أحياناً، تجد على رأس عمرو أحمد رسم سحلية. وأحياناً تجد طاولة شطرنج. وقد تجد كرة حين يقرر الإعلان عن حبه لأحد الأندية المصرية. فروة رأسه هي أداة تعبيره. لا يجد الشاب ذو الـ21 سنة في الرسم عليها ما يشاء، فهو يستخدمها ليعبر عن حالته المزاجية. يأخذ صورة لحلّاقه، ويطلب منه أن يحلق شعره بحسب الشكل الذي يراه. فيصبح الرأس مكاناً ليعبر الشاب عن اختلافه، والحلاق عن مهارته. يعلم أن ذلك سيكون مدعاة للسخرية في حارته، إلا أنه يرى أنه مخاطرة ممتعة، فالأمر بالنسبة إليه نوع من الجنون محفوف بالانتقاد. هو يرى أن رأسه ملكه يفعل به ما يشاء، وليس لأحد أن يعترض على ما يفعله أياً كان، كما أنه ليس من حق أحد الاعتداء على حريته في تحويل رأسه "لوحةً فنية". "أتعرض لمواقف كثيرة في الشارع المصري الذي يرى ذلك جنوناً، لكنني لا أبالي، أواجه بعضها بالسخرية وبالعراك أحياناً أخرى، وفي كل الحالات ما أقوم به مغامرة لذيذة لا دخل لأحد بها"، يقول لرصيف22. علاقة أحمد بفروة رأسه وشعره ليست استثنائية. هي كعلاقة كثر من الشباب في مصر، والعالم العربي، انعكاس لمشاعر وأفكار ومواقف وانتماءات يودون التعبير عنها. وعلاقة محيط أحمد بتسريحات شعره ليست غريبة أو جديدة أيضاً: استنكار كبار السن وامتعاض رجال الدين واستغراب من لا تتماشى ذائقتهم مع هذه التسريحات، وهو أمر اعتاده من يقرر أن يغير شكل شعره بحسب مزاج رأسه.
قصات الشعر
تطورت قصات الشعر كثيراً، بحسب موسوعة المهن والأعمال التراثية. فقد اشتهرت حلاقة "العصملي" وهي حلاقة الأفندية وفق ما تقول الموسوعة، وتعني حلق الشعر بشكل خفيف جداً. وزيان عرب وتعني الحلاقة بالموسى. والجعجولة وهي حلاقة جميع الرأس ما عدا مقدمه، حيث يبقى فيه شعر متوسط الطول. والطاسة، وهي ما يسمى اليوم بالحفر، وهي حلاقة الشعر من الجوانب وترك الوسط أشبه بالطاسة والبروص، وتكون خفيفه جداً من الجوانب ومن الخلف، وغيرها من القصات التي تشرحها الموسوعة. وصولاً إلى قصات الشعر الحديثة، فكانت أشهرها في التسعينيات حلاقة الكابوريا، على غرار قصة شعر أحمد زكي في الفيلم الذي يحمل الاسم ذاته. وقصات شعر عمرو دياب ومن ثم تامر حسني، وغيرهم من النجوم الشباب المحليين. على الرغم من أن قصات الشعر الغريبة في العصر الحديث قد ميزت عدداً كبيراً من النجوم حول العالم، فيتبارى الشباب في تقليد نجومهم المفضلين أو حتى رسمهم شخصيا على فروة رؤوسهم، إلا أن البعض يعتبرها "عيباً". يرى الحلاق العراقي محمد نفق أن ثورة الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة دفعت الشباب إلى التأثر بقصات نجوم عالميين. فهم يشاهدون نجوم الكرة العالميين، ومقاطع لحلاقين عالميين على "يويتوب". وقد أصبحت بعض قصات الشعر مثار جدال ديني كبير، حتى وصلت إلى حد تكفير من يقوم بها، وأفتت دار الإفتاء المصرية على لسان الدكتور شوقي علام بمكروهية بعض القصات.تسريحات الشباب بين استنكار كبار السن وامتعاض رجال الدين واستغراب من لا تتماشى ذائقتهم معهم
رأسه ملكه يفعل به ما يشاء وليس من حق أحد الاعتداء على حريته في تحويله "لوحةً فنية"
تلك العلاقة المعقدة بين الشباب ورؤوسهم وشعورهم وحلّاقهم والحارة الغاضبة...
نجوم الطرب والغناء على رأس الزُّبن
أحلام وكاظم الساهر وميسي ورونالدو أكثر الشخصيات التي يطلب الزبن تقليدها من حلاق الشعر محمد نفق. يرى نفق خريج الفنون الجميلة، والذي درس فنَّي النحت والرسم، أن الحلاق لا بد من أن يتمتع بموهبة خاصة في الرسم، فلا يستطيع أي شخص أن يرسم بالموسى والمقص إلا إذا كان رساماً في الأساس. "الجنون فنون" شعار رفعه نفق، فعلى الرغم من أن الرسم على فروة الشعر يعتبره البعض جنوناً، إلّا أنه نوع من الفنون أيضاً، وليس هناك أي مانع من تطبيقه في إطار فني، يقول لرصيف22. يُعتبر نفق من أشهر الحلاقين الذين يرسمون على فروة الرأس وتنتشر فيديواته على "يوتيوب"، مستخدماً في ذلك الخدع البصرية وتقنية الأبعاد الثلاثة، ويرى أن كل شخص حر في التعبير عن شخصيته، حتى وإن كانت من خلال الرسم على فروة رأسه. عكس نفق، يرى الحلاق الفلسطيني سائد جراد أن الرسم على فروة الرأس لا يقتصر فقط على الرجال، بل وصل إلى الفتيات أيضاً وإن كن يقمن بتغطيته بالشعر، إلا أن الأمر لا يرقى ليصل إلى مستوى الظاهرة بسبب رفض المجتمع الفلسطيني المحافظ ذلك. ويرى أن هناك رسوماً بسيطة لا تضر إذا كان "الزبون" يريد ذلك، لكن من دون مبالغة في المطلوب احتراماً لعاداتنا الشرقية، وإن كان هناك حلاقون يتخذون ذلك وسيلة لجذب عدد كبير من الزبن لإبراز إمكاناتهم في عالم التجميل الواسع"."فرنسا" السحلية والشطرنج والنظارات على رؤوس الزبن
عمر الشهير بـ "فرنسا" من أشهر الحلاقين في حي الهرم بمصر، تأتي شهرته من كونه يستطيع رسم أي صورة على رؤوس زبنه، وعلى الرغم من أنه لا يستطيع الرسم "بالورقة والقلم"، إلا أنه يبدع بالمقص والموسى ليبلغ شهرة كبيرة في هذا المجال، جعلت كثراً على قائمة الانتظار للحصول على موعد للقاء موساه ومقصه. "فرنسا" الحاصل على مؤهل السياحة والفنادق، والذي يعمل في الحلاقة مُذ كان في السادسة من عمره، يقول لرصيف22، أنه يستعين باليوتيوب للتعرف إلى أحدث القصات العالمية، محاولًا تطوير نفسه بنفسه لينجح في تنفيذ القصات الخاصة التي يطلبها زُبنه. ويستغرق بين 30 دقيقة وساعة كاملة لتنفيذ رسمة، "كل واحد وشكل دماغه"، يقول فرنسا، ويتراوح سعر الرسمة بين 120 جنيهاً و300 جنيه مصري.شاكوش... مطرقة... ساطور وسكين... هتحلق يعني هتحلق
ظهرت أدوات الحلاقة الأولى في فرنسا عام 1762، وكانت عبارة عن قطع طويلة من النحاس أو الحديد، ذوات شفرات حادة يتم شحذها بتمريرها مرات عدة على قطعة جلد مشدودة إلى حائط. في عام 1895، خطر لـ "كنغ كامب جيليت" فكرة ابتكار شفرة من الفولاذ ذات حد قاطع يتم تثبيتها على قطعة حديد، وشرع يؤسّس الشركة الأميركية الأولى لصناعة أدوات حلاقة آمنة عام 1901. ومع الوقت اكتشف الناس آلة "جليت" وزاد الإقبال على شرائها. اليوم، تطورت آلات الحلاقة واتصف بعضها بالخطورة والشذوذ أحياناً، فهناك مَن يستخدم النار أو المطرقة والشاكوش أو السيوف وغيرها. يصف الحلاق والفنان العراقي نفق توجه بعض الحلاقين إلى استخدام أدوات غريبة مثل الشاكوش والمطرقة والإزميل، بالتخلف والجهل، وفق تعبيره. ويعتبرها جراد محاولة لجذب عدد أكبر من الزّبن في الوقت الذي أصبحت "مهنة الحلاقة" مهنة من لا مهنة له، وفق وصفه. على العكس منهما، كان للحلاق المصري أحمد أبو العنيين رأي آخر، حيث يرى أن لكل حلاق طرائقه الخاصة في إيصال فكره، وبناء على ذلك يجب ألا يدخر وسعاً في راحة زبنه وابتكار ما يجذبهم. أبو العنيين ليس أول من يستخدم وسائل غريبة للحلاقة، لكنه يعتبر نفسه متفرداً باستخدام الوسائل الحادة كالشاكوش والساطور والسكين. "بصراحة زبايني بيساعدوني أجرب الحاجات الجديدة ومبيخافوش"،يقول أبو العينين. "ثقتهم في كبيرة، ودائما أراعي نظافة الأدوات التي أستخدمها وأعقمها جيداً سواء كانت شاكوشاً أو مطرقة أو ساطوراً أو سكينة، وإن كان البعض يرى في ذلك جنوناً والبعض الآخر يعتبره شذوذاً، إلا أنني أعي تماماً ما أفعله وسلامة زبني فوق كل اعتبار"، يقول أبو العنيين.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...