"كان مثقفاً أكثر من اللازم، متأثراً بالكتب وبلغتها الغامضة أكثر، ربما، من تأثره بالواقع، لذلك حلم بقلب موازين الصراع الطبقي للشعب بأكمله، وليس لنفسه فقط. كان بإمكانه في الحقيقة أن ينتقل هو وحده من طبقة الحثالة إلى طبقة النبلاء. (...) قررت حينها أن أواصل الطريق عوضاً عنه، بالطريقة الصحيحة، بطريقة أبناء حيي وليس بطريقة طلاب الجامعات، دون أحزاب ودون نقابات ودون تنظيمات ودون مظاهرات، بل بمفردي فقط، بسكين كبيرة داخل ثيابي".
هكذا، تبدأ العصابة أعمالها بالسرقة والنهب وتجارة الممنوعات، وحتى القتل. كل شيء مباح طالما أنه يوصل للهدف النهائي. لن يبدو ذلك غريباً أو غير مألوف في المكان الذي نشؤوا فيه، إذ كانوا محاطين أصلاً بالمجرمين على مختلف أشكالهم. يبرع "بنميلود" في رسم هذا العالم، عالم القاع بكل ما فيه من نماذج بشرية، الرجال السكارى والقتلة والقوادون، النساء اللواتي يلجأن إلى الحي بحمل غير شرعي، الأطفال المتروكون للعراء والفقر... يكتب عن كل هؤلاء بلغة يمكن وصفها بأنها لغة تنتمي إلى المكان، فالمفردات التي يستخدمها والتشابيه التي يستعملها كلها مستمدة من هذه البيئة التي تتحرك فيها شخصياته.يبرع "بنميلود" في رسم هذا العالم، عالم القاع بكل ما فيه من نماذج بشرية، الرجال السكارى والقتلة والقوادون، النساء اللواتي يلجأن إلى الحي بحمل غير شرعي...
ليس هناك جنية قرب المقبرة ولا وحش داخل النهر، بل المخزن هو الذي يعتقل هؤلاء المساخيط المارقين ليؤدبهم...ورغم أن الخط الذي بدأت به الرواية هو تذكّر مراد لحياته السابقة على السجن، وحياة صديقيه، إلا أن هذا الخط سيتفرع ويتشعب ليصبح الحيّ هو بطل الرواية، وحكايات القاطنين فيه هي الشاغل الأساسي للسرد. ومن الحكايات التي تأخذ نصيباً مهماً من الرواية حكاية "الفرناطشي"، الذي يعمل في تحطيب الأشجار، من أجل الفرن، لكنه في الحقيقة كان "حطاب أرواح" أيضاً. إذ كان يستغل مرور أي شخص وحيداً، وبضربة واحدة لا يكررها، ينهي حياته، ثم يسحب الجثة مع الحطب إلى الفرن، وهناك يضاجعها طوال الليل، قبل أن يرميها فجراً إلى النار. بعد ازدياد عدد المختفين، تبدأ القصص والأساطير والخرافات بالظهور لتفسير أسباب هذا الاختفاء، منهم من يعزو الأمر إلى الجن، ومنهم من يقول إنه وحش النهر خطفهم، وآخرون يخترعون سبباً ثالثاً. وحدها السلطة تستغل هذا الأمر لصالحها، ولكي تعزز سطوتها على الناس، وتقمع معارضيها وتخوّف الآخرين من الانضمام إليهم، تشيع عن طريق أحد رجالها أنها هي من تعتقل الناس لأنهم مخرّبون.
"رفع المقدّم يده فسكتوا بعد ثوان ليواصل كلامه: دعوني أكمل يا جماعة الخير، قلت لكم إن لهؤلاء الكفرة فرعاً هنا، وهدفهم هو انضمام عدد أكبر منكم ومن أبنائكم إلى عصابتهم، وزرع الكفر والفتنة والزندقة والقلاقل في البلاد والعباد. لكن المخزن لن يسكت على ذلك، بل سيضرب بيد من حديد. ليس هناك جنية قرب المقبرة ولا وحش داخل النهر، بل المخزن هو الذي يعتقل هؤلاء المساخيط المارقين ليؤدبهم".
"قد تبدو حربنا داخل الحي من أجل البقاء ومن أجل الخروج من جحيم الحثالة حرب شوارع وأبناء حواري عديمي التربية والأخلاق، وسخةً وخارجة عن العدالة والقانون. هذا صحيح دون شك، لكن، من يحدد ذلك القانون وتلك العدالة؟ أليست تلك الدولة نفسها التي لا شك أن لها تاريخاً مجيداً في الحروب والدمار وتدمير المنازل وحرق الأعداء بالقنابل والقذائف والصواريخ؟ أليست تلك الدول نفسها عصابات مسلحة تحتجز شعوباً عزلاء بكاملها لتفعل بها ما تشاء وما تريد؟".
محمد بنميلود، كاتب مغربي. يكتب الشعر والقصة والرواية والسيناريو. "الحي الخطير" روايته الأولى. الناشر: دار الساقي/ بيروت عدد الصفحات: 192 الطبعة الأولى: 2017رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين