قبل أربع سنوات، حازت أمنية جادالله (26 عاماً) المرتبة الثانية في دفعتها بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وديبلومين في القانون العام والتجارة الدولية بتقدير عالٍ.
كان دافعها الطموح إلى بدء مسيرتها المهنية بالتقدم للعمل في مجلس الدولة المصري، وهو من الهيئات القضائية العليا في البلاد.
مع الأمل والأحلام، تسلحت أمنية بدرجاتها العلمية المتميزة وبمعرفتها بالدستور والقوانين التي تتيح تولي المرأة مناصب قضائية. لكن، على الرغم من ذلك مُنعت أمنية وزميلات لها من سحب ملفات وظائف قضائية في 30 يناير 2014، لأنّهنّ نساء، بحسب قولها.
تقول أمنية إنه لم يسمح لها ولزميلتها بالتقدم لوظيفة مندوب مساعد في مجلس الدولة، المعلن عنها في الصحف، على الرغم من أن الدستور الجديد يعطيها الحق بالتقدم للوظيفة.
بالإضافة إلى تصريحات المستشار فريد نزيه تناغو رئيس مجلس الدولة حينذاك، بأنه إذا أقرّ الدستور الجديد فسيتم قبول أوراق الخريجات لشغل وظيفة مندوب مساعد في مجلس الدولة.
"لكن ما حصل معنا كان عكس ذلك تماماً"، تقول أمنية لرصيف22.
الرفض والمنع والتضييق هى سياسة مجلس الدولة المصري، ثالث اضلاع القضاء فى مصر مع المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض، عندما يأتي الأمر للتعامل مع عمل المرأة فيه.
فرغم شغل المرأة أغلب الوظائف في مصر والعالم العربي، ما زال مجلس الدولة عصي عليها بسبب تشبث شيوخه بأفكار تتعلق "بعدم ملائمة المراة للعمل بالقضاء" رغم سماح هيئات قضائية أخرى بتدرجها فى المناصب الأخرى.
إلا أن شيوخ المجلس أعلنوا فى جمعية عمومية مغلقة عقدوها عام 2010 رفض المرأة في تلك المهنة.
عزوا حينها الأمر لاحتياج مهنة القضاء لمواصفات معينة لا تتوافر إلا فى الرجال، إلى جانب عدم مناسبة نظام العمل فى المجلس للمرأة، وهو ما تم مقابلته بعاصفة نسوية تسلحت بدستور 2014 الذى أقر حق المرأة فى تولي المناصب القضائية دون استثناء، إلى جانب حكم المحكمة الدستورية العليا عام 2010 بأحقية المرأة فى العمل في جميع المهن والهيئات القضائية، لكن مقاومة المجلس وجمعيته العمومية كانت الأقوى.
الدستور وحده لا يكفي
تقدمت أمنية ونحو 20 من زميلاتها بتظلم إلى مكتب رئيس مجلس الدولة وحرّرن محضراً في قسم شرطة الدقي في اليوم نفسه لإثبات تلك الحالة، وطالبن المجلس بمنحهن الحق في سحب ملفات الوظيفة أسوة بالذكور.
فقانون مجلس الدولة وقانون السلطة القضائية لا يشترطان أن يتقدم الذكور فقط لتولي مثل ذلك المنصب، غير أن تقدمهن لتلك الوظيفة رُفض خلافاً لاتفاقات دولية وقعتها الحكومة المصرية وأبرزها اتفاق منع أشكال التمييز كافة ضد المرأة "سيداو".
لذلك تقدمت أمنية بتظلمها إلى المجلس القومي للمرأة الذي أرسل خطاباً إلى مجلس الدولة يدين فيه تلك الممارسات.
إلّا أنّ المجلس رفض محتوى الخطاب ولم يبرّر أسباب منعه الفتيات من سحب ملفات الوظيفة، وأصدر بياناً شديد اللهجةضد المجلس القومي للمرأة، دعا فيه إلى إقالة رئيسته من منصبها وتحريك دعوى قضائية ضدها لعدم احترامها للقضاء وخروجها عن حدود الأدب فى مخاطبة رئيس مجلس الدولة.
الحقوق المدنية التي تساوي بين الرجال والنساء في الغالب، نص عليها الدستور المصري الجديد الصادر قبل ثلاث سنوات.
فالمادة 11 تتضمن إلزاماً للدولة بتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا والتعيين في الجهات القضائية من دون تمييز.
كذلك أكدت المادة 53 أن المواطنين أمام القانون سواء من دون النظر إلى أي اعتبار، وأن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون. وللمواطنين كافة في المادة 14 من الدستور، الحق في تولي الوظائف العامة على أساس الكفاءة من دون محاباة أو وساطة، وجميعها بنود لا تقبل التأويل حول أحقية المرأة في تولي المناصب القضائية.
تقول لرصيف22 المستشارة تهاني الجبالي، أول قاضية مصرية تعيّن في المحكمة الدستورية العليا، أنه لا تجوز مناقشة أو إيقاف أمر تعيين المرأة في الهيئات القضائية من الناحية الدستورية بعد إقرار دستور 2014 الذي نصت مواده على حق المرأة في تولي المناصب القضائية.
[caption id="attachment_135166" align="alignnone" width="700"] المستشارة تهاني الجبالي[/caption] وتضيف الجبالي: "على الرغم من امتناع هيئات قضائية كمجلس الدولة عن تنفيذ ذلك، فقد قطعنا شوطاً كبيراً في مسألة تولي المرأة مناصب قضائية. ففي مصر الآن، 73 قاضية في هيئات مختلفة إلا في مجلس الدولة والنيابة العامة. فهاتان الهيئتان تصرّان على منع تعيين النساء في أي منصب، الأمر الذي يخالف الدستور".أشكو منك إليك
على الرغم من حساسية الأمر وتعلقه بخرق جهات قضائية معنية بحماية النظام العام للدستور، فإن المتضررات من تعنت مجلس الدولة لم يجدن غيره جهةً للشكوى وتقديم الدعاوى أمام المحكمة الإدارية العليا أحد أفرع المجلس في 30 مارس 2014 للطعن في الامتناع عن تسليم الخريجات ملف شغل وظيفة مندوب مساعد.
تقول أمنية: " في مايو 2015، صدر تقرير هيئة المفوضين التابعة للمجلس في الطعن، وهو تقرير استشاري لا إلزامي للمحكمة، لكنه أوصى بعدم أحقية المرأة في التعيين ورفَضَ الدعاوى.
الحمل والولادة و"طبيعة المرأة" من أسباب الرفض
الرفض غير المبرر من مجلس الدولة في تعيين المرأة قاضية رغم حقها في ذلك وفقاً لدستور 2014، حمل تأويلات عدة في ظل عدم إعلان المجلس رأيه بوضوح في هذا الموضوع المحسوم دستورياً، مما فتح الباب للحديث عن طبيعة المرأة النفسية والاجتماعية أيضاً، وهي حجج تستخدم كثيراً عندما تقف جهة في وجه سير المرأة مهنياً.
يقر أحمد مهران، الأستاذ في القانون العام ورئيس مركز القاهرة للدراسات القانونية، أن الدستور يكفل للمرأة حق التعيين في القضاء من دون جدال، لكنه يرى أن طبيعة القضايا في مجلس الدولة تمنعه من تعيين النساء.
خاصةً، بحسب قوله، وأن مدة التقاضي في الدعاوى الإدارية المنظور فيها قد تطول لسنوات، وهو ما قد لا تتحمله المرأة التي لديها حياة أسرية هي المسؤولة فيها، فضلاً عن حاجتها إلى إجازات طويلة في حالة الولادة مثلاً، وهذا ما يستدعي تأجيل البت في قضايا مهمة.
وقد أكد لرصيف22 أن مجلس الدولة لم يعلن مبرراته في شأن رفض عمل السيدات فيه، إلّا أن طبيعته الخاصة هي السبب الرئيسي، فالنساء يعملن اليوم في هيئات قضائية كمحكمة الأسرة وهيئة قضايا الدولة.
ترفض المستشارة الجبالي هذه الآراء التي تُرجع عدم جواز عمل المرأة في القضاء إلى ظروفها الاجتماعية والنفسية، وهو ما لم يعد مقبولاً في هذا الزمن، خاصةً أن الدستور هو الحَكَم الوحيد بين فئات المجتمع كافة.
القاهرة تتراجع لمصلحة الجيران
ووفقاً للبيانات التي أوردتها نهاد أبو القمصان رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، فإن مشكلة المرأة المصرية في التعيين في القضاء ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى أكثر عهود مصر انفتاحاً خلال القرن العشرين. وقد بدأت حين تقدمت الدكتورة عائشة راتب - الوزيرة والسفيرة والأستاذة في القانون العام في كلية حقوق القاهرة في ما بعد – بالطعن في القرار الذي رفض تعيينها في مجلس الدولة، شأنها شأن زملائها الذين تخرجوا معها في الدفعة ذاتها عام 1951.
ومنذ ذلك التاريخ حتى 2003 عُيّنت نساء قاضيات في ثلاث مناسبات فقط، وصولاً للمستشارة تهاني الجبالي ضمن هيئة المستشارين في المحكمة الدستورية العليا، كأول قاضية مصرية في كانون الثاني من ذلك العام.
وكان تعينها هذا انتصاراً كبيراً حققته المرأة المصرية على مدار تاريخها، تلاه تعيين 32 قاضية عام 2007، و26 قاضية عام 2015.
[caption id="attachment_135167" align="alignnone" width="700"] عائشة راتب[/caption]وعلى الرغم من الريادة المصرية على المستوى الإقليمي خلال فترة الخمسينيات والستينيات، وقيادة القاهرة حركات التحرر الشعبي والثقافي في المنطقة من خلال أذرع وآليات كثيرة، فإن تقارير المركز المصري تؤكد تراجعاً مصرياً كبيراً في مجال تعيين المرأة في القضاء. فنسبة القاضيات لا تذكر إذا ما قورنت بنسبة النساء المغربيات اللواتي اعتلين منصة القضاء عام 1959، والجزائريات اللواتي تولين المنصب نفسه منذ عام 1963.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع