إن كنّا نعتقد بأننا لا نعرف الأغاني السودانية، يمكن أن نعيد النظر في ذلك، فبعض ما سمعناه من أعمال مغنين مصريين، أصله سوداني. فمثلاً أحد أعمال محمد فؤاد "الليل الهادي"، هو حقيقة أغنية بديعة لشرحبيل أحمد، أحد أكثر فناني السودان شهرة وشعبية:
الغناء السوداني هو من الفنون الثرية التي حققت تأثيرا عربياً وأفريقياً مميزاً بفعل الموقع المميز الذي يحتله السودان كبوابة للعرب على أفريقيا، وكذلك كبوابة لأفريقيا على العرب.
وقد حقق الفنانون السودانيون الكثير من النجاحات في مزج الفن العربي والأفريقي ليخرجوا بفنهم الخالص، والذي لم يحظ بما يستحقه من مكانة رغم ذلك.
كان حصول الفنان السوداني، محمد وردي، على جائزة أفضل فنان أفريقي في 1997، من الإشارات الهامة لتأثير السودانيين في الفن الأفريقي والعربي، ممثلاً جيل الوسط الذي قام بآخر تطور فني بارز للموسيقى السودانية.
حيث استطاع الغناء باللهجتين النوبية والعربية مع السودانية، واستخدم الإيقاعات السائدة في أفريقيا ومصر، ما ضمن له شعبية كبيرة.
محمد وردي الفنان السوداني الذي مزج الإيقاعات الأفريقية والمصرية، وغنّى باللهجة النوبية والعربية.
وأشار الفاتح حسين، الأستاذ بكلية الفنون والدراما السودانية، في ورقة بحثية بعنوان "لمحات تاريخية عن الموسيقى والغناء بالسودان"، إلى أن النصف الثاني من الثمانينات شهد نقلة كبيرة في المجال الفني بظهور فرق تخرج مؤسسوها من معهد الموسيقى والمسرح السوداني، مثل فرقة السمندل، وفرقة عقد الجلاد.
كما ظهرت فرق جديدة متأثرة بذات النهج، من الاهتمام بالتراث الموسيقي والغنائي الشعبي، بحسب نفس المصدر.
إلا أن الثراء الذي حققته الفرق السودانية لم يشفع لها في مواصلة مسيرتها الفنية والتاريخية أيضاً، التي توقفت بسبب الظروف السياسية والاجتماعية، أو الخلافات بين أعضاء الفرق، أو مرض ورحيل أعضائها.
السطور التالية تلقي الضوء على أبرز الفرق السودانية التي أثرت بشكل كبير في الفن والشارع السوداني ولكنها توقفت لأسباب مختلفة.
"عقد الجلاد": إبداع ومشروع وطني لتوحيد السودان

انفرط عقد الجلاد في 2010، بإعلان عثمان النو، انفصاله مع ألحانه عن المجموعة، وسحب اسم الفرقة والشعار والأوراق الرسمية الخاصة بها، بحجّة أن الصراع داخل الفرقة أصبح شخصياً، وعلق على رحيله عن الفرقة التي أسسها قائلاً: "جوه في ديمقراطية ورفع أصابع".
وعندما كانت تعاني السودان، من تصاعد أصوات داعية للانفصال، غنت عقد الجلاد: "يي بليدنا، وكلنا إخوان، سوداني بليدنا وكلنا إخوان".
قانتقدوا الحرب التي تخطف "اللقمة" من أيدي الأطفال الجياع، وكانوا يدعون بالمقابل "للخضار والازدهار، للسلام والتنمية، وللعصافير المهاجرة، تبني عشها مرة تانية"، كما تقول كلمات الأغنية. حتى بعد الانفصال السياسي بين شمال السودان وجنوبه، استمرت الأغاني السودانية في لمّ الشمل وتوحيد البلاد فنياً
موسيقى السودان التي مزجت تأثيرات العرب على أفريقيا، وكذلك روح أفريقيا على ثقافة العرب
بعد 20 عاما من الصمت، "البلابل" عدن من جديد
بدأت الفرقة المكونة من الأخوات الثلاثة آمال، وهادية، وحياة طلسم، مشوارها الفني عام 1971، بأعمار تتراوح بين 13 و17 عام، ليسهمن إسهاماً فريداً في نشر الأغنية السودانية وتطويرها، ويحققن نجاحاً كبيراً في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. مع التفكير في تكوين الفرقة طرحت ثلاثة أسماء فنية للفرقة وهي العصافير والطيور والبلابل، قبل أن يقع الاختيار على الأخير، ليصدحن بأولى أغنياتهن في حلفاية الملوك بالخرطوم، وكانت "على طريق الحب مشينا" أول عمل غنائي للفرقة. ولاقت نجاحاً كبيراً، وتبعها العديد من الأعمال الغنائية الناجحة التي سجلها الفريق للإذاعة السودانية، كما قدمها في حفلات غنائية داخل السودان وخارجه، وبلغ رصيدهن الفني حوالي 45 أغنية، ومن أشهر أغنياتهن "البسأل ما بتوه"، و"نحييك"، و"مشوار سنين".
قالت حياة، في تصريحات صحفية عن عودتهن: "مشاركتنا في سنترال بارك مع الفنانين السودانيين بنيويورك عام 2007، وفي ديترويت وشيكاغو في 2008 كانت بداية للتفكير في العودة للوطن"، لتتابع هادية: "العودة ليست مجرد ترديد الأغنيات القديمة.. نلاحظ الفجوة الكبيرة والركود في الوسط الفني الذي أعاد الجميع لاجترار أغنيات الحقيبة أو أغنيات الغير، عدنا لنقدم تجربة جديدة رغم الصعوبات".
"ثلاثي العاصمة": نصف قرن من الإبداع
في وقت مبكر جداً، ظهر فريق ثلاثي العاصمة في 1962. وضمّ الكبار السني الضوي، ومحمد الحويج، وإبراهيم أبو دية، الذين مثلوا ظاهرة فريدة في الغناء الجماعي السوداني. وكانت أولى أغنياتهم "ما سألتم يوم علينا".ومن أشهر ما قدموه "لما ترجع بالسلامة"، "والله وحدوا بينا"، "دنيا الريد غريبة"، التي حققت نجاحا وقبولاً كبيرا في الشارع السوداني. بدأ السني طريقه الفني كملحن بارع يقدم ألحانه لكبار الفنانين، منهم إبراهيم عوض، ومنى الخير. ولحن 191 عملاً، سجل منهم 87 أغنية بالإذاعة السودانية، بينما بدأ محمد الحويج وأبو دية كمغنيين منفردين كما مارس الأخير مهنة الخياطة إلى جانب عمله الفني، قبل أن يجتمعوا في الثلاثي الذي لم يكتب له الاستمرار طويلاً، حيث غيب الموت الحويج في 1964. وبذلك فقد الفريق ضلعه الثالث وتوقف عن الغناء لعام تقريباً، ثم عاد في 1965 وتحول الفريق لاسمه الأشهر "ثنائي العاصمة". هنا لما ترجع بالسلامة، من أشهر أغنيات الثنائي:استمر الثنائي في تقديم الألحان والأغنيات المميزة، وتميز بتقديم الكلمات البسيطة والألحان الخفيفة، إلى أن توفي الفنان إبراهيم أبودية في 2005، ليكتب بذلك نهاية الفريق الفني الذي أثرى الفن السوداني منذ بدأ طريقه في ستينيات القرن الماضي.
"الحوت" وحّد السودان فنياً حتى بعد انفصاله السياسي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 8 ساعاتاول مرة اعرف ان المحل اغلق كنت اعمل به فترة الدراسة في الاجازات الصيفية اعوام 2000 و 2003 و كانت...
Apple User -
منذ يومينl
Frances Putter -
منذ يومينyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ 4 أيامأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ 4 أيامتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ 4 أيامغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...