شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الإسعافات الأوّليّة لمصري نجا من محاولة انتحار:

الإسعافات الأوّليّة لمصري نجا من محاولة انتحار: "لو بتصلّي وبتقرأ قرآن مش هتفكر تعمل كده"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 8 فبراير 201804:57 م
يبدأ بفقدان الشغف وينتهي بفقدان الحياة، ينزع كل مذاق للمتعة، ويمتص ألق الألوان من حولنا، لا يفرق الاكتئاب بين شاب متدين يملأ الدنيا وعظاً وحكمة، وفتاة مبتهجة على أعتاب الحياة، فلا عجب إذن أن ينتشر بين الشباب هوس الانتحار، خاصة في بلاد يكسوها القهر وتغلفها الظروف الطاحنة وتتجاهل مؤسساتها الرسمية انتشاره بين الشباب.

"عاملونا معاملة سيئة في المستشفيات"

ليس صحيحاً أن الاكتئاب يتركز فقط في محافظة القاهرة كعاصمة تحمل من اسمها الكثير من سمات القهر والألم، وإنما تخبرنا المؤشرات أنه ليس هنالك محافظة واحدة في مصر لم تشهد حالات انتحار نتيجة اكتئاب خاصةً في الفترة الممتدة من 2011 حتى الآن. تحكي ش. م. طالبة جامعية من محافظة أسيوط عن مأساة شقيقتها ذات الثامنة والعشرين التي اعتزلت الجميع حتى أسرتها في سن المراهقة، لم ينتبه والداها إلى ضرورة عرضها على طبيب نفسي مبكراً، وتروي ش. أن شقيقتها حاولت الانتحار مرتين، كانت آخرهما بتناول كميات كبيرة من الأدوية، وتستطرد "عانينا من المعاملة السيئة أنا وأهلي في المستشفيات التي كانت تستقبلها، خاصةً أنها مراكز طبية صغيرة بقريتنا أو في القرى المحيطة، فكانوا يرموننا بنظرات مهينة وكلمات تشي بضعف إيماننا وسوء تربية والديّ لها". وتضيف "وكانت النتيجة في كل مرة المزيد من محاولات التدين بدءاً من الصوم، مروراً بالاعتكاف داخل حجرتها لقراءة الأذكار والقرآن، وانتهاء بارتداء النقاب. وكل خطوة من هذه الخطوات تخطوها شقيقتي بضغط من الجميع الذين يلومونها قائلين "عاوزة تموتي نفسك وتجيبي لأهلك العار"، ظناً منهم أنها كلمات تحض على الشفاء، مستبعدين أن نعرضها على طبيب نفسي فلا يتقدم أحد لخطبتها. وتستطرد ش. "وها نحن الآن في بيت واحد لا نعرف عنها شيئاً، ولا هي تريد أن تسمع منا كلمة واحدة، فقط نفتح حجرتها من حين لآخر لنطمئن إلى أنها لم تحاول الانتحار مرة أخرى، وقد كانت في يوم من الأيام من أذكى فتيات قريتنا".

"خشيت أن أصارحهم بمشاعري"

البطالة، غلاء المعيشة، الفساد، تأخر سن الزواج، عدم قبول الآخر إلا إذا كان فرداً في القطيع، هذه كلها أسباب تؤدي إلى الشعور بالاكتئاب خاصةً بين جيل الشباب الذي، إن حالفه الحظ وأدرك مشكلته مبكراً فسيصطدم بالأفكار التي تستنكر وتتهكم من احتياجه لطبيب نفسي. فما زال يُنظر للمريض النفسي بوصفه مجنوناً، خاصةً إذا قام بزيارة طبيب بالفعل، إضافة لغلاء أسعار أجور الأطباء النفسيين في مصر، وتبدأ من 250 جنيهاً أي ما يساوي 14 دولاراً تقريباً، وهو مبلغ لا يستهان به في ظل ارتفاع الأسعار. يروي ممدوح ن. 32 سنة -موظف- حكايته مع مرض الاكتئاب، فيقول "لا أدري متى أصابني الاكتئاب ولكن الأكيد أنه تمكن مني تماماً، خاصةً بعد أن شاركت في ثورة 25 يناير ومرت السنوات ولم يتغير شيء مما قد ثُرنا بسببه، أصبحت لا أقوى حتى على القيام من سريري ولا أريد أن أتناول طعامي أو أشرب. فقط أدخن بشراهة". ويكمل "نصحني أحد الأصدقاء أن أزور طبيباً نفسياً، لكني رفضت بشدة، فقد نشأت في أسرة لا تؤمن بالمرض النفسي وتنظر إلى المرضى النفسيين باعتبارهم عاراً على أُسرهم، كما خشيت أن أصارحهم بما يعتريني من مشاعر مضطربة وأفكار انتحارية كي لا يتهموني بـ"الدلع". فنحن ميسورن مادياً ولا مبرر من وجهة نظرهم لإصابتي بهذا المرض. ساءت حالتي مع الوقت، وأقدمت على الانتحار ملقياً بنفسي من الشُرفة". يقول ممدوح "للأسف، لم أفارق الحياة، أصبت بالعديد من الكسور بأنحاء جسدي مما استدعى إقامتي في المستشفى عدة أيام، واستنكار عائلتي لما قمت به واعتباري كافراً دون أي نقاش يذكر أو مراعاة لحالتي الصحية. ولم يدخر العاملون بالمستشفى أي جهد في تأنيبي، وأول جملة سمعتها من الممرضة التي تولت رعايتي كانت "أكيد انت بعيد عن ربنا، ما هو لو بتصلي وبتقرأ قرآن مش هتفكر تعمل كده".

مبادرات على مواقع التواصل الاجتماعي تنوب عن الإعلام

في ظل تجاهل الإعلام حالات الانتحار الناتجة عن الاكتئاب، ومحاولة تفسير الظاهرة خاصةً مع تزايد المعدلات بشكل لافت، نجد بصيصاً من النور في حملات تلقى صدىً لدى مواقع التواصل الاجتماعي، الذي ساهم بشكل كبير في إنقاذ العديد من المرضى وإرشادهم إلى الأماكن التي يمكن أن تساعدهم. "تصلني رسائل لا حصر لها من مرضى اكتئاب من كل المحافظات على حافة الانتحار الحقيقي، فكيف سنساعدهم من دون كوادر وإمكانات واهتمام من الحكومة؟". هكذا يبدأ سامح حجاج، نائب مدير مستشفى العباسية، حديثه مع رصيف22، ويرى أن ذلك المرض منتشر، ولا توجد أرقام دقيقة في مصر تشير للنسب، لكن في تقديره تراوح النسبة بين 3% و17% حسب المحافظات، مما دفعه إلى تدشين هاشتاج "احكي عن الاكتئاب"، وآخر باسم "الصحة النفسية مش رفاهية"، ومن خلالهما يحكي حجاج بجانب أطباء آخرين، ومرضى اكتئاب كذلك، عن ذلك المرض. كما قام برصد وتدوين أهم المراكز التي تقدم خدمة الدعم النفسي في جميع المحافظات.
يؤكد حجاج أن العامل الأساسي لمرض الاكتئاب هو بيولوجي في المقام الأول، فلا توجد عقيدة دينية تحمي من عدم التعرض للاكتئاب، ويصف طبيعة المرض قائلاً "هو عبارة عن إصابة الدوائر العصبية المسؤولة عن الإحساس بالمتعة". ومن ثم يُعامل مريض الاكتئاب بشكل مختلف عن الشخص الطبيعي، فلا يصح أن ينصحه الآخرون بسماع الموسيقى أو قراءة القرآن أو مجرد الخروج في نزهة.

رفع الوعي بمرض الاكتئاب وتطبيق الدستور

ومع تنامي الوعي في شأن العديد من الأمراض التي أخذت في الانتشار وجمع التبرعات لها مع تخصيص مراكز صحية كبيرة لدعم المرضى وأسرهم، كمستشفيات علاج السرطان ومستشفيات علاج الحروق، لا نجد أي اهتمام بالمرض النفسي من قبل الدولة ومؤسساتها كونه مرضاً نفسياً وليس جسدياً. يلفت حجاج إلى ضرورة تغيير الدولة نظرتها للصحة النفسية، مشيراً إلى الدستور نفسه، فالمادة رقم 18 تقول إن الدولة تلتزم بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي، وهذه المادة غير مُطبقة على أرض الواقع. من ناحية أخرى، فإن عدد الأطباء داخل مستشفى العباسية يقل لمصلحة دول الخليج بسبب ضعف الراتب الذي يتلقاه الطبيب، كما أن هناك حاجة ماسة لتأهيل الممرضين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين للتعامل مع المرضى بشكل يتجاوز إنقاذ الجسد إلى إنقاذ الروح أو حتى التعامل معهم بشكل لا يثير مشاعرهم ويدفعهم للتفكير بالانتحار. يقول الدكتور أسامة الصيرفي، مدرس السموم الإكلينيكية بكلية الطب في جامعة القاهرة، لرصيف22 "نحن الآن بصدد إنشاء مركز متكامل للتعامل مع الحالات التي تحتاج إلى رعاية نفسية بعد الانقاذ من الانتحار، وسيكون التعاون بين كلية طب القصر العيني واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومؤسسة أطباء بلا حدود، إضافة إلى تدشين مشروع آخر بالتعاون مع وزارة الصحة لإنشاء مراكز للسموم على مستوى كل المحافظات. فقد لوحظ أن معظم محاولات الانتحار ناتجة عن تناول الأدوية والمبيدات. في بلاد يغبطها العالم على قوتها البشرية المتركزة في الشباب، تضربها المحن في أقوى ما تملك، فلا ضغط ولا قهر ولا خيبة إلا وتقع على كاهل شبابها، فمتى تستيقظ الدولة من غفوتها وتنقذ الشباب من مرض الاكتئاب؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image