انشغل أخيراً مهرجان "ساندنس" للسينما المستقلة الذي أسسه الممثل الأميركي روبيرت ريدفورد، بمواضيع اجتماعية حساسة مع فوز مجموعة من الأعمال الفنية التي تعكس الآلام والمعاناة الإنسانية، كانت للقضايا العربية حصة كبيرة فيها.
[caption id="attachment_134868" align="alignnone" width="700"]
طلال ديركي[/caption]
تميّز حفل "ساندنس" بالاحتفاء بأعمال مهمة على غرار فيلم "عن الآباء والأبناء" للمخرج السوري طلال ديركي الذي تمكن من انتزاع الفوز لأفضل وثائقي أجنبي.
الكابوس
"في صغري، علّمني أبي أن أكتب كوابيسي على ورقة، حتى لا تعود مجدداً، وها أنا الآن أكتب أطول كابوس عشته على الإطلاق". بهذه العبارة يبدأ المخرج السوري طلال ديركي فيلمه "عن الآباء والأبناء"، الذي يسلّط من خلاله الضوء على وقع الحرب السورية وتأثير المعارك العنيفة على تنشئة الأطفال وسلب طفولتهم. https://www.youtube.com/watch?time_continue=18&v=zaow0_e9loE تدور قصة الفيلم حول يوميات أب سوري في إحدى الفصائل المسلّحة التابعة لجبهة النصرة يحاول أن يجعل من أبنائهم مقاتلين، فيحثّهم على السير على طريق الجهاد من خلال إخضاعهم لتدريبات في مخيمات عسكرية برغم صغر سنّهم. فمع اشتداد الأزمة السورية، ارتأى الوالد المجاهد أولاده على الانخراط في النزاعات الشائكة الدائرة في البلاد، وهكذا تحوّلت الأسلحة بين أيدي الأطفال إلى "ألعاب" وباتت المعارك المرسومة في مخيلتهم "واقعاً مؤلماً" ينغص حياتهم اليومية. فيلم "عن الآباء والأبناء" ليس الفيلم الأول لديركي الذي يفوز في مهرجان "ساندانس"، ففي العام 2014 شارك المخرج السوري في فعاليات المهرجان بفيلم "العودة إلى حمص"، الذي فاز بدوره عن جائزة أفضل فيلم وثائقي عالمي. يتحدث الفيلم الذي صوّر على مدى 3 أعوام في حمص "المدمّرة" عن تطور الأزمة السورية من خلال قصة شابين: عبد الباسط الساروت، حارس المرمى السابق للمنتخب السوري للشباب لكرة القدم ونادي الكرامة، والذي اعتبر في البداية أحد أبرز الأصوات التي تقود التظاهرات بالأناشيد، قبل أن يقرر التخلي عن الحراك السلمي ويحمل سلاحه بوجه قوات النظام. أما القصة الثانية التي يرويها الفيلم فتعود لطالب جامعي يدعى أسامة الحمصي، الذي تحوّل إلى ناشط إعلامي يقوم بتوثيق يوميات الصراع السوري حتى يوم اعتقاله ويصبح مستقبله مجهولاً.قضايا اجتماعية
لطالما أبدى مهرجان "ساندانس" اهتمامه بالمسائل الشائكة، فكان الداعم الأساسي للأعمال الفنية المختلفة بغية إيصال "أصوات" المخرجين والمخرجات ورسائلهم الاجتماعية إلى العالم، خاصة من خلال الإضاءة على أفلام جريئة ومواضيع تعتبر من الـ"تابوهات". ففي هذا العام، نال فيلم The Miseducation of Cameron Post استحسان نقاد السينما لناحية جرأته في طرح موضوع المثلية الجنسية، متصدراً اهتمام الجميع في المهرجان. يتناول الفيلم قضية التحول الجنسي، وتخضع بطلته المراهقة لعلاج تحويل بعدما قبض عليها، وهي تقيم علاقة مثلية مع صديقة لها في المدرسة. ومن ضمن المواضيع الاجتماعية الشائكة، فاز فيلم "كايلاش" عن فئة الأفلام الوثائقية الأميركية. تدور أحداث الفيلم حول الناشط الهندي "كايلاش ساتيارثي" الفائز بجائزة نوبل للسلام واهتمامه بالقضايا الاجتماعية المتعلقة بالأطفال، خاصةً موضوع عمالة الأطفال. ومن أبرز الأفلام لهذا العام، جاء فيلم "كوليت"، الذي يتحدث عن الروائية الفرنسية "كوليت"، التي حُرمت من حقوقها الإبداعية في نهاية القرن الـ 19 لكونها امرأة، بالإضافة إلى صراعها مع زوجها المستبدّ الذي يحاول تقييدها وحجب الحس الفني الموجود فيها. والفيلم الدرامي والمؤثر "The Tale" التي تستعيد من خلاله المخرجة جينيفر فوكس أحداثاً حقيقية ومؤلمة مرت بها في طفولتها إذ تكشف عن وقوعها ضحية اعتداء جنسي حين كانت في الـ 13 من عمرها على يد مدربها الرياضي البالغ من العمر 40 عاماً.معاناة عربية أخرى
للأزمات العربية حصة كبيرة من مجمل الأعمال المعروضة في "ساندنس"، فقد نال الفيلم الوثائقي "This is Home" للمخرجة أليكساندرا شيفا على إعجاب الجمهور، بسبب طابعه الواقعي والمجرّد. يتعقّب الفيلم حياة 4 عائلات سورية لجأت إلى الولايات المتحدة الأميركية من أجل فتح "صفحة جديدة" بعدما أصبح العيش في وطنها "حلماً مستحيلاً". من خلال فيلمها الوثائقي، قامت "شيفا" بتلخيص معاناة هذه العائلات السورية مع مسألة التأقلم والاندماج في المجتمع الأميركي، إضافة إلى تسليط الضوء على الكثير من التحديات التي واجهها الأفراد السوريون سواء كان ذلك على الصعيد الشخصي أو العائلي في ظل اختلاف المعايير والقيم بين الوطن الأم والوطن البديل وصعوبة التواصل مع الآخرين نتيجة الاختلافات الثقافية وعدم إتقان اللغة الإنجليزية في الكثير من الأحيان. وفي معرض الحديث عن المعاناة الإنسانية التي يعيشها العرب في الوقت الراهن، حصدت المخرجة اليكسندرا بومباك جائزة أفضل إخراج عن الفيلم الوثائقي المؤثر "On her Shoulders". تدور أحداث الفيلم حول "ناديا مراد" وهي شابة يزيدية تعرضت للاختطاف في العراق، وهي في التاسعة عشرة من عمرها على يد عناصر تابعة لتنظيم "داعش". معاناة كبيرة ترويها دموع ناديا التي كانت تتعرّض على مدار عامين لاغتصاب يومي على يد المسلحين المتشددين في الموصل. تمكنت هذه الشابة من الإفلات من قبضة المسلحين في موصل، ومن الدولة الإسلامية، لتقابل زعماء الدول الكبرى، وبفضل جرأتها حرّكت "مراد" الرأي العام العالمي من خلال حملات تطالب المسؤولين حماية النساء والأطفال من الإيزيدية المحتجزين لدى داعش. يذكر أنه في العام الماضي فاز الفيلم السوري "آخر رجال حلب" للمخرج فراس فياض بجائزة "سندنس" لأفضل فيلم وثائقي عالمي، واللافت أن هذا الفيلم الذي يسلّط الضوء على تضحيات بطولات "أصحاب الخوذات البيضاء" (رجال الدفاع المدني)، خاصةً لجهة تكريس حياتهم في سبيل إنقاذ ضحايا الاعتداءات وإصرارهم على البقاء في سوريا لتحقيق السلام، هو اليوم مرشح للحصول على جائزة الأوسكار بعد وصوله إلى القائمة النهائية لأفضل 5 أفلام وثائقية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.