هل تبحث عن حقيبة يد لشانيل أو ديور أو لويس فويتون، أو ربما عن ساعة رولكس أو كارتييه؟ قد تجذبك نظارات الشمس، رايبن أو أوكلي، أو حتى غيرها من العلامات التجارية العالمية المعروفة؟ كل ما تطلبه وتتمنّاه بين يديك وبأسعار بخسة في عدد من الأحياء الشعبية في دبي بعيداً عن المدينة ومتاجرها التجارية الضخمة أو "مولاتها". حتى المواقع السياحية باتت تذكر سوق الكرامة أو سوق الذهب في دبي كأحد الأماكن التي يجدر بالسياح تخصيص بعض الوقت لها خلال رحلتهم.
إلا أن كل تاجر أو بالأحرى كل سوق يعتمد على طريقة بيع مختلفة لجذب الزبائن ولتجنّب المداهمات. لا تستطيع التجوّل في "زواريب" سوق الذهب بهدوء. مع كل خطوة يستوقفك أحدهم ويسألك: "سيدتي، أتريدين نظارات شمسية، حقائب، ساعات؟". وفي حال قلت "نعم"، تنتظرك تجربة لم تكن لتتصوّرها. يرافقك في أزقة صغيرة ويدخلك الى أحد المباني لتقف أمام باب موصد. هنا يقرع الباب بطريقة خاصة فترى "جنة البضائع المزوّرة"، حقائب من كل الألوان والماركات تحاكي كل الأذواق، وساعات ونظارات من كل الأشكال والأحجام. كلّ ما تطلبه تجده، بأسعار "مقبولة" وقابلة للتفاوض.
عندما تحاول أن تسأل أحد التجار عن كيفية سير هذه الأعمال غير الشرعية، يجيبك "نتوخّى الحذر، تقوم السلطات بمداهمات كثيرة، إلا أن الأعمال ستستمّر، فهي مصدر عيشنا". مصدر عيش يعتمد على بضائع من الصين وتايلند وغيرها من الدول. لا نتمكّن من طرح المزيد من الأسئلة، فالصحافيون غير مرحّب بهم هنا، إلا إذا كانوا من الزبائن!
قد تكون تجربة سوق الذهب فريدة من نوعها، غير أن زيارة سوق الكرامة تشكّل صدمة كبيرة. فهنا لا متاجر سريّة، بل متاجر "رسمية" تعرض بضائعها المزورة على مرأى الجميع. متاجر كثيرة تبيع البضائع ذاتها والعلامات التجارية ذاتها.
عند سؤالنا أحد التجار ما إذا كانت السلطات تضيّق الأمور عليهم أو تسمح لهم بإدارة أعمالهم، يجيب: "لا مشكلة في بيع حقائب "مالبيري" أو "مايكل كورز" أو حتى "لونشان"، إلا أننا لا نستطيع بيع منتجات "شانيل" و"سيلين" و"لوي فيتون" لأنّ هذه الشركات تقدّم شكاوى بحقّنا وتثير لنا المشاكل". سرعان ما يسألني بدوره إن كنت مهتمّة بشراء هذه "الحقائب الممنوعة" ويمنحني جهاز "آي باد" لتفقّد صورها. "في السابق، كنّا ندخل الزبون إلى غرفة خلفية، إلا أن الأمور باتت أكثر تعقيداً، لذلك نفضّل استخدام التكنولجيا". وفي حال أعجبك أي منتج يصفه التاجر بالمنتج المزوّر "الأصلي" (بسبب جودته)، يحضره لك وتبدأ عملية التفاوض على السعر.
في سوق الكرامة تتنوّع المتاجر والمنتجات، إذ تجد أيضاً الملابس والعطور وحتى الأحذية. تستوقفك شارات تضعها معظم المتاجر، مثل "كن على حق واعرف حقوقك كمستهلك" ضمن مبادرة دائرة التنمية الاقتصادية. يدفعك ذلك إلى التساؤل عن الإجراءات التي تقوم بها السلطات فعلاً للحدّ من هذه الظاهرة المتفاقمة في البلاد.
لا تقتصر ظاهرة البضائع المقلدة على منتجات الرفاهية من حقائب اليد والنظارات والساعات، بل هي تطال أيضاً الأدوات الإلكترونية والأدوية والسجائر… ما يجعلها "آفة" ليست حكراً على دبي فحسب، بل على العالم كلّه. بحسب غرفة التجارة الدولية، تستنزف البضائح المقلّدة تريليون دولار من الاقتصاد العالمي، وتسرق أكثر من 2.5 مليون وظيفة وتهدد حياة ملايين المستهلكين. لا تعتبر الإمارات العربية المتحدة غريبة عن هذه الظاهرة، لا بل هي في قلبها، من حيث موقعها ونجاح مرافئها في أن تكون صلة وصل بين الغرب والشرق. حتى لو أنّ أغلبية المنتجات المقلّدة لا تُصنّع في الإمارات، إلا أن تلك الأخيرة تشكّل بوابة ترانزيت لها إلى العالم وخاصة الاتحاد الأوروبي.
نتيجة لذلك، ووفق تقرير للمفوضوية الأوروبية، قفزت دبي من المرتبة الخامسة في عام 2011 (2.8 بالمئة من البضائع المضبوطة في الاتحاد الأوروبي) إلى المرتبة الثانية، بعد الصين، بنسبة 8.37 بالمئة عام 2013. واعتبرت الإمارات كـ"المنفذ المنشأ" لـ11 بالمئة من منتجات العناية بالجسم، بما فيها شفرات الحلاقة، الشامبو، مزيل الروائح، الصابون، وفراشي الأسنان، إضافة إلى 7 بالمئة من العطور ومستحضرات التجميل.
يطلعنا عمر شتيوي، رئيس مجلس إدارة مجلس أصحاب العلامات التجارية BPG أن "المنتجات المقلّدة تشكّل 10 بالمئة من إجمالي التجارة العالمية. ولكن، على صعيد الدول العربية، لا توجد أرقام موثّقة". يخبرنا أن مجلس أصحاب العلامات التجارية، وهو منظمة غير ربحية، يتكوّن من مجموعة من الشركات العالمية والمتخصصين في مجال القانون "من أجل الضغط مع أصحاب القرار لحماية حقوق الملكية الفكرية ومحاربة التقليد المحظور للبضائع الأصلية".
يعمل المجلس عن كثب مع السلطات الإماراتية لمحاربة هذه الظاهرة. بحسب شتيوي، وقّع المجلس عدداً من مذكرات التفاهم مع سلطات الجمارك في دبي والشارقة ورأس الخيمة، بالإضافة إلى مذكرات تفاهم مع لجنة حماية نوعية العلامات التجارية في الصين ومنتدى الملكية الفكرية الدولية في اليابان. تكمن مهمة المجلس في تنظيم جلسات تدريبية للمفتّشين لمحاربة البضائع المقلدة، على غرار مفتّشي الجمارك وموظفي دائرة التنمية الاقتصادية والبلديات والشرطة والهيئات القضائية. يطلعنا شتيوي على أن المجلس درّب "أكثر من 2000 مفتّش في كل أنحاء مجلس التعاون الخليجي وأكثر من 1500 طالب في الإمارات العربية المتحدة لزيادة الوعي".
في الحديث عن الخطوات التي تتّخذها السلطات الإماراتية للحدّ من "التقليد"، يقول شيتوي أنها "تقوم بمداهمات وتتلف البضائع المزوّرة في الأسواق، إضافة إلى تفتيش حاويات المنتجات المستوردة عند دخولها".
بالفعل، كثرت في الآونة الأخيرة أخبار عن عمليات مداهمة تقوم بها السلطات الإمارتية. بحسب يوسف عزير مبارك، مدير إدارة حماية حقوق الملكية الفكرية في جمارك دبي، 203 عملية مداهمة تمت خلال 2013. ضبط قطاع الرقابة التجارية وحماية المستهلك في دائرة التنمية الاقتصادية في دبي، على سبيل المثال، 170,500 قطعة من العطور المقلدة التي بلغت قيمتها 550,000 دولار. وكانت الدائرة قد ضبطت في وقت سابق من شهر مارس الماضي 1,2 مليون قطعة من مستحضرات التجميل في مستودع في رأس الخور/ دبي بقيمة 2.5 مليون دولار.
بالإضافة إلى عمليات المداهمة، يعتبر شتيوي أن "السلطات الإماراتية تبذل جهداً كافياً لمحاربة البضائع المغشوشة، فقد صادقت على عدد من الاتفاقات الدولية، كما أنها بدأت بتطبيق قوانين على الصعيد الإقليمي والمحلي". في هذا الإطار، وافق المجلس الوطني الاتحادي على مشروع قانون لمكافحة الغشّ التجاري في الرابع من مارس الماضي. ينصّ مشروع القانون على تغريم التجار بمبلغ مليون درهم (ما يعادل 273,000 دولار) إضافة إلى عقوبة السجن حتى عامَين.
لا يزال القانون يحتاج إلى توقيع الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حتى يصبح ساري المفعول. إلى ذلك الحين، القانون الوحيد النافذ حول الغش التجاري المعمول به في البلاد يعود إلى عام 1979، وينصّ على السجن لمدة أقصاها عامان وغرامة بقيمة 10,000 درهم كحدّ أقصى (ما يقارب 2,700 دولار) لمن يتحايل على الزبائن من خلال تسليمهم منتجات لا تطابق تلك التي طلبوها.
يعتبر شتيوي أن "الشراكات الحقيقية بين القطاعين الخاص والعام وحملات التوعية هي أدوات فعّالة لتقليص المنتجات المزوّرة وحماية الاقتصادات المحلية والصحة العامة". إذ لا تكبّد هذه الظاهرة ملايين الدولارات من الخسائر للشركات العالمية فقط، بل تهدّد حياة ملايين الأشخاص، لاسيما الأدوية المزورة أو قطع السيارات. من بين المبادرات الفردية، أطلّ تطبيق "أصلي" لمكافحة ظاهرة التزوير و"تحويل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى المنطقة الأكثر أماناً للتسوّق في العالم".
تم نشر هذا المقال على الموقع بتاريخ 03.04.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...