شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
لا تخافوا من الحزن بل تعلموا فن التعامل معه

لا تخافوا من الحزن بل تعلموا فن التعامل معه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 20 يناير 201801:40 م

في كتابها المهم "في البرية" حكت الكاتبة الأمريكية شيريل سترايد عن تجربتها الحقيقية مع الحزن، خلال ادمانها الهيروين والجنس وتحول حياتها إلى جحيم بعد وفاة والدتها التي كانت تحبها بجنون.

برغم حالة الحزن التي كانت تمر بها الكاتبة، فقد قررت أن تسير على قدميها في رحلة في البرية عدة أسابيع لتقطع مسافة 1100 ميل سيراً وحدها، بهدف إعادة اكتشاف نفسها وتعلم كيفية التعامل مع حزنها، وحين انتهت رحلتها القاسية تعلمت أن الحزن يمكن أن يكون أكبر معلم لنا لو أدركنا كيف نتعامل معه بشكل مختلف.

اكتشفت شيريل التي تحول كتابها إلى فيلم ناجح قامت ببطولته الممثلة ريز ويذرسبون وحمل اسم Wild (إنتاج عام 2014)، أن الحزن نفسه لم يكن عدوها الحقيقي أو السبب في كل ما مرت به، بل كان العدو الحقيقي لها هو عدم تقبلها له، وخوفها منه.

"لن أسمح للحزن أن يقتلني، سأتقبله أمراً واقعاً يحدث لجميع البشر، وسأبدأ حياة جديدة بكل قوة وتحدٍّ"، هذا ما وصلت إليه الكاتبة بعد مغامرة صعبة في البرية.

كتاب في البرية ليس الوحيد الذي يهدف لتوضيح صورة مختلفة وغير شائعة عن الحزن، فهناك مقالات عدة تحاول أن تبسط لنا هذا الموضوع، وأحدث تلك المقالات هي ما كتبته جين برودي التي تكتب في مجال الصحة الذاتية لمصلحة موقع The New York Times منذ العام 1976.

في مقالها تعتبر برودي أن البشر بصفة عامة يدركون أن الموت نهاية طبيعية للجميع، لكن رغم ذلك لا يعرف أغلبنا الكثير عن كيفية التعامل مع ما يحدث لنا حين يموت شخص عزيز علينا، في إشارة إلى حالة الحزن التي ندخل فيها، ويمكن أن تحول حياتنا إلى كابوس.

تلفت الكاتبة في مقالها النظر لكتابين حديثين لاثنين من المتخصصين في الطب النفسي، لم تتم ترجمتهما إلى العربية حتى الآن، للأسف، رغم أهميتهما، فهما يتضمنان الكثير من الموضوعات حول كيفية التعامل مع حالات الحزن التي تصيبنا حين نفقد صديقاً مقرباً أو أحد أفراد أسرتنا.

الكتاب الأول يحمل عنوان "إنه أمر طبيعي ألا تشعر أنك بخير"، وهو من تأليف الطبيبة النفسية ميغان ديفين، التي لم تكتب كتابها هذا من فوق برج عال، بل هو خلاصة تجربتها بعد فقد زوجها الذي مات غرقاً وهو في عمر ال 39، حين كان الزوجان في إجازة.

أما الكتاب الثاني فيحمل عنوان "عما يفعله الحزن بنا.. قصص عن الحياة والموت وكيفية البقاء على قيد الحياة"، وهو من تأليف جوليا صموئيل، وهي طبيبة نفسية بريطانية.

الرسالة المشتركة في كل من الكتابين هي أن الحزن أمر يحدث للجميع، ولا يمكن أن نلوم أنفسنا لو تعرضنا له، بل على العكس يجب تقبله، سواء كنا نحن من نمر به، أو كان هناك شخص آخر قريب منا يواجهه.

يختلف الكتابان في الأسلوب، لكنهما يتفقان في المنهج الذي يتعاملان به مع الحزن، باعتبار أن خسارة شخص نحبه يعد تجربة يمر بها كل البشر في كل زمان ومكان، والهروب من الحزن ليس حلاً، بل الأفضل فهمه جيداً.

في كتابها، تنصحنا الطبيبة جوليا صموئيل بفهم حقيقة أنه يجب أن لا يحاول الأصدقاء أو العائلة أن يسرعوا من عملية التخلص من الحزن لدى شخص يمر به، فرغم أن وجودهم في حياة ذلك الشخص يمكن أن يكون داعماً بشكل ما ومساهماً في تخفيف آلام الشخص الحزين، فإن التخلص من الحزن يمكن أن يستغرق وقتاً أطول بكثير مما يظن معظم الناس.

إذاً، فلا داعي للقلق إذا وجدنا شخصاً عزيزاً علينا يعاني الحزن بعد فقد عزيز عليه لفترة طويلة، كما لا ينبغي أن نقلق إذا كنا شخصياً نمر بنفس الحالة لو فقدنا شخصاً نحبه.

الكاتبة نفسها مرت بفترة حزن طويلة حين فقدت أمها عندما كان عمرها 16 عاماً، وتتذكر أن الكثير من المقربين منها كانوا يعتبرون حزنها أمراً "غير طبيعي" على اعتبار أن أمها كانت مصابة بالسرطان وتعاني عذابه، وبالتالي كان يظن هؤلاء الناس أنه يجب على الطبيبة –الفتاة وقتذاك- أن تسعد لأن الموت رحم أمها من كل الألم الذي كانت تمر به. لكن الأمر استغرق من الكاتبة حوالي العام حتى استطاعت تقبل الأمر والخروج من حالة الحزن.

أما الكتاب الذي ألفته ديفين فيرى أن معظم الدعم النفسي لحالات الحزن الذي يقوم به الكثير من الأطباء والمعالجين النفسيين يستخدم منهجاً خاطئاً، من خلال الضغط لتشجيع من يعانون الحزن على التغلب عليه سريعاً، وهو نفس ما يطلبه منهم الأصدقاء وأفراد الأسرة.

"ألم الحزن لن ينتهي سريعاً، ولو حاولتم الضغط كثيراً على من يمر به، فهذا سيخلق مزيداً من المشاكل في المستقبل، طريقة النجاة من الحزن هي السماح للألم بالوجود، حتى ينتهي وحده". تقول ديفين في كتابها.

وبدلاً من محاولة "علاج" الألم، يجب أن يكون الهدف هو تقليل المعاناة، إذ من يمر بحالة حزن لا يريد أن يشعر من الآخرين أنهم متضررون من حزنه ويريدونه أن يتخلص منه سريعاً، بل يريد أن يشعر أنهم يشعرون به ويؤمنون أنه لا يقصد أن يكون حزيناً بشكل متعمد بل هذا يحدث رغماً عنه، وقتذاك سيقل الحزن فعلاً ومن دون ضغط.

يتفق الكتابان على أن التعامل مع شخص حزين هو بالوجود معه دائماً، والاستماع له حين يحب أن يتحدث عن سبب حزنه، من دون مقاطعته أو الضغط عليه للتوقف عن الحزن.

أما لو كنتم لا تجدون -أو لا تستطيعون- أن تحكوا أسباب حزنكم إلى إنسان آخر، فهناك أفكار أخرى منها شراء مفكرة وكتابة كل ما تريدون على صفحاتها.

وهنا نرشح لكم هذا الموضوع على رصيف22.

من الممكن أيضاً أن ترسموا لوحات تمثل مشاعركم، ومن المفيد لكم البدء في تأليف قصة تحوي كل مخاوفكم. ومن الممكن أن تخرجوا إلى مكان يحوي أشجاراً ونباتات خضراء وتتحدثون معها وكأنها أصدقاء لكم، وثقوا أنها ستسمعكم بكل حب ولن تقاطعكم أبداً.

وأخيراً، جميل أن نعيش في سعادة وبدون حزن، لكن لو تعرضنا لموقف في حياتنا تسبب بإصابتنا بحالة حزن، فيجب أن نتعامل مع الأمر بحكمة، وندرك أن التخلص من هذه الحالة يجب أن يتم بهدوء، وبلا ضغوط، فيكفي الضغط الذي يسببه لنا الحزن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image