شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
السيدة الأولى في مصر بين الحضور السياسي والاختفاء الاضطراري

السيدة الأولى في مصر بين الحضور السياسي والاختفاء الاضطراري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 5 يونيو 201709:31 ص

لطالما احتلت السيدة الأولى مكانة خاصة داخل المجتمع المصري، وأحدثت جدلاً بما شغلته من أدوار في الحياة العامة، أو بما لم تشغله حتى. واختلفت زوجات الرؤساء المصريين من حيث الشخصية والظهور الاجتماعي وما قمن به من أدوار أسرية أو سياسية.

ناصر ينحي زوجته

تزوجت تحية كاظم، ابنة تاجر الشاي الإيراني محمد إبراهيم كاظم، جمال عبد الناصر في يونيو 1944، بعد علاقة نشأت بسبب صداقة تربط الأسرتين، واستمر زواجهما 26 عاماً، من بينها 18 عاماً لناصر في رئاسة مصر. ولكن "السيدة الأولى" لم تحظَ خلال كل هذه السنوات بأي امتياز سوى كونها "زوجة الرئيس"، واقتصر وجودها في حياة الزعيم على كونها "زوجته وأم أبنائه" فقط. وتنفي هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع السياسي، أن يكون انشغال تحية بالأسرة والأبناء سبب اختفائها من الحياة العامة. وروت أنه خلال إحدى الندوات بقصر طاز، وهو قصر يستقبل فعاليات ثقافية، سُئل خالد، نجل جمال عبد الناصر عن ذلك في حضورها، فأجاب بأن والدته كانت منشغلة بتربية الأبناء الخمسة، منى وهدى وخالد وعبد الحميد وعبد الحكيم، وزوجها بكل ما يحمل من "هموم الأمة". وأضافت لرصيف22 أنها صححت له الفكرة وذكّرته بإجابة ناصر على سؤال "لماذا لا يمنح زوجته امتيازات زوجة رئيس الجمهورية". وأجاب ناصر وقتها بأن زوجته ليست أفضل المصريات علماً ولا وطنية حتى تنال تلك المكانة لمجرد كونها زوجة الرئيس. كانت تحية زوجة محبة واتضح ذلك من مذكراتها التي نشرتها عام 2011 بعنوان "ذكريات معه" عن دار الشروق، ومن وصيتها بالدفن بجوار زوجها، وهو ما حدث بالفعل عند موتها عام 1992، "إلا أنها بلا شك كانت ترغب في الظهور على الساحة السياسية شأنها شأن أيّة زوجة زعيم، إلا أن ناصر لم يمنحها تلك الفرصة"، بحسب زكريا. طبّق ناصر معايير العدالة الاجتماعية التي نادى بها، فاختار السيدة حكمت أبو زيد أول وزيرة مصرية، بناء على معيار الكفاءة والتميز، وكانت ترافقه في جولاته، ولم تسمَّ سيدة مصر الأولى لكنها مُنحت صلاحياتها كاستقبال المسؤولين الدوليين وحضور المناسبات الرسمية والاحتفالات والاجتماعات وخاصة تلك التي تتعلق بقضايا المرأة، بحسب أستاذة علم الاجتماع السياسي التي عاصرت تلك الفترة.

جيهان السادات: السطو على الحكم

تُعدّ جيهان صفوت أكثر زوجات رؤساء مصر إثارة للجدل حتى الآن لحرصها الدائم على الظهور في كل المناسبات الهامة، حتى بعد مرور حوالي 40 عاماً على اغتيال زوجها. ولا تنكر هي نفسها ذلك فكتبت في كتابها "سيدة من مصر": حين جلست مع السيدة حرم الرئيس عبد الناصر في عزاء زوجها، كنت أتصارع نفسياً مع الاختيارات التي أمامي. فكزوجة رئيس الجمهورية الجديد، هل سأسير على خطى حرم الرئيس عبد الناصر التقليدية، فأبقى دائماً في البيت وأعرف كزوجة طيبة وأم، مؤديةً الحد الأدنى من الالتزامات الاجتماعية أم سأسير في خدمة الشعب؟". حرصت جيهان السادات على تغيير مفهوم زوجة الرئيس فكانت "أول" من حمل لقب "سيدة مصر الأولى" بل طغى حضورها على شخصية زوجها وتدخلت في قراراته في أحيان كثيرة. وبعكس عبد الناصر الذي كان يحرص على عدم ارتداء زوجته المجوهرات الثمينة أو ارتداء ملابس خارجة عن الاحتشام بمفاهيم تلك الفترة، وقضى على كل أشكال التكلف والظهور، "لم يكد يبدأ عهد السادات حتى ثارت جيهان على كل هذا بل بالغت في فعل العكس، ما جعلها تصطدم كثيراً بتقاليد المجتمع المصري"، بحسب زكريا. وتضيف زكريا: "لا أنسى حتى اليوم أننا كنا نتعاير بقبلة الرئيس كارتر لها في وجود زوجها. كان أمراً مشيناً للمصريين".
استفادت جيهان من منصب زوجها بكل السبل، فتخرجت بامتياز ونالت الماجستير بعد عام واحد من التخرج وعُيّنت في الجامعة رغم أنها لم تكن طالبة مجتهدة حسبما أوضح المؤرخ عبد الله إمام في كتابة "حقيقة السادات" والذي وصفها فيه بـ"سيدة مصر الأولى والأخيرة"، وتحدث عن المجاملات وإجبار أساتذة الجامعة على منحها دروساً خاصة. مارست جيهان سلطتها غير الرسمية في تمرير قانون الأحوال الشخصية رقم 44 لسنة 79 الذي ينص على أن الشقة من حق الزوجة، وعرف "بقانون جيهان". مرره البرلمان خلال ست ساعات فقط، وأسقط بعد عام 1985 لعدم دستوريته. وكانت السادات قد أوضحت أن دور زوجة الرئيس يضفي عليها مسؤوليات والتزامات عديدة، في الحديث والمظهر، فبساطة الزوجة تعكس تواضع الرئيس، ونصحت زوجات الرؤساء بضرورة الابتعاد عن عمل الزوج والتنحي عن الساحة والاكتفاء بمراقبة ما يحدث، مع أنها لم تلتزم البتة بذلك بحسب المراقبين.
زوجة الرئيس أم السيدة الأولى؟ كيف اختلفات شخصية زوجات رؤساء مصر وأدوارهن؟ من زوجة عبدالناصر إلى زوجة السيسي
حرصت جيهان السادات على تغيير مفهوم زوجة الرئيس فكانت "أول" من حمل لقب "سيدة مصر الأولى"

سوزان مبارك: قويت بعد مرضها

حملت سوزان ثابت لقب "سيدة مصر الأولى" لأطول فترة في تاريخ مصر بين عامي 1981 و2011. وطوال ثلاثين عاماً كان حضورها على الساحة قوياً ومؤثراً فاهتمت بالمرأة والطفل والمشروعات الثقافية ولا تزال الحملات والمشاريع التي نفذتها قائمة وأبرزها حملة محو الأمية، ومكتبة الأسرة، ومهرجان القراءة للجميع. وبحسب زكريا، كانت سوزان سيدة لبقة ومثقفة وتلقت تعليماً متقدماً بالجامعة الأمريكية، وكانت بسيطة في مظهرها وتعاملها، ولكنها لم تسر على الوتيرة ذاتها خلال فترة حكم زوجها. في البداية، كانت أصداء السخرية والغضب من جيهان السادات وأفعالها التي لا تناسب المجتمع المصري المحافظ لا تزال قوية، ففضل مبارك إبقاء زوجته بعيداً عن الأضواء وحملت لقب "الهانم" واكتفت برعاية الأسرة والقليل من الأنشطة العامة. حاول الكثيرون النفاذ إلى مبارك والانتفاع من رئاسته لمصر ولكنهم فشلوا، فسعوا إلى ذلك عبر "الهانم" مستغلين فترة إصابتها بمرض السرطان وعدم رغبة زوجها بإغضابها، واستغلتها شخصيات مثقفة في إقامة مشروعات ثقافية تخدم أهدافهم فدشنت مشاريع مكتبة الأسرة والقراءة للجميع وغيرها، بحسب زكريا.

أم أحمد: حالة "لن تتكرر"

نجلاء محمود هي زوجة الرئيس المعزول محمد مرسي. كانت تفضل أن تنادى "أم أحمد". أثّرت خلفيتها الإسلامية عليها كثيراً فارتدت "الخمار"، وهو غطاء للرأس يغطي النصف العلوي من الجسم، كما رفضت أن تحمل لقب زوجها لأن "المرأة لا تُنسب إلا لأبيها في الإسلام". أكدت أم أحمد مراراً وتكراراً أنها لا ترغب في لقب "سيدة مصر الأولى" وأنها ستعتزل الحياة العامة بل ستكتفي برعاية أسرتها ودورها المجتمعي من خلال مشاركتها ضمن برنامج "تربية الفتيات" في إطار جماعة الإخوان المسلمين. وكان أول ظهور لها في اجتماع خاص بمشروع سد النهضة ترأسته "زوجة المهندس خيرت الشاطر" وليس زوجة الرئيس. ويوضح أحمد بان، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، أن مرسي زوجها حكم مصر في مرحلة عدم اتزان سياسي ولم يكن له دور ملموس أو حضور قوي، ما انعكس على أم أحمد. فبرأيه، "كان مرسي مرشحاً احتياطياً للجماعة، وحتى عندما فاز بانتخابات الرئاسة أصبح رئيساً بدرجة موظف داخل مكتب الإرشاد يسبقه ويوجهه المرشد وخيرت الشاطر". وبالتالي كانت زوجة الرئيس مثله، توجهها زوجة الشاطر، بحسب بان. وكان التنظيم يوظفها في دور معين أو يطلب منها تصريحاً ما، "لأنها شخصية بسيطة ومتواضعة ثقافياً واجتماعياً ولا تمتلك مهارات أو مقومات هذا المنصب الحيوي، فهي مجرد امرأة مصرية بسيطة لا يتعدى طموحها تربية أبنائها ورعاية زوجها وإرضاء الله ورسوله". تزوجت نجلاء بمرسي في سن السابعة عشرة، وسافرت معه إلى أمريكا وعملت مترجمة للطالبات اللواتي أسلمن حديثاً في ولاية كالفورنيا، ولديها منه خمسة أبناء: شيماء وأحمد وعبد الله وعمر وأسامة. و"أتت ورحلت دون أن يلحظها أحد"، بحسب بان.

انتصار ومخاوف الماضي

عندما سُئل الرئيس السيسي عن ظهور زوجته في الحياة العامة، رد بأنه يحرص على عدم إزعاجها بأمور السياسة والشأن العام، وأنه يفضل أن ترعى الأبناء مع الاعتراف والإيمان الكامل بدور المرأة.
يبدو جلياً أن السيسي يسير على خطى ناصر في هذا الشأن. لم تظهر انتصار سوى مرات قليلة بدأتها بحفل تنصيب زوجها وحفل تكريم بعض القادة العسكريين عند بلوغهم التقاعد. واقتصرت أنشطة انتصار السيسي على دعم جهود زوجها، فدشنت حملة لجمع التبرعات لصندوق تحيا مصر، كما قامت بزيارة "تشجيعية" لمشروع حفر قناة السويس الجديدة، بالإضافة إلى رحلة بالأقصر مع زوجها بهدف تشجيع السياحة وطمأنة الأجانب على الأمن في مصر. وترى زكريا أن "السيسي جاء مشبعاً بكل التجارب السلبية السابقة والتي تسببت بها زوجتي السادات ومبارك بمتاعب لهما، وأدرك الجميع أن الشعب المصري ليس ساذجاً أو سهلاً بل يعلم كيف تدار الأمور، لذا آثر السلامة وفضل ابتعاد زوجته عن الساحة". ولعبت الخلفية الدينية للسيسي دوراً أيضاً، فهو رجل متدين ونشأ في منطقة شعبية ويدرك تقاليد المجتمع ويحرص على "حرمة وخصوصية أهل بيته"، تضيف زكريا.

التربية تحكم؟

يرى أستاذ التاريخ المعاصر والمؤرخ الاجتماعي عاصم الدسوقي أن اختلاف شخصيات زوجات الرؤساء راجع إلى التنشئة الاجتماعية والتربية والالتزام بالتقاليد. فتحية ونجلاء وانتصار لهنّ شخصية شرقية تقليدية تنزع إلى رعاية الأبناء والأسرة بالدرجة الأولى، وإن اهتممن بالعلم والعمل، أما سوزان ومن قبلها جيهان فلهما أصول غربية، فوالدة الأولى من ويلز والثانية من مالطا وقد نشأتا على أفكار المساواة والظهور، ومن هنا كانت رغبتهما في السيطرة أكبر، بحسب الدسوقي. ويلحظ الدسوقي توافقاً كبيراً بين شخصية كل رئيس وزوجته ومواقفها وطبيعتها. فكل حاكم طبق فلسفته في الحكم على زوجته أولاً. فتعمّد ناصر إقصاء زوجته حرصاً على العدالة الاجتماعية التي طالما تغنى بها، أما السادات فترك لزوجته مساحة كبيرة للحرية والانفتاح بل وانساق معها وخرج كثيراً على تقاليد المجتمع المصري، بينما سار مبارك على نهج أقرب إلى نهج السادات، فلم يمنع سطو زوجته على مقاليد الحكم، فيما لم يكن لمرسي أيّة فلسفة أو خيار في الحكم، فسارت زوجته بلا توجه كذلك، وأخيراً فضّل السيسي إبعاد زوجته خشية الوقوع في ما آل إليه سابقوه.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image