبنانيات كسر هذه الحلقة والتمثل في الندوة البرلمانية وفق معايير مغايرة لأن يكنّ بنات أو أخوات أو زوجات "رجال سياسة".
مرشحات حزبيات صوريات؟
بالرغم من فرصهن المتواضعة في الفوز، ترشح عدد قليل من النساء للانتخابات المقبلة على لوائح حزبية، ويشكّلن بحسب معطيات غير نهائية نسبة 20% من مجمل المرشحات، حسبما تقول العضوة المؤسسة لجمعية "نساء رائدات"، جويل أبو فرحات لرصيف22. وتتأسف أبو فرحات لكون الأحزاب اللبنانية "غير مبالية إلا بمصالحها الشخصية، وغير مبالية أيضاً بـ50% من الشعب اللبناني الذي هو من النساء، وغير مبالية بمشاركة المرأة في السياسة والحكم، بالرغم من أن أيّ تأهيل أو تطوير للبلد لن يتحقق بدون سيدات". وتؤكد المسؤولة الإعلامية لـ"التيار الوطني الحر"، آلين فرح، أنه سيكون هناك نساء على لوائح التيار في الانتخابات المقبلة، لأن التيار "يؤمن بأن هنالك طاقات نسائية مهمة من الضروري أن يكون لها دور وحضور في السياسة اللبنانية"، حسبما قالت. وتشير فرح إلى أن عدم إقرار الكوتا النسائية "لا يعني أن الأحزاب لن ترشح نساءً للانتخابات". ولكن عملياً، هناك فقط خمس مرشحات محتملات عن التيار الوطني الحر الذي ستضم قوائمه عشرات المرشحين هنّ نادين نعمة (بعبدا)، كاتيا وهبي (الشوف)، رندلى جبور (البقاع الغربي)، رندة عبود وجوسلين الغول (المتن). وقال مسؤول في التيار لرصيف22، طالباً عدم ذكر اسمه "لأن لا شيء رسمياً حتى الآن"، إن هؤلاء المرشحات خضن الانتخابات التمهيدية داخل التيار لكسب ترشيحه الرسمي ولكنّهن لسن "مرشحات رسميات" حتى اللحظة. وبالإضافة إلى التيار الوطني الحر، تستعد الأحزاب الكبرى كـ"تيار المستقبل" و"حزب القوات اللبنانية"، وأحزاب أخرى كحزب سبعة وحزب الخضر والكتلة الشعبية، لترشيح نساء بالرغم من قلّة عددهن، فيما رشّحت "حركة أمل" امرأة واحدة هي وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية عناية عز الدين. وكان البيان الوزاري للحكومة الحالية برئاسة سعد الحريري قد أكد على أن "الحكومة ستعمل مع المجلس النيابي على إدراج كوتا نسائية في قانون الانتخابات المنوي إقراره"، وبالرغم من كل تصريحات رؤساء الأحزاب ووعودهم، أُقرّ قانون الانتخابات بدون هذه الكوتا. أما "حزب الله"، فيستمر في استبعاد النساء عن قوائمه الانتخابية، وعبّرت عن توجهاته عضوة المجلس السياسي في الحزب ريما فخري، خلال مشاركتها في مؤتمر عقد مؤخراً حول تعزيز دور الأحزاب في تشجيع تمثيل النساء في انتخابات 2018، بقولها إن حزبها يتحفظ على مشاركة المرأة في الانتخابات النيابية "لأن ذلك سيكون على حساب عائلتها". وتشير المرشحة المستقلة عن أحد المقاعد الشيعية في دائرة حاصبيا-مرجعيون-بنت جبيل، الصحافية كارولين بزي، 33 عاماً، إلى أن "غياب دور المرأة السياسي"، هو أحد أهم الأسباب التي دفعتها إلى الترشح لانتخابات 2018. وتوضح بزي أن النائبات الحاليات "لم يتقدمن يوماً باقتراح قانون يلمس قضايا الناس وقضايا المرأة، حتى أنه لا يُستعان بامرأة للتحدث باسم كتلة معينة أو لإعلان موقف سياسي يعبّر عن الشريحة التي تمثلها، خاصةً أنه لا توجد أية مرشحة تفوز بمقعد نيابي إلا إذا كانت أخت أو ابنة شهيد أو مرشحة حزبية صورية لتطعيم اللائحة باسم نسائي". ومن هذا المنطلق، تعتبر بزي أن أكثر ما يعيق المرأة عن ممارسة دورها السياسي في لبنان هو "تهميش الأحزاب لدورها ورضاها بذلك". [caption id="attachment_137840" align="alignnone" width="700"] تظاهرة داعمة للكوتا النسائية أمام مبنى البرلمان في وسط بيروت عام 2008[/caption] من جهتها، تعتبر رجينا قنطرة، المحامية والمرشحة المستقلة عن المقعد الماروني في مدينة طرابلس الشمالية، أنه "من المعيب أن تكون نسبة التمثيل النسائي في المجلس التشريعي الحالي 3.1% في جمهورية ديمقراطية كلبنان". وتشير إلى أن المجلس النيابي "لا يزال ذكورياً، ولم نشهد حتى الآن أية رغبة عند الأحزاب بتطبيق الكوتا النسائية حتى بحدها الأدنى وهو 30%، رغم كل الوعود التي قُدّمت في هذا السياق".لا مكان للنساء المستقلات
ترى قنطرة أنه من الصعب على أيّ مستقل يخوض المعركة الانتخابية أن يصل إلى المجلس في ظل القانون الحالي، فـ"كيف إذا كان امرأة؟". وبعد ترشحها في أعوام 2009 و2013 و2014، تحاول قنطرة هذا العام الوصول إلى البرلمان لتطبيق برنامجها الانتخابي الذي يركّز على قضايا حقوق الإنسان والمرأة، مؤكدةً أن المرأة اللبنانية "أثبتت تمتعها بقدر كبير من المهارات القيادية، وأثبتت قدرتها على النجاح في الوظائف العامة والدبلوماسية والقضائية والاقتصادية والمجتمعية، فلماذا إذاً يعتبر البعض أنها لن تنجح في العمل التشريعي؟". أمّا بزي التي تخوض السباق الانتخابي للمرة الأولى، ببرنامج انتخابي منوّع يركز على فئة الشباب، فتشير إلى وجود صعوبات عديدة تواجه المرشحات المستقلات، موضحةً أن "أغلب الأحزاب تضمّ في صفوفها كوادر نسائية نشطة، ولكن على المرأة أن تفكر خارج الكادر الحزبي لتكون مشاركتها على مستوى الوطن". وبرأي بزي، فإن "فوز مستقلة واحدة في الانتخابات المقبلة يستطيع أن يكون بداية لتغيير ذهنية المواطن اللبناني". وكان وزير الدولة لشؤون المرأة اللبنانية جان أوغاسابيان قد أطلق خلال شهر يناير الماضي، خريطة طريق لتعزيز المشاركة الفعالة والمجدية للمرأة في الانتخابات. كما أطلقت الوزارة بالتعاون مع الأمم المتحدة، حملة إعلانية تحت شعار "نصف المجتمع... نصف البرلمان". لكن في ظل المنظومة السياسية الذكورية السائدة، من المستحيل أن تحتل المرأة اللبنانية فعلاً نصف البرلمان.المشاركة أهم من الفوز
في الوقت الذي تعمل فيه جمعية "نساء رائدات" من خلال مشروعها "نساء في البرلمان" على تنظيم حلقات نقاش في كافة المناطق اللبنانية، لتشجيع السيدات على الترشح ودعمهن تقنياً وإعلامياً لإيصال برامجهن الانتخابية إلى الناس، تعتبر العضوة المؤسسة للجمعية جويل أبو فرحات، أنه "بحسابات الواقع من الصعب جداً أن تنجح المرأة في خرق اللوائح الانتخابية، خاصة مع إقرر الصوت التفضيلي في القانون الحالي". وتشير إلى أن "لا أحد سيعطي صوته لامرأة جديرة بالمنصب ويفضلها على زعيم سياسي أو أحد النواب السابقين مثلاً". والحل الوحيد برأيها لنجاح النساء في الانتخابات المقبلة، هو أن "تدعم الأحزاب السيدات وأن تشجع ناخبيها على التصويت للمرأة، وهو ما لم يحصل حتى الآن". / تُجمع الناشطات النسويات على أن لبنان بحاجة لأن يتمثل في برلمانه عدد كبير من السيدات. ولكن الأهم برأي أبو فرحات هو أن "يحملن مشاريع سياسية حقيقية تشمل كل القضايا". أما عن التوقعات، فتشير أبو فرحات إلى أنه "يمكن أن تكون هنالك مفاجآت ونأمل أن تتمثل سيدات في البرلمان". ولكن إن لم يحصل ذلك، فالمهم برأيها أن "يكون عدد المرشحات كبيراً، لإثبات أن المرأة قادرة على الانخراط في العمل السياسي إلى جانب الرجل لإحداث التغيير المرجو". بدورها، تقول المرشحة كارولين بزي: "إن كنّ على غرار النائبات السابقات، فلن نشهد أيّ تغيير، ولكن إذا دخلت البرلمان نساء ناشطات ولديهن برامج انتخابية فزن على أساسها، أتوقع دوراً فعالاً وناجحاً لهنّ، ونتمنى ألا يقتصر عمل النواب على تقديم واجب العزاء فقط". أما قنطرة فتؤكد: "نحن نعتمد على أنفسنا، ونعتبر أن النساء في لبنان هن الأكثرية الحقيقية الوحيدة، فنحن ننتخب أكثر من الرجال، ونشارك في الحياة الخاصة والعامة وفي العجلة الاقتصادية في لبنان كالرجال وأكثر".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com